رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: إبراهيم باجس عبدالمجيد 11 ديسمبر، 2016 0 تعليق

تاريخ المكتبات العربية في بيت المقدس

كان معظم الكتب الموقوفة على المسجد الأقصى ذا نوعية فاخرة بدليل دوامها عبر العصور، وكان بعضها يرد من مدن أخرى

كان يقوم بعملية بيع الكتب الناسخون أنفسهم دون استخدام دكاكين خاصة لذلك، أو بواسطة الدلالين؛ حيث كان دلال الكتب ينادي عليها في الأسواق

استقى المؤلف مادة كتابه من أصول الينابيع، فرجع إلى السجلات الشرعية في المحكمة الشرعية في القدس، كما رجع إلى المخطوطات المقدسية الأصلية

الغرض الرئيس من هذا الكتاب هو استعراض تلك المكتبات التي تأسست في بيت المقدس خلال العهد العثماني بوصفها من أهم المؤشرات التي تبين لنا مستوى الحياة الثقافية والعلمية

 


تظل القدس- كمكة المكرمة والمدينة المنورة- هي الجامعة والموحدة لقلوب العرب والمسلمين، وتظل قلوبهم معلقة بها وبمسجدها الأقصى، وما فيها من تراث عربي إسلامي عريق عراقة الإسلام نفسه، ومهما اختلف المسلمون فلن يختلفوا على حب مدينة بيت المقدس، والشوق إليها، والعمل على الحفاظ على التراث العربي والإسلامي، واستنطاق الإرث العريق في هذه المدينة العريقة.

     وقد أصدر مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية كتاباً بعنوان: (تاريخ المكتبات العربية في بيت المقدس) في سنة 1433هـ/2012م في 345 صفحة، وقد شرفت بقراءته ومراجعته لما كان مسودة قبل طبعه ونشره لمؤلفه المؤرخ بشير عبدالغني بركات، ورأيت فيه علماً غزيراً، استقى المؤلف مادته من أصول الينابيع، فرجع إلى السجلات الشرعية في المحكمة الشرعية في القدس، كما رجع إلى المخطوطات المقدسية الأصلية الموجودة في مكتبات القدس التي انتقلت إلى غيرها من مكتبات العالم.

وفي التعريف بهذا الكتاب أجدني مضطراً في كثير من الأحيان إلى النقل المباشر مما كتبه المؤلف، مع التصرف في بعض العبارات، ولعلي في ذلك أزيد شوق القارئ إلى الرجوع إلى الكتاب نفسه؛ لينهل من مادته، فما أقدمه لا يروي غليلاً، ولا يشفي عليلاً.

الكتاب.. لماذا؟

     يقول المؤلف في مقدمة الكتاب: «تفخر مدينة بيت المقدس فيما تفخر بمكتباتها التاريخية، التي فتحت أبوابها أمام العلماء والباحثين والطلبة عبر العصور. وقد نشرت دراسات عدة حول تاريخ تلك المكتبات، لكن أكثرها يفتقر إلى الموضوعية والإحصائيات الدقيقة»، ويقول بعد ذلك: «إن الغرض الرئيس من هذا الكتاب هو استعراض تلك المكتبات التي تأسست في بيت المقدس خلال العهد العثماني بوصفها من أهم المؤشرات التي تبين لنا مستوى الحياة الثقافية والعلمية في ذلك العهد الذي قلل من شأنه بعض المؤرخين والتربويين بعد خضوع بيت المقدس للاحتلال، وقد بذلت وسعي في هذا الكتاب لتغطية شاملة لكافة المكتبات والكتب المقدسية خلال العهد المذكور؛ حيث راجعت سجلات محكمة القدس الشرعية التي تحتوي على تفاصيل حول مكتبات المشاهير ومحتوياتها ووقفياتها، فضلاً عن مراجعة المصادر المطبوعة القليلة التي تحدثت عن بعض المكتبات المقدسية، كما أنني فهرست عدداً من المجموعات المحفوظة في بعض المكتبات العامة والخاصة في القدس؛ مما أتاح لي مراجعتها ومعرفة كثير من ناسخيها وملّاكها عبر العصور».

صناعة الكتاب في القدس

     يبدأ المؤلف كتابه بالحديث عن صناعة الكتب في بيت المقدس، نسخاً وتجليداً وتوزيعاً وترميماً، ففي مجال نسخ المخطوطات، وهو المرحلة الأولى والمهمة من مراحل صناعة الكتب، كان كثير من العلماء ينسخون ما يرغبون من مخطوطات بأيديهم، لكن لما «كان النسخ أهم مراحل صناعة الكتاب، وأكثرها تكلفة؛ لذا شكلت تلك المهنة مصدر رزق حتى لبعض أكابر العلماء؛ حيث كانوا يمارسون النسخ في أوقات فراغهم في المسجد الأقصى، أو في مدارسهم ومنازلهم... وحيث كان النسخ عملاً شاقاً، ويستغرق وقتاً طويلاً، فنادراً ما كان الناسخون ينسخون كتباً حسب ميولهم ورغباتهم الشخصية؛ فقد لا تلقى رواجاً، فيذهب جهدهم هباءً؛ لذا كانوا يعقدون في الغالب صفقات مع العلماء لنسخ كتب محددة حسب طلباتهم مسبقاً، وكانت جودة الخط تختلف من ناسخ إلى آخر؛ فكانت أجورهم تتفاوت تبعاً لذلك».

     ويورد المؤلف معلومات مهمة وجداول إحصائية عن الناسخين في القدس منذ القرن الثامن الهجري في العهد المملوكي حتى القرن الرابع عشر الهجري في أواخر العهد العثماني، وانتماءاتهم العائلية، وعدد المخطوطات التي نسخوها في كل قرن من هذه القرون، كما يتحدث عن أدوات النسخ المستخدمة في تلك الحقبة من ورق وحبر وأقلام، مبيناً ما كان يصنع منها في القدس، وما كان يستورد من البلدان الأخرى مثل: مصر، والشام، وحماة، والبلدان الأوروبية.

التجليد وبيع الكتب

     فيما يخص التجليد يذكر أنه «بعد الفراغ من نسخ ورق الكتاب كان بعض الناسخين يرسلها إلى فنان يزخرفها ويذهّبها، وبعد ذلك يرسلها إلى مجلد يقوم بخياطة الملازم وتغليفها بجلد أو ورق مقوى. وقد يزين الغلاف - حسب رغبة العالم الذي طلب نسخ الكتاب - بإطارات مذهّبة وأشكال هندسية ورسوم نباتية». كما يقول عن المجلد: كان «يمارس عمله في دكان مستقل يستأجره في السوق حسبما تشير سجلات المحكمة الشرعية بالقدس». ويورد اسم مجلد من العصر المملوكي، وأسماء عشرة من المجلدين في العصر العثماني، معظمهم من العجم، ويشير أيضاً إلى أن العجم احتكروا مهنة التذهيب أيضاً، ويذكر أن «قاضي القدس كان يعين نقيباً على المجلدين، بحيث يرعى مصالحهم، ويحل مشكلاتهم، ويمثلهم لدى الوالي والقاضي؛ ففي عام 1102هـ/1691م عين القاضي خليل أفندي الشيخ منصور بن الحاج عبدالرحمن شيخاً ومتكلماً على جماعة المجلدين للكتب ودلالي الكتب؛ لكون أنه ماهر في صناعته، ولعفته وديانته وأمانته».

     أما عملية بيع الكتب، فقد كان يقوم بها الناسخون أنفسهم دون استخدام دكاكين خاصة لذلك، أو بواسطة الدلالين؛ «حيث كان دلال الكتب ينادي عليها في الأسواق، أو يعرضها على أساتذة المدارس وطلابها، فكان يقوم مقام المؤرخ في العصر الحديث. وكان الدلال يمارس عمله بعد الحصول على ترخيص رسمي، كما في عام 1036هـ/1626م؛ حيث أقام قاضي القدس الشريف الشيخ صالح بن المرحوم الشيخ شهاب الدين، الشهير بابن عقبة، دلالاً لبيع الكتب التي تباع بمدينة القدس الشريف، ويعرضها على طلبة العلم والعلماء الكرام ومشايخ الإسلام القاطنين بالمدينة المذكورة. وفي عام 1094هـ/1683م نصب الحاكم الشرعي السيد موسى البتيري شيخاً على من يتعاطى بيع الكتب بالقدس الشريف».

 تعيين أمين للمكتبة

لما كانت الكتب عرضة للتلف والضرر ظهرت في بيت المقدس مهنة الترميم، ويورد المؤلف أسماء عدد من الأشخاص الذين عينوا رسمياً لترميم المخطوطات، خصوصاً المصاحف، في المكتبات العامة.

     وبعد الحديث عن صناعة الكتب يتحدث المؤلف عن المكتبات والخزائن التي تحوي هذه الكتب والمخطوطات، فيبدأ بذكر خزانة قبة الصخرة المشرفة، «التي تعد من أقدم المكتبات العامة في مدينة المقدس... وكان محسنون من أهل المدينة وزائريها ومحبيها يرفدونها بالكتب من خلال وقفيات يتم تسجيلها لدى قاضي القدس... وقد استمرت تلك الخزانة في تقديم خدماتها للعلماء والطلبة إلى أن تم نقل ما تبقى من مصاحفها وكتبها إلى المتحف الإسلامي ودار كتب المسجد الأقصى خلال عهد المجلس الإسلامي الأعلى».

     ويذكر المؤلف مصادر كثير من الكتب والمخطوطات التي وقفت على هذه المكتبة منذ القرن الثامن حتى أواخر القرن الثالث عشر الهجريين، كما يذكر أنه «بعدما اكتظت خزانة قبة الصخرة المشرفة بالمصاحف والكتب برزت الحاجة إلى مسؤول يتولى أمرها، فأصبح قاضي القدس يعين أمينا على المكتبة بهدف الحفاظ على سلامة كتبها، والإشراف على ترميمها وإعارتها وجردها، وكان الناظر يعين نائباً أو وكيلاً عنه في فترة غيابة»، ويورد المؤلف أسماء عدد من الذين تولوا الإشراف على مكتبة قبة الصخرة المشرفة.

مكتبات المدارس والزوايا

     بعد الحديث عن مكتبة قبة الصخرة المشرفة يتحدث المؤلف عن مكتبات المدارس والزوايا والأروقة؛ فقد «دأب مشايخ بعض المدارس والزوايا والأروقة في بيت المقدس على تأسيس مكتبات صغيرة مستقلة تكون تحت تصرف روادها ونزلائها، وقد تفاوتت تلك المكتبات من حيث الحجم والأهمية، وكان بعض الناسخين يفضلون إنجاز أعمالهم في تلك الأماكن الهادئة». ويذكر من مكتبات تلك المدارس: المدرسة الغزالية؛ نسبة إلى أبى حامد الغرالي، وهي من أقدم تلك المدارس، والمدرسة الناصرية الصلاحية، التي وقفها الناصر صلاح الدين الأيوبي على الشافعية، والمدرسة الإسعردية، التي وقفها الخواجا مجد الدين عبدالغني الإسعردي سنة 770هـ/1368م، والمدرسة الحسنية التي أنشأها ووقفها الأمير حسام الدين الحسن بن ناصر الدين، الشهير بالكشكيلي، سنة 837هـ/1433م، والمدرسة الطولونية، التي أنشأها شهاب الدين أحمد بن محمد الطولوني الظاهري قبل سنة 800هـ/1397م، والمدرسة العثمانية التي وقفتها أصفهان خاتون بنت محمود العثمانية سنة 840هـ/1436م، والمدرسة الجركسية، والمدرسة الموصلية، والمدرسة التنكزية، ومدرسة الأمير عيسى الهكاري، المعروفة بدار الحديث.

     أما الزوايا، التي كانت تعرف بالخوانق (جمع خانقاه) فيذكر المؤلف عدداً منها، مثل: الخانقاه الباسطية التي عمرها زين الدين عبدالباسط بن خليل الدمشقي، والخانقاه المولوية التي أنشأها محافظ القدس (خذاوردي بيك) أواخر القرن العاشر الهجري، والزاوية الفخرية التي وقفها فخر الدين محمد بن فضل الله، المتوفى سنة 732هـ/1331م، والزاوية الأزبكية التي أسس مكتبتها الشيخ عبدالرسول شيخ الأزبكية بالقدس، المتوفى 1200هـ/1786م، وزاوية النبي داود عليه السلام، وزاوية الهنود.

ومن أروقة المسجد الأقصى التي ضمت عدداً من الكتب: رواق الأكراد، ورواق الشيخ منصور بن علي المحلاوي، ورواق المغاربة.

ويلحظ من العرض المختصر لتلك المكتبات أن كثيراً منها أنشأها أو وقفها أناس من غير أهل بيت المقدس، منهم: الأوزبك، والهنود، والمغاربة، والأكراد، كما كان منهم الأمراء والحكام والقضاة، وكان منهم الرجال والنساء على حد سواء.

مكتبات عائلية

     يذكر المؤلف بعد ذلك المكتبات الخاصة الموجودة لدى بعض العائلات المقدسية، فيقول: «تفيدنا مخطوطات بيت المقدس وسجلات محكمتها الشرعية بأن العائلات المقدسية كانت تحتفظ بعشرات المكتبات الخاصة خلال العهد العثماني، ويشير ما تبقى منها بين أيدينا إلى حرص النخبة العلمية على اقتناء أمهات الكتب مهما بغلت أثمانها في العهد المذكور، ورغم نقل أعداد كبيرة من تلك المخطوطات إلى خارج فلسطين فإن مكتبات بيت المقدس ما زالت تحتوي على العديد من المخطوطات القديمة التي كانت بحوزة تلك النخبة».

     وقبل الحديث بالتفصيل عن المكتبات الخاصة، أو المكتبات العائلية، يورد المؤلف جداول إحصائية تخص هذه المكتبات، ومن ذلك: جدول يبين العائلات التي تملكت مكتبات خلال العهد العثماني، وعدد الكتب التي تملكتها كل عائلة، وجدول آخر يبين أعداد الكتب التي كانت في بيت المقدس مرتبة حسب القرون الهجرية من القرن العاشر إلى القرن الرابع عشر، وجدول آخر يبين عدد المخطوطات التي كانت موجودة في المكتبات المعاصرة عند بعض العائلات المقدسية مرتبة حسب تواريخ النسخ، وجدول آخر يبين مخطوطات المكتبات العائلية مقارنة بمخطوطات المكتبات المعاصرة منذ القرن العاشر حتى القرن الرابع عشر الهجريين.

     ثم يأتي المؤلف على ذكر المكتبات العائلية في بيت المقدس، ويذكر من برز من هذه العائلات من علماء ووعاظ ومؤلفين، وما وقفوه من كتب على مكتباتهم الخاصة، أو على غيرها من المكتبات. وهذه العائلات المقدسية هي: عائلة أبو اللطف (جار الله)، وعائلة الديري (الخالدي)، وعائلات الخليلي، وعائلي العلمي، وعائلة أبو السعود الداودي، وعائلة حبيش (البديري)، وعائلة العجمي، وعائلة قاضي الصلت (الإمام)، وعائلة الحسيني، وعائلة العفيفي، وعائلة السروري، وعائلة الأنصاري الداودي، وعائلة الخطيب الكناني، وعائلة المعري (عويضة)، وعائل القطب، وعائلة شكي مكي (وهبة)، وعائلة نسيبة، وعائلة الدجاني، وعائلة الفتياني، وعائلة الشهابي، وعائلة الجاعوني، وعائلة الصالح، وعائلة الدقاق، وعائلة الوفائي الحسيني، وعائلة قطينة.

     ثم يفرد الحديث عن مكتبات المغاربة؛ إذ «استقرت الجالية المغربية في القدس منذ الفتح الصلاحي، وجمع كثير من علمائها مكتبات اختص بعضها بالفقه المالكي»، ويذكر كثيرا من العلماء المغاربة الذين تملّكوا الكتب، ووقفوها على مكتباتهم الخاصة، أو على مكتبة المسجد الأقصى، وغيرها من المكتبات داخل بيت المقدس وخارجه، ويذكر المؤلف أن «غالبية مكتبات المغاربة تبعثرت في القدس وخارجها، وحمل بعضها إلى دار الكتب الظاهرية في دمشق واختفى أغلبها بعد تدمير حارة المغاربة بالجرافات بعيد حرب عام 1378هـ/1967م».

     وتحت عنوان «مكتبات أخرى» يذكر المؤلف أن كثيرا من أعيان القدس أسسوا «مكتبات أخرى جديرة بالذكر، ومن بينهم قضاة ومفتون وعلماء، وما زال أحفاد بعضهم يقيمون في القدس، بينما انقرضت ذرية آخرين»، ويذكر المؤلف أن المكتبات التي ضمت 20 كتابا فأكثر بلغ مجموعها 73 مكتبة ضمت 5394 كتابا، وسرد أسماء عدد كبير من الأعيان والعلماء الذين اقتنوا مكتبات خاصة في بيت المقدس.

وقف الكتب

     وفي حديثه عن «وقف الكتب» يذكر المؤلف أن سجلات المحكمة الشرعية والنصوص المثبتة على معظم المخطوطات المقدسية تفيد بأنها كانت موقوفة، وكان أكثر ملاكي المخطوطات يقفونها على ذرياتهم، كما «كان أكثر الواقفين على الذرية يشترطون تحويل الكتب إلى مسجد أو مدرسة معينة أو إلى طلبة العلم بشكل عام في حال انقراض ذريتهم»، ويقول: «أما الكتب الموقوفة على المسجد الأقصى فكان معظمها ذا نوعية فاخرة بدليل دوامها عبر العصور، وكان بعضها يرد من مدن أخرى».

     ويتحدث المؤلف عن الإجازات والأسانيد؛ لارتباطها بالكتاب المخطوط، وهذه الإجازات هي بمنزلة الشهادات العلمية التي تمنح إلى الطلبة في وقتنا الحاضر، وتعطى من الشيخ لمن قرأ عليه كتابا معينا، أو درس عليه علما من العلوم، ويذكر في هذا الصدد مجموعة من الإجازات التي منحها علماء غير مقدسيين في القدس، وكذلك يورد مجموعة من الإجازات والأسانيد لعلماء من غير أهل بيت المقدس دونت على مخطوطات جلبت إلى مكتبات هذه المدينة الشريفة.

ويتعرّض المؤلف إلى فئة يتعلق عملها بصناعة الكتاب، وهم الخطاطون؛ إذ «برز في بيت المقدس العديد من الخطاطين في مختلف العصور، وكان دورهم أساسيا في تعليم ناسخي المخطوطات وكتّاب المحاكم والدواوين فن الخط»، ثم ذكر عددا وافرا منهم.

المكتبات الحديثة

     وعرج المؤلف على الحديث عن المكتبات الحديثة، فذكر أنه «بعد زوال الحكم العثماني تم تأسيس عدد من المكتبات العربية العامة في القدس التي كانت تقدم خدماتها للرواد على النهج المعاصر، وكان من أهمها دار كتب المسجد الأقصى». وذكر أيضا من بين هذه المكتبات: مكتبة محمد إسعاف النشاشيبي، ومكتبة الكلية العربية، ومكتبة متحف الآثار الفلسطيني، ومكتبة خليل السكاكيني، وغيرها من المكتبات.

     ثم يعود المؤلف إلى الحديث عن المخطوطات المقدسية، فيذكر ما نقل منها إلى خارج فلسطين، خصوصا في أواخر العهد العثماني، وقد توزعت هذه المخطوطات في مختلف المكتبات العالمية، مثل: مكتبات سوريا، وتركيا، والسعودية، والعراق، وأمريكا، وألمانيا، وغيرها من البلدان.

     ثم يسرد المؤلف قائمة بالناسخين، وما نسخوه من مخطوطات في العهدين المملوكي والعثماني، وأفرد من بين هؤلاء من ينتمون إلى عائلات مقدسية معروفة، مثل: الحسيني، والعجمي، وبالي، وأبو اللطف، والتميمي، والخليلي، وغيرهم؛ إذ كثر الناسخون في هذه العائلات.

     ويختم المؤلف كتابه بالحديث عن الطباعة في بيت المقدس، فيذكر أن الزوار الأوروبيين كانوا يحملون معهم بعض الكتب المطبوعة بلغاتهم أو باللغة العربية، «ومن بين أوائل المطبوعات التي دخلت بيت المقدس، كتاب The Turkish History للمؤرخ J.Savage، المطبوع في لندن عام 1113هـ/1701م، والذي يضم تاريخا وتراجم مصورة للخلفاء العثمانيين حتى العام المذكور، وكتاب (مقامات الحريري) المطبوع عام 1144هـ/1731م، ممزوجا بترجمة إلى اللاتينية أعدها Alberto Schultens». ويذكر أن تاريخ الطباعة في القدس بدأ سنة 1246هـ/1830م، «وتلا ذلك تأسيس العديد من المطابع في القدس، حيث بلغ عددها 11 مطبعة في العهد العثماني، و11 أخرى خلال الاحتلال البريطاني».

وذكر مجموعة من هذه المطابع، وتاريخ تأسيسها، وما كانت تطبعه من كتب ومجلات وصحف.

وفي آخر الكتاب يورد المؤلف نماذج مصورة من بعض المخطوطات المقدسية القديمة والمهمة، كتبت في تواريخ مختلفة، يرجع بعضها إلى القرن الثامن الهجري.

     وفي الختام أقول: لقد أحسن مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية صنعا بطباعة هذا الكتاب، وأراه رافدا مهما للمكتبة العربية، يعمل على التعريف بالتراث المقدسي، والمعرفة المقدسية، من خلال التعريف بالمكتبات والعلماء والكتب في بيت المقدس.

المؤرخ بشير بركات محب القدس

     عمل المؤرخ بشير عبدالغني بركات جاهداً على إحياء التراث المعرفي في القدس، من خلال إصدر مجموعة من الكتب والدراسات حول التاريخ القديم والحديث لبيت المقدس، مع العناية بمكتباته، وعمل فهارس لدور المخطوطات فيها؛ مثل: مكتبة دار إسعاف النشاشيبي، التي يديرها منذ عام 1999م؛ فقد أصدر كتاباً في جزأين يشمل فهارس هذه المكتبة العريقة، كما أصدر فهارس مخطوطات الزواية الأزبكية في القدس.

     وحب المؤرخ بشير بركات للقدس دفعه إلى البحث في تاريخها، وتاريخ رجالاتها؛ فقدم في ذلك مجموعة من الكتب والدراسات؛ مثل: القدس الشريف في العهد العثماني، ومباحث في التاريخ المقدسي الحديث (ثلاثة أجزاء)، وشخصيات القدس في القرن العشرين، وصناعة الكتب في القدس في العصر العثماني، وتاريخ الساعات في مدينة بيت المقدس خلال العهد العثماني، وتاريخ التركمان في فلسطين وحاضرهم. كما يعكف الآن على تأليف بعض الكتب في المعارف المقدسة، منها:

- موسوعة مشاهير بيت المقدس، وتشمل العلماء والخطباء والقضاء والمفتين وغيرهم من المشاهير الذين برزوا في بيت ا لمقدس منذ الفتح العمري حتى يومنا هذا، ومن بينهم شخصيات لم يسبق أن نشر عنها أي شيء حتى الآن، خصوصاً في الحقبة العثمانية.

- موسوعة بيت المقدس: وتتناول معلومات لم تنشر من قبل عن الزلازل والمجاعات وترميم المباني والألفاظ الدارجة وغير ذلك من المعلومات المستمدة بالدرجة الأولى من سجلات محكمة القدس.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك