رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. عبدالمحسن الجار الله الخرافي 30 يوليو، 2017 0 تعليق

تاريخ الدور التنموي لمؤسسات القطاع الثالث الحلقة (8)

 نهض القطاع الثالث في تاريخنا الإسلامي، وضمن من خلال تنوعه وحجمه وضوابطه لحضارتنا الإسلامية في الازدهار عمراً لم تماثلها فيه حضارة من الحضارات، وكان سياجاً في حماية الأصول المالية، وضماناً لاستمرار عطائها لأجيال عديدة، وقد ترك القطاع بمؤسساته ومخرجاته بصمات لا تُمحى في صفحات التاريخ الإسلامي؛ لذلك نعرض في حلقات للإصدار الأخير لمركز ابن خلدون للدراسات الإستراتيجية الذي جاء بعنوان: (القطاع الثالث ودوره في تحقيق التنمية المستدامة)، الذي تولى كتابة مباحثه ثلة من المختصين والباحثين في مجال العمل المجتمعي من خيري ووقفي وتنموي.

 

 

أثبت التاريخُ الارتباطَ الكبير بين القطاع الثالث بمؤسساته جميعاً والتنمية؛ فمعظم الأعمال التنموية والحضارية الجليلة التي سجلها التاريخ الإسلامي في عصور ازدهاره في مختلف الميادين كانت من خلفها مؤسسات القطاع الثالث تدعمها بالمال والجهد والخبرات.

     حيث ساهم القطاع الثالث على مر العصور في تمويل التنمية الشاملة الاجتماعية والبشرية والاقتصادية في المجتمعات الإسلامية، وكانت الأوقاف- لكونها من أهم مؤسسات القطاع الثالث- في بعض المناطق تساهم عوائدها في الإنفاق على المرافق العامة والخدمات الأساسية في الوقت الذي كانت فيه مهملة من قبل الدولة.

وقد دلت الوقائع التاريخية أن القطاع الثالث بمؤسساته تتزعمها مؤسسة الوقف الإسلامي أدت دوراً تنموياً خالصاً وشاملاً، وكانت تُعد مورداً مهماً من موارد الدولة الإسلامية ورافداً عظيماً لاقتصادها.

     فقد تكفل الوقف الإسلامي بنفقات صيانة المساجد، ونفقات الأئمة والمؤذنين والعلماء الذين يدرسون، والطلاب الذين انقطعوا للعلم، ولم يكن عددهم بالقليل؛ فمدرسة الفقه الشافعي التي أوقفها (أبو علي الحسيني) كانت تتكون من 1000 شخص ما بين دارس وعالم.

ولقد فاقها في العدد مدرسة الإمام الاسرافيني، والمدرسة التي أوقفها أبو القاسم القشيري سنة 406 هـ.

ذلك عدا الإنفاق على إقامة المستشفيات وعلى البحوث الطبية وعلى شراء الكتب وبناء المكتبات وحفر الآبار.

وإلى وقت قريب كانت مكة المكرمة بكل سكانها من مقيمين وحجيج تشرب من وقف السيدة زبيدة التى تعرف باسم عين زبيدة، وفي جدة إلى قريب كان أهلها يشربون من عين العزيزية وهى وقف أنشأه الملك عبدالعزيز -رحمه الله- لسقيا أهل جدة.

     ونشأت كذلك أوقاف خُصصت للقطاء واليتامى، وأخرى للمقعدين والعميان، يتوفر لهم فيها السكن والغذاء والكساء، كما أوقفت أوقاف لتحسين أحوال المساجين وتغذيتهم وتوجيههم، وأوقفت مؤسسات أخرى لتزويد الشباب وأخرى لتزويد الأمهات بالحليب والسكر للأطفال، وكان مقرها قلعة صلاح الدين بدمشق.

كذلك مؤسسات علاج الحيوانات المريضة وإطعامها ورعايتها عند العجز؛ مصداقاً لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ»، كما حصل في وقف المرج الأخضر بدمشق.

     ومن الأوقاف الخيرية التي عرفها التاريخ الإسلامي أيضاً الخانات والفنادق التى كانت تبنى للمسافرين المحتاجين ومعها أثاثاتها وأدوات الطبخ فيها، ومنها التكايا والزوايا التى يقيم فيها المتضرعون لعبادة الله تعالى، ومنها بيوت خاصة بالفقراء الذين لا يجدون مالاً يشترون به داراً أو يستأجرونها للسكن، ومنها بيوت الحجاج ليقيموا فيها مجاناً حين قدومهم للحج، ومنها حفر الآبار، وإنشاء القناطر والجسور والطرقات الخيرية لعبور المسافرين واستراحاتهم وسقايتهم الماء، وكانت هذه كثيرة العدد بين عواصم المدن الإسلامية، ولاسيما بين بغداد ومكة، وبين دمشق والمدينة، وبين مدن أهل المغرب والقاهرة، وكان يوقف على هذه الآبار القناطر، البساتين والمزارع ليأكل المسافرون من ثمرها، وتوقف الأبقار والأغنام ليشربوا من ألبانها.

ولقد شكلت مثل هذه الأوقاف - وغيرها كثير- طلباً على كثير من السلع والخدمات، ساعدت على الازدهار الاقتصادي في حينها، وكانت بحق مورداً من موارد الدولة الإسلامية ساعد على نمائها وكفاية أبنائها.

     ومن خلال ما سبق عرضه يمكننا أن نقول: إن هناك علاقة قوية لا تنفصم بين القطاع الثالث تتقدمه منظومة الوقف وبين الاقتصاد، وأنه إذا ما تم الالتزام بالأطر السليمة فإن العائد التنموي سيكون كبيرا، وهذا يدفعنا إلى الحديث عن العلاقة بين القطاع الثالث والتنمية.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك