رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: كمال الدين شيخ محمد عرب 4 مايو، 2015 0 تعليق

تاثير عمليات حركة الشباب علي الصوماليين في كينيا

لم تشهد الحكومة الكينية استقرارا بمفهومه القومي ولاسيما بعد أن أعطت قواتها الضوء الأخضر لدحر حركة الشباب المجاهدين في الصومال، التي كانت تعد خطرا على الأمن القومي للبلاد، حسب رواية الأمن الكيني، بل ازدادت وتيرة الهجمات التي تشنها الحركة على مراكز مهمة داخل كينيا، الأمر الذي غيّر المعادلات السياسية في البلد تماما، وجعله تحت رحمة هجمات حركة الشباب المتطرفة وفريسة سهلة لعملياتهم النوعية التي تنفذها داخل البلاد.

وفي هذا المقال نشير إلى التاثيرات السلبية الذي أحدثه الهجوم الدامي في جامعة قاريسا عاصمة شمال الشرق الكيني، والذي أودي بحياة 150 شخصا من الطلبة وأساتذة الجامعة.

شلل اقتصادي

     لم يمر على وقوع الهجوم أيام حتى أصدرت الحكومة الكينية لائحة توقيف تضم 85 شخصا ومنظمة بينها 13 شركة كبري للتحويلات المالية إلى الصومال وغيرها من الدول، ذكرت الحكومة أنها الممولة للإرهاب لوجود علاقة بينها وبين حركة الشباب الصومالية، الأمر الذي أدى إلى شلل اقتصادي واجه البلد بصفة عامة وعلى الصوماليين في كينيا بصفة خاصة، الذين لهم شركات كبري وتجارة غير قليلة في سوق -حي إسلي- بنيروبي الذي يقطنه  الصوماليون ويعد أحد أكبر الأسواق في شرق إفريقيا؛ حيث إن كثيرا من الصوماليين  كانت لهم هذه المدينة  جسرا يؤمن لهم الوصول إلى البلاد الغربية،  بل وحققوا فيها أحلامهم، ومازال الكثيرون منهم يناضلون من أجل تحقيق رغباتهم فيها؛ إذ إنهم أسسوا فيها أسواقاً كبيرة ومباني تجارية تناطح السحاب، يوجد فيه بنوك وصرافات وأسواق للذهب. يتسوّق منه كل من أوغندا، وتنزانيا، وبروندي وجنوب السودان ودول كثيرة في شرق أفريقيا ووسطها.

     أكثر من عشرين يوما مضت ولازالت الشركات الصومالية الكبري التي كانت في مهمة تحويل الأموال مغلقة في نيروبي، الأمر الذي أحدث صدمة نفسية في الجالية الصومالية القاطنة في نيروبي، الذين كانو يتلقون نفقاتهم العائلية الشهرية من أقربائهم في أوروبا وأمريكا الشمالية، فضلا عن ذلك ارتفعت الأسعار بجنون لم يسبق له مثيل، لسبب الضغط الاقتصادي الذي يعصف بالصوماليين في كينيا.

     ولعل المخاوف الأمنية التي واجهت الصوماليين في كينيا في هذا البلد الإفريقي الهش أمنيا، إثر الهجوم ساهم بكثير في النزيف الاقتصادي الذي تشهده البلاد؛ حيث إن كثيرا من التجار الصوماليين سحبوا أموالهم عن البنوك خشية تجميدها أو تعرضها للنهب المقنن بوصفها خطوة انتقامية تقوم بها الحكومة الكينية  لضحايا الهجوم الدامي في جامعة قاريسا.

     ومن المعلوم أن أول هجوم ارهابي خطير قام به تنظيم القاعدة وقع في شرق إفريقيا، ولاسيما في كينيا؛ ففي عام 1998 تمّ تدمير مبني السفارة الأمريكية في كل من دار السلام ونيروبي في وقت واحد، وهو ما أودى بحياة نحو ثلاثمائة شخص، ومنذ ذلك الحين تتعرض كينيا لموجات متزايدة من الهجمات الإرهابية، الأمر الذي يربك مؤسسات الدولة الأمنية خصوصا ويعرقل جهود التنمية الوطنية، ولا تكمن خطورة الظاهرة الإرهابية هنا في اتساع نطاق تهديداتها الأمنية ولكن في استخدام الساحة الإفريقية، بحسبانها نقطة ضعف استراتيجي، لهدف التدريب وتعبئة الموارد من قبل المنظمات الإرهابية العالمية.

     غير أنه عد الهجوم الذي استهدف جامعة غاريسا هو الأكبر في كينيا منذ عام 1998م، فيما عبرت المنظمات الحكومية وغير الحكومية المعنية بحقوق الإنسان عن قلقها من أن استمرار الفوضى وتفشي الانتهاكات الحقوقية والإنسانية في كينيا الذي يسبب العنف الطائفي، والكراهية الدينية بين شركاء الوطن؛ مما سيجعل هذا البلد تحت ديمومة الخطر على المدى البعيد.

اختيار صعب

     أخذت الحكومة الكينية -إثر وقوع الهجوم- خطوة جديدة في تجميد الأرصدة وتوقيف أعمال شركات تحويل الأموال التي كانت شريان حياة آلاف من الصومالين بوصفها حلا وحيدا ينهي الأزمة الإرهابية التي تعيشها البلاد، وهو اختيار صعب وصفه المراقبون بخطوة غير حيكمة، إضافة أنه ربما يولد أزمات جديدة وتنشيط خلايا أخرى من حركة الشباب داخل العاصمة وما حولها، الأمر الذي يجعل البلد على حافة الهاوية.

     ويبدو أن الحكومة الكينية تعالج قضايا الإرهاب في بلدها بمعالجات خطأ تفتقر إلى أدنى أبجديات السياسية الأمنية، وتتمثل في عدم تقديم أجهزة الاستخبارات الكينية المعلومات اللازمة قبل وقوع العملية، وأيضا بطء فترة التحريرأثناء الهجومك مما يزيد أعداد الضحايا، ويبرهن هذه النقطة ما قاله أحد الآباء وهو (ايزك موتيسيا) الذي سقطت ابنته (ريسبر موتيندي كاسيوكا) البالغة من العمر 23 عاما ضمن القتلى في هجوم جامعة قاريسا قال: «إن أجهزة الأمن انتظرت أكثر مما ينبغي، وأتيح للإرهابيين وقت طويل جدا ليقتلوا أبناءنا»،  وهذا ما عزاه المراقبون إلى وفاة عدد كثير في كل من هجوم المركز التجاري (ويست غيت) الذي دام أربعة أيام بليالها، وأيضا هجوم جامعة قاريسا الدامي الذي حوّل فصول الدراسة إلى بحار من الدماء.

     ما عاد خافيا علي أحد أن الحكومة الكينية في صراع مع حركة الشباب الصومالية في غابات  جنوب الصومال، وفي هذا السياق ذكرت القوات الجوية الكينية أنها دمرت معسكرين لحركة الشباب في الصومال في أول رد عسكري كبير، لكن العمليات الخارجية لن تكفي وحدها ما لم تضع الحكومة الكينية استراتيجية واضحة في تأمين الداخل، للتخلص من عمليات الحركة، ويعتقد بعضهم أنه أفضل لكينيا حماية أمنها الداخلي أكثر من الخارج.

     وقد أعرب المراقبون عن مخاوفهم من مخاطر انتشار الإرهاب في كينيا الذي قد يمتد إلى دول مجاورة ولاسيما مع وجود بعض الخطط الخارجية التي تستهدف إثارة الفتن بين الطوائف وتأجيج الحروب في هذه القارة المهمة من قبل بعض الدول العالمية، التي تسعى إلى إحكام سيطرتها على إفريقيا عموما من خلال حربها المستمرة ضد تلك المجاميع المسلحة وتحت مسمى القضاء على خطر الإرهاب.

سيناريوهات المستقبل الكيني

     يتوقع الكثير من المحللين أنه سوف يزداد في كينيا العنف ليسود في الواجهة إلى حين، ما لم تتخذ الحكومة الكينية الخطوات اللازمة تجاه الإرهاب المتنامي فيها، وما حدث يمثل ضربة موجعة لها، وسوف يكون له تأثيره السلبي علي الحكومة الكينية، وسيكون ضربة قاصمة لاقتصادها ولاسيما في قطاع السياحة الذي يعد موردا مهما من موادر الاقتصاد الذي يعتمده  البلد، كما أنه أيضا سيكون سلبا علي الصوماليين القاطنيين فيها المواطنين منهم والمقيمين فيها، وهي أنها في حال استمرار عمليات الشباب داخل كينيا سوف تجر ذلك إلى حروب دينية تندلع بين المسيحيين المستهدفين من قبل الحركة وبين الصوماليين خاصة، والمسلمين عموما وربما ستكون تلك الأكثر دموية، إذا لم تدرك الحكومة الكينية خطورة الموقف ويأخذوا أسباب الوقاية لها.

     ويبدو أن حجم هجمات حركة الشباب المتكررة في داخل كينيا قد تعطي انطباعا آخر، وهي أن الحركة قوية، ولا زالت فاعلة، وفي الوقت نفسه قادرة على زعزعة أمن المنطقة، وهناك احتمالان يمكن أن يتوجه إليها المشهد الكيني:

- أولها: عودة الأمن والإستقرار في ربوع كينيا، من خلال التخلص من جميع الدوافع والأسباب التي تؤدي إلى العمليات الإرهابية عامة كالتهميش الذي يشعر به بعض المواطنين، وتعزيز الأمن القومي للبلاد بيد من حديد.

- ثانيها: تكثيف حركة الشباب عملياتها النوعية في داخل كينيا، والمناطق المتاخمة لها، وسفك مزيد من الدماء معتقدة بـاستهداف الأهداف الضعيفة حسب أدبياتها، وحصد أكبر عدد ممكن من أرواح المسيحيين وهو السيناريو الأقرب، والخيار الممكن واقعيا مادامت الحكومة الكينية لا تضع أسساً واضحة في قضية الأمن القومي للبلاد.

     وتظهر التطورات الأمنية في كينيا مؤشرات حقيقية لجعلها بيئة خصبة لإرهابين أكثر إجراما واحترافا، تجسد في الهجوم الأخيربجامعة قاريسا التي قامت بها حركة الشباب؛ مما سيضع كينيا الأكثر عنفا في مستنقع الإرهاب الدموي. ولعل التدخل الكيني علي الأراضي الصومالية هو أحد العوامل التي تزيد الشعلة لهيبا وتوهجا، وما لم يكن التنسيق الأمني دقيقا ووواضح المعالم، ولم تقم أجهزة الاستخبارات للبلاد بمهمتها خير قيام، فإن صعوبة التغلب على الإرهاب ستظل باقية لتكون قنبلة موقوتة.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك