رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: جهاد العايش 1 ديسمبر، 2014 0 تعليق

تأملات في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب

 

لم أكن أتوقع أبدا أهمية الكتاب وبمستوى عال جدا في أوروبا، فلقد تيسر لي في أكتوبر 2014 من هذا العام حضور معرض الكتاب الدولي في فرانكفورت – ألمانيا – فرأيت ما لم نعتد عليه في المعارض الدولية للكتاب في الوطن العربي.

تصميم الأجنحة: لقد بالغ أصحاب دور النشر هناك في تصميم أجنحتهم بشكل يقارب شكل أجنحة معارض العقار الراقية تصل كلفة الكثير منها شاملة قيمة الإيجار إلى 50 أو 60 ألف دولار.

والغريب في الأمر أن دور النشر لم تكدس الكتب على أرفف أجنحتها سوى عينات نسختين أو نحوها من كل عنوان توضع على الأرفف وبشكل أنيق لافت، ولا يشترط أبدا أن ترى الجناح وقد امتلأ بالعناوين، فكثير منهم يحضر الجديد والمهم ويكتفي بذلك، ولا يشترط أبدا إحضار كل ما طبع من عناوين.  

     لفت انتباهي الطاولات الصغيرة والكثيرة والملحق معها كرسيان في كل جناح قد تصل في بعض الأجنحة إلى 10 أو 15 طاولة حتى ظننت للوهلة الأولى أنها مقاهي أو مطاعم ولاسيما أن كثيراً من أصحاب دور النشر يطلب من إدارة المعرض أن تضيف له في جناحه المستأجر مطبخا تحضيريا فيه مغسلة ماء، ويقوم على تجهيزه لإعداد المشروبات الساخنة والباردة والضيافة للجمهور ولاسيما العملاء كل بحسبه، فضلا على قيامه بإعداد وجبة الفطور والغداء لكادره المشارك في المعرض.

أما الضيافة فهي السمة العامة لأصحاب الأجنحة تبدأ من القطع الصغيرة من الشوكلاته وأنواع البسكويت أو التفاح في سلة خاصة به وهي ثقافة صحية وجدتها عندهم وهي أكل التفاح وجميع المشروبات الباردة والساخنة حتى وجدت عند بعضهم من يقدم الخمور والعياذ بالله.

     عودا إلى الطاولات عدت لأترقب ماذا يحدث على هذه الطاولات الكثيرة في الجناح الواحد ذي الكراسي الثنائية، فإذا بها وعليها تبرم العقود بالملايين، يجلس على الطاولة المسوق التابع لدار النشر وهو يحمل أحد الكتب ليبيع حقوقه إلى دار نشر أخرى، وليترجم إلى لغة أوروبية أخرى أرى المسوق يقلب الكتاب ويشرح للعميل وغالبا يكون صاحب دار نشر أوروبية مشهورة أو كبيرة مهمة، والغريب أنه يشرح له مواصفات الكتاب وكأنه يتحدث عن منتج الكتروني أو كهربائي صدر للتو إلى السوق!

     وهذا مثله يكون على الطاولة الأخرى التي تليها وهكذا كل ذلك في جناح واحد، مع أني لا أظن أبدا أن مجمل ما صدر عن جميع دور النشر العربية من قصص ومن مدة عقد مضى أن بيع مليون قصة للأطفال! لذا وللأسف أن حصة الكتاب العربي من هذا المعرض لم تصل إلى 1% من مجمل المبيعات وهي قضية تستحق من اتحاد الناشرين والموزعين العرب دراسة الأمر والخلوص إلى معرفة الأسباب الحقيقية وراء هذا الضعف المخيف والمحرج في الوقت نفسه!

     في المقابل لا أدري ما دور وزارات الثقافة في بعض الدول أو الإعلام وغيرها من وزرات ترعى المعرفة والثقافة والدين من المشاركة في هذه المعارض لدعم الكتاب العربي بمحتواه الرصين الهادف وللتعريف بثقافتنا العربية والاسلامية ودولنا وحضارتنا كل ذلك مغيب هناك إلا ما ندر ويكون محدوداً جدا وعلى استحياء وغير مترجم وبعض المشاركين لا يحسنون التحدث إلا باللغة العربية، فكان كل ما سبق جداراً يحول بيننا وبين العالم الغربي الذي ينبغي أن نسمعه صوتنا.

     إذا المعرض في حقيقته لا يركز على الجمهور بقدر تركيزه على الناشرين من جميع دول العالم وهذا واضح من سياسات إدارة المعرض التي اكتفت من إتاحة المجال للجمهور فقط أخر يومين من المعرض وأول ثلاثة أيام هي للمهتمين من ناشرين وأكاديميين ومختصين بهذا المجال، ومع هذا لا يدخل الزائر إلى المعرض إلا بمقابل مادي ليس بالقليل.

نعم لا غرابة هناك الكثير من المهتمين الذين يملؤون ممرات المعرض وأروقته المكون من ثمانية مبان ضخمة كل منها مكون من ثلاث أدوار تعجز وحدك عن إحاطته بالزيارة بشكل كامل ودقيق بخمسة أيام.

     لذا تجد الناشرين في أغلبهم لم يحملوا معهم من كميات الكتب إلا ما يكفي للعرض فقط، وليست من اختصاصات هذا المعرض بيع الكتب فحسب بل عرضها وتسويقها من خلال عقود إعادة الطبع أو بيع الجملة؛ لذا من الطبعي جدا أن تسمع عن كتاب بيع منه مليون أو اثنان أو حتى عشرون مليون نسخة، فهناك قصة أطفال بيع منها خمسون مليونا.

     إنهم يتعاملون مع الكتاب كأنه منتج له قيمته واحترامه، ويتعاملون مع صاحب دار النشر والمكتبات أنهم شركاء معهم في البناء الفكري لشعوبهم لهم احترامهم وصفاتهم الاعتبارية وأنهم رواد صناعة الحضارة العلمية والثقافية والفكرية مع ما عندهم من تقدم معلوماتي من خلال القنوات الفضائية التي تعجز عن عدها والنت بخدماته وبرامجه ومواقعه فضلا عن الملهيات بأنواعها، إلا أن القراءة حاضرة ومشاهدة كما رأيتها في المطارات والقطارات ومحطات الباص.

ولا يشترط في غالبهم أنهم يقرؤون شيئا مهما بل أغلبها إلى الخيال أقرب، إلا أنهم يقرؤون.

وفي استعراض سريع لواقع الكتاب ومعارضه في الوطن العربي

تجد البؤس والحزن على محيا كثير من الناشرين العرب في أغلب المعارض؛ فقد طفت في معارض عربية للكتاب عديدة فالأغلب يعاني الأمرين لأنه لم يسترد ما دفعه من مصاريف.

أما الرواد فكثير منهم يرى في المعرض سياحة موسمية، وآخرون يرون فيه فرصة للتسكع وملاحقة الفتيات وإضاعة الأوقات.

آلمني انسحاب كثير من دور النشر من المشاركة في المعارض لسوء الأوضاع المالية، وآخرون انسحبوا بالكلية من السوق وأغلق داره، وآخرون اتخذوا صنعة ومهنة رديفة لدار نشره لتكون الأخرى داعمة له ومساندة مادية لوضعه المتدهورو وفريق آخر لم يحسم أمره بعد في القرار المناسب.

     فقد جاءني الكثير ممن يرغبون باستشارتي في تأسيس دار نشر لبيع الكتب فكانت نصيحتي لهم أنه مشروع فاشل في الوطن العربي، وأنها مهنة لا تستحق الجهد المبذول فيها، وأن أغلب دولنا العربية لم تصل بعد إلى مستوى خدمة الكتاب ومؤلفه وناشره وموزعه بل أحيانا تعلن الحرب على هذه العصابة المكونة من المجموعة السابقة، وكأنهم متعاطو مخدارت ومروجوها.

      فالكتاب المؤلف: يعاني كثيرا من الناشرين الذين يبخسونه حقه، وعدم تحقق الجدوى المادية من ريع كتابه الذي قضى فيه ردحا من الزمن، إن وجد له ناشراً، كما أن بعضهم يعيش رعبا فكريا لا يستطيع أن يعبر فيه عن رأيه حتى لو كانت دراسة محايدة أو استطلاع رأي عن حالة عربية فإنه يحبسها في صدره ولا يبثها في كتابه.

- الناشر: العزوف عن القراءة، والفسوحات والموافقات الرسمية بالسماح له في الطباعة، والمصاريف الشهرية التي تكاد أن تغطى، والكتب التي تطبع ولا تكاد تباع في السنوات التي امتلأت بها مخازنه، كلها شبح يلاحقه وهما يلازمه.

- الموزع: معنى أن ينقل كتاب من بلد لآخر في وطننا العربي يعني ذلك أنه يقوم بعملية تهريب مخدرات؛ فالارتباك الذي يصيب مفتش الجمارك في المطارات والحدود الدولية حال وجود الكتب مع المسافرين هو ذاته الارتباك الذي يصيبه عند اكتشاف حالة تهريب مخدرات. فهي المعاناة الحقيقية التي يعيشها الموزع في تداول الكتب بين الدول وأنه يضطر إلى حيل قانونية تجنبه شروط الفسوحات والنقل والتدقيق.

أما الكتاب فهو أهون شيء عندهم إلا من البعض منهم من في بيته مكتبة أو يحمل كتاباً في حقيبته أو جيبه يشغل به انتظارا أويطور به فكرا أو يزيد به علما.

غير أنهم وكما شاهدتهم حين أقلتني الطائرة عائدا من أوروبا إلى وطننا العربي ولما تحركت من مقعدي بعد أن انتصفت الطائرة بطريقها جلت بين المقاعد فوجدت البعض وممن تجاوز بهم العمر، قد طأطأ رأسه منهمكا بهاتفه النقال قد شغلته إحدى الألعاب الإلكترونية التافهة لتسهم بمزيد من التلف لدماغه!

 

 

 شكرا وزارة الأوقاف الكويتية

  في مبادرة طيبة لفتت انتباهي في زيارتي لمعرض فرانكفورت الدولي للكتاب وجود جناح دولة الكويت ممثلا بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والوفد النشط المنبعث منها، وعلى رأسهم رئيس الوفد الشيخ/ داود العسعوسي، ومدير الوفد، الشيخ/ فيصل العلي، وسائر إخوانهم من الوفد مع حفظ ألقابهم وأسمائم، أثابهم الله جميعا.

حملت الوزارة بأقسامها العلمية والثقافية المتعددة جملة كبيرة من الإصدارات كالموسوعة الكويتية ومجلة الوعي الإسلامي وإصداراتها المتنوعة، ومراجع مهمة أخرى والمتميزة بمضمونها وجودة طباعتها،لتوزع مجانا على عامة الجمهور بلغاتهم ومستوياتهم وأعمارهم المختلفة.

وزاد من إعجابي تفريغ بعض طلبة العلم الألمان للوقوف في جناح الوزارة لمخاطبة الجمهور الألماني والناطقين باللغة الإنجليزية، وتعريفهم برسالة الإسلام وسماحته، والإجابة على استفسارات الجمهور الأوروبي.

مبادرة وزارة الأوقاف أثارت بي كتابة هذا المقال تشجيعا لها للمضي قدما للحفاظ على موقفها في المشاركة الدائمة في هذا المنتدى الثقافي العالمي الذي تربع على المرتبة الأولى عالميا بوصفه معرضا للكتاب ومنتدى للمفكرين على المستوى العالم.

كما كانت رغبتي أن أعجل لهم بالشكر فتقدمت لهم ميدانيا في جناحهم المبارك، فقدمت لهم الشكر والتشجيع والتأييد تلبية لرغبة جامحة دفعتني إلى ذلك من هول ما رأيت من ملل وطوائف تبث سمومها في كل جنبات المعرض!

تشارك فيه ما يزيد عن 7000 مؤسسة من جميع دول العالم وبلغاتهم الحية وغير الحية والطوائف والملل التي لا حصر لها.

نعم إنها مبادرة دعوية تستحق الشكر والتأييد والمباركة، ولاسيما إذا علمنا الغياب الكبير والمخجل لأغلب وزارات أوقاف الدول الإسلامية فضلا عن المؤسسات الدعوية التي لم أجد منها ما لا يذكر من أعداد وبأحجام ومستويات لا ترقى إلى الحد الأدنى.

لتكون أروقة المعرض خالية لأصحاب الفكر الدخيل والعقائد الفاسدة، تصول وتجول به؛ فقد تعرض لي عدد من الجماعات الصليبية والطوائف الضالة المحسوبة على الإسلام لتقوم بإهدائنا جزءاً من كتبها ونشراتها وأقراصها المسموعة والمرئية محاولة بذلك إقناعنا بما عندهم من أفكار.

لقد وجدت نفسي مندفعا متحمسا من اليوم الأول للمعرض لكتابة هذا المقال وفي لحظتها؛ حيث أجلس في رواق يقابل جناح الوزارة وسطرت هذه الكلمات من حينها دونما تأجيل إعجابا بما يصنعون.

نعم كانت مشاركة وزراة الأوقاف الكويتية وما امتازت به من حيوية في جناحها هو تميز لم أجده من غيرها في ظل غياب الكثير من المؤسسات الدينية والدعوية أهلية كانت أم رسيمة، سوى مشاركات خجولة لبعضهم.

وهي فرصة ألفت بها انتباه القطاعات الرسمية والأهلية للمشاركة في هذه المنتديات العالمية للدعوة والتعريف برسالة الإسلام السمحة التي شوهها المشوهون من المغرضين أو أبناء الإسلام المتهورين لشعوب تتعطش لرسالة الفطرة وسلامة المنهج.

ومما أراه من إنجازات حققها هذا الوجود لوزارة الأوقاف وبالشكل الفاعل الذي رأيته، التالي:

- أنها أسهمت في باب من أبواب الدعوة إلى الله والتعرض للجماهير المدعوة في منتدياتها وعدم التغيب عن هذه المناسبات.

- توزيع إصدارات الوزارة بإداراتها الثقافية المختلفة، والتي كونت رافدا مهما لطلبة العلم والدعاة والمراكز والمدارس الاسلامية في أوروبا.

- إثبات وجود حضور لمؤسسات إسلامية مهمة نقية تمثل الإسلام والمسلمين في بلد طيب طالما كان حاضرا لخدمة المسلمين في العالم.

- عدم تخلية الساحة للطوائف والفرق والديانات الشاذة التي تبث فكرها المسموم بسيل من الوسائل والطرق.

- كانت المشاركة بمثابة تأييد ودعم معنوي للمسلمين الأروبيين الجدد، وغير ذلك من أهداف تجلت أو غابت عنا.

وختاما أقول لوفد وزارة الأوقاف الكويتية، طبتم وطاب ممشاكم، وإلى مزيد من العطاء والتميز الدعوي وإخلاص النية لله تعالى.

جهاد العايش آل عملة 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك