رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: محمود عبد الحفيظ البرتاوي 13 مارس، 2023 0 تعليق

تأملات في البناء الدعوي – الهواري: من أخطر التحديات التي تواجه الدعوة الإسلامية انتشار المناهج المنح

 

بالنظر إلى ما تواجهه الأمة -اليوم- من تحديات هائلة في كل مجالاتها، ومنها التحديات التي تواجهها الدعوة الإسلامية، فضلاً عن جهل بعض الناس بحقائق الإسلام وثوابته وقيمه، كان لزامًا على القائمين على العمل الدعوي ضرورة إعداد الدعاة إعدادًا متكاملاً، علميا وسلوكيا ومنهجيا؛ ليكونوا قادرين على حسن القيام بواجباتهم على أكمل وجه، وهذا هو موضوع حوارنا مع عضو مجلس إدارة الدعوة السلفية في مصر الشيخ شريف الهواري.

-  كيف يمكن رفع كفاءة العاملين في الدعوة إلى الله، وتحفيزهم لمزيدٍ من البذل والعطاء؟

- لا شك أن لهذا منهجًا مباركًا موروثًا عن السلف الصالح -رضوان الله عليهم- يشتمل على بناء متكامل للعاملين في الدعوة إلى الله -تعالى-، وأول جوانب هذا البناء هو البناء العلمي، بتحصيل علوم الدِّين، عقيدة وشريعة مِن مظانها المعتمدة عند السَّلَف، وثانيًا البناء الفكري، ونعني به: البناء الفكري في القضايا التي حَصَل فيها الشطط والانحراف على الساحة المعاصرة مِن المناهج المنحرفة التي تزعم أنها تُعَبِّر عن الدِّين، وهي -في الحقيقة- ثلمة في هذا الدِّين -والعياذ بالله تعالى- ومسيئة إليه، فتُضبط هذه القضايا الفكرية الضبط الصحيح من خلال إتقانها الإتقان الجيد؛ لإقامة الحجة على المخالفين، ولبيان عظمة هذا الدين، ومن هذه القضايا: الإيمان والكفر، وفقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفقه الخلاف، والسلفية ومناهج التغيير، والحكم بما أنزل الله، وقواعد المصالح والمفاسد، إلى آخر هذه القضايا الفكرية الشائكة التي ستنتج في النهاية كادرًا قادرًا، -علميًّا وفكريًّا- على التأصيل والتنظير، والردِّ على المخالفين.

     وكذلك لابد أن يُبنَى الداعية بناءً إيمانيًّا؛ بمعنى أن يتعلَّم كيف يفعل العقيدة في قلبه لتعطيه الطاقة والوقود والقدرة على الأداء، والصبر والاحتمال، وهذا من أهم المعاني التي أرى أنها من الضرورة بمكان، وكلما نجحنا في بناء هذا الكادر إيمانيًّا، نجحنا في بنائه تربويًّا وأخلاقيًّا وسلوكيًّا، ومن ثم يكون قادرًا على الاستعداد للبذل والمبادرة والمسارعة في تنفيذ الواجبات الدعوية والقيام بها، وقادرًا على العمل والبذل لنصرة دين الله -تبارك وتعالى-، كل هذا لن يؤتي ثماره وأكله إلا من خلال إطار مؤسسي، فيه التعاون على البر والتقوى، وفيه الجهودُ موصولة ومتكاملة.

-   ما أهم الصفات التي يجب أن يتحلَّى بها الداعية إلى الله -عز وجل؟

- في الحقيقة المثال والأسوة والقدوة موجود بين أيدينا بفضل الله -تعالى-؛ قال الله -عز وجل-: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} (يوسف: 108)، فأتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - يتمثَّلون خطاه، ويلتزمون بهديه - صلى الله عليه وسلم - في أداء هذا الدور العظيم المبارك، وهذا من الشرف -والله- لمَن كان له دور، وكان له أثر في أمر الدعوة إلى الله -عز وجل.

     فعلى الداعية أن يتحلَّى بصفات النبي -صلى الله عليه وسلم - مِن: الصبر، والحلم، وسعة الصدر، والتغافل، والرحمة، واللين، ومِن الحرص على أداء الدور المنوط به على أكمل وجه؛ لإقامة الحجة لله -تبارك وتعالى- على عباده لإنقاذهم من الظلمات إلى النور؛ فهذا هو دور الداعية إلى الله، فهذه الصفات الجميلة المباركة يكون لها أحسن الأثر، مع حُسْن الخلق، وحسن السمت، وحسن الأداء، ومع العفة، والترفع، وعدم الدونية وإذلال النفس، أو كسرها، أو أن يوجد الإنسان في مواطن الشبهات؛ ففي الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ» (رواه الترمذي والنسائي، وصححه الألباني)؛ وذلك حتى تكون -أيها الداعي إلى الله- على حيطة وحذر؛ لأنك صورة مثالية، والناس يتأثرون بك، شئتَ أم أبيتَ.

-  ما أبرز التحديات المعاصرة التي تواجه الدُّعَاة إلى الله -عز وجل؟

- لا شك أن هذه التحديات كثيرة، ومِن أهمها وأخطرها: التحديات المنهجية، وانتشار المناهج المنحرفة التي تُنْسَب للإسلام زورًا وبهتانًا؛ فهذه في الحقيقة تحتاج إلى جهد كبير لبيان عوارها، وكشفها وفضحها، فهذه كلها تحديات عظيمة جدًّا جدًّا، تحتاج أن يكون لدينا عناصر وكفاءات وكوادر قوية، تستطيع كشفها وبيان عورها، وهذا لا يتم -كما قلنا- إلا بالبناء العلمي والفكري -كما أشرنا آنفًا-؛ حتى يكون لدينا عناصر قادرة على الذبِّ والدِّفَاع، وحراسة هذا الدِّين العظيم.

-  ما الأسباب المعينة على صلاح القلب وتهذيب النفس ورفع الهمة؟

- هذا سؤال عظيم جدًّا، يحتاج إلى مجلداتٍ تقرأ وتعلَّم للناس؛ لأن هذا هو الذي عليه مدار أمر الإنسان؛ فالقلوب إذا صلحت صلح الإنسان، وأدَّى ما عليه، وإذا فسدت فسد الإنسان، كما في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ؛ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ» (متفق عليه)؛ ولذلك فإن من الأهمية بمكانٍ: الاهتمام بالقلب مِن خلال التَّعَرُّف عليه: هل هو سليم أم مريض أم ميت؟ وإذا كان القلب سليمًا؛ كيف يُسَاس؟ وكيف يُحرَس مِن الباطل الذي يريد أن يخترق القلب عن طريق الشبهات والشهوات؛ كي يتمكَّن منه، وكي يستطيع أن يوجهه إلى ما يريد.

     وإن مِن أعظم المهام -في نظري- حراسة القلب، وعدم فتح مجال للشهوات والشبهات أن تُلْقَى فيه، وهذا لن يكون إلا بعملية تصفية كاملة ثم التخلية والتحلية، وتعمير القلب بالعبادات القلبية مِن خلال: الإخلاص، والحب، والخوف، والرجاء، واليقين، والتوكل، والإنابة، والإخبات، والإذعان لله -تبارك وتعالى-؛ فهذه معانٍ عظيمة جدًّا جدًّا، وهذا ما سيعين على تهذيب النفس؛ لأن النفس إن لم تزكَّ مِن خلال ضبط الجوارح والغرائز بمنهج مَن خلقها، فلا شك أن هذه النفس ستكون عندئذٍ أخطر علينا من أعدائنا؛ ولذلك تأهيل النفس وترويضها وتزكيتها هو طريق الفلاح، كما قال الله -تبارك وتعالى-: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (٩) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} (الشمس: 9-10) .

     وكثير من الناس -في الحقيقة- قد لا يحسنون كيف يزكون نفوسهم؛ فتتمرد عليهم نفوسهم، وتتعثر في سيرها، وقد تُستدرَج وتدخل في مزلق خطر؛ فلا بد من الحرص على تزكية القلوب، وتزكية النفوس، من خلال العمل بقضية التزكية الكاملة، وسيكون لدى كلٍّ منا -بفضل الله تعالى- قلب قوي، قادر على الثبات، وعدم الانزعاج، أو التساقط، أو الشكاية، ونفس سوية زكية منضبطة، سامعة مطيعة لربها، تؤدي سائر التكاليف والواجبات والحقوق.

-  كيف يسهم المسلم في خدمة الإسلام والعمل من أجل نشره والتمكين له؟

- هذا يكون -إضافة إلى ما سبق أن أشرنا إليه- بتحمُّل كل مسلم المسؤولية كاملة تجاه دينه وأمته، وأن يكون حريصًا على أن يكون دين الله -عز وجل- في أمثل صوره من حيث التطبيق والتفعيل في أرض الواقع، وأن يكون معتنيًا بإيجاد نماذج وأمثلة آسرة ومؤثِّرة، حتى يظهر عظيم أثر هذا الدين؛ لأن طابور الهدم الذي يشوه الدِّين طابور طويل جدًّا جدًّا، ومع الأسف هذا يكون أيضًا مِن أُنَاسٍ مِن جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا! فبات إظهار المثال الآسر والمؤثِّر والرائع للإسلام أمانة وديانة، إذا أُدِّيت على الوجه الأكمل في أرض الواقع تغيَّرت الصورة، ولفتت أنظار المحيطين ممَّن يتعامل معنا، سواء مِن عموم المسلمين، أم مِن غير المسلمين الذين ضلوا الطريق ويبحثون عن طوق نجاة، فنحتاج أن يكون لدينا اقتناع بهذا المعنى، وأن نخدم الإسلام خدمة حقيقية، بإيجاد مثالٍ يؤدي إلى بيان عظمة هذا الدِّين في أرض الواقع، وهذا يحتاج إلى جهد وصبر واحتساب، ومع المواظبة والاستمرارية وعدم الالتفات، فإن فعلنا، فسوف نصل -بإذن الله تبارك وتعالى- إلى نموذج آسر ومؤثِّر بعون الله وتوفيقه.

-  ما الرسائل التي توجهها للدُّعَاة والمصلحين؟

- أقول لهم: اصبروا واحتسبوا، ولا عليكم، وما قُدِّر سيكون، واجتهدوا في أمرٍ أراه من الأهمية بمكان، وهو ما ورد في إجابة السؤال الأول، من أمر البناء للكوادر والكفاءات التي ستقوم بهذا الدور، ثم الحرص على توريث المنهج بصفائه ونقائه لهذه الأجيال؛ فهذا أعظم شيء تقدِّمونه لأمتكم، فحتى لو لم يأتِ النصر في أيامكم، فسيكون لكم -بعون الله وتوفيقه- أثر وبصمة، وامتداد وعمل صالح مستمر -بعون الله وتوفيقه-، حينما تورثون هذا المنهج المبارك -(المنهج السلفي) النقي بصفائه- للأجيال القادمة يأتي النصر؛ لأننا لا نشك أن نصر الله لهذا الدين قادم، شاء مَن شاء، وأبى مَن أبى، لكن يأتي بمَن؟ هذا هو السؤال، فعلينا أن يكون لنا دور في ذلك، وأن نأخذ بالأسباب التي في وسعنا، وأن نعد الأجيال القادرة على تلقي هذا المنهج، وتحمله وتفعيله، وحراسته والدعوة إليه بقوة؛ فأعظم عمل يقدِّمه الداعية والمصلح في مرحلته الزمنية التي حُدِّدت له، أن يعمل في الدعوة إلى الله -عز وجل- بما يملك وبقوة، وبتوظيف جهوده وطاقاته وإمكانياته في هذا المضمار، وأن يحرص على توريث هذا المنهج العظيم لمَن سيحملونه مِن بعده؛ حتى يؤدوا الدور على أكمل وجه.

-   ما أهم المخاطر التي يجب أن يحذر منها الشباب اليوم؟

- لا شك أن الشباب المسلم مستهدف ومحارب، وشياطين الإنس والجن يعملون على الغواية والإضلال ليل نهار، من خلال الشهوات وكذا الشبهات؛ فمِن المحطات الخطرة في الطريق بالنسبة للشباب: الصحبة، والصاحب ساحب، وفي الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ؛ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ» (رواه أبو دواد والترمذي، وحسنه الألباني)، فهذا أمر فعلًا في غاية الخطورة؛ فإن الصاحب إذا كان من أهل الصلاح والتُّقى، فسيعين على ذلك، وإن كان من غيرهم، فستؤدي صحبته إلى فساد عريض، كحامل المسك ونافخ الكير، كما في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ، وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ: إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ: إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً» (متفق عليه).

     ولذلك فمن أخطر المحطات التي ينبغي أن يفر منها الشباب: الصحبة السيئة؛ لأن صحبة السوء قد تؤدي إلى خطر عظيم، فقد يتشرب الإنسان الأهواء والشبهات، والشهوات، ومن ثم تتعطل فيه طاقة الشباب وإمكانياتهم، ولا تستفيد منه الأمة، بل يستفيد به الباطل -والعياذ بالله تعالى.

-  ما أهم الوصايا التي توصي بها الشباب؟

- الشباب هم المستقبل القريب لهذه الأمة، شاؤوا أم أبوا، والباطل حريص على ضربهم في مقتل؛ بتمييعهم وتحللهم، والعمل على استمرار لهثهم وراء الموضة، والرياضة، والفن، واللعب، والعكوف على هذه التقنيات الحديثة التي تجذب الشباب؛ فتضيع الأوقات، ويضيع العمر، ولا شيء يقدَّم لخدمة الدِّين.

     فأقول للشباب: أنتم الأمل بعد الله -عز وجل-، وأنتم مستقبل الأمة القريب؛ فالله الله في هذه الأمة، الله الله في الإسلام، أعدوا أنفسكم -أيها الشباب- الإعداد الجيد؛ لتتحملوا المسؤولية؛ فهي قادمة شئتم أم أبيتم، وشاء الباطل أم أبى؛ أنتم -أيها الشباب- القادة في المستقبل؛ ولذلك ينبغي عليكم أن تحرصوا أشد الحرص على أن تكونوا خيرَ خلف لخير سلف، فتقوموا بالمهمة العظيمة المنوطة بكم لحمل هذه الراية، والعمل على أدائها على نحو صحيح.

 

 

أثر العقيدة والشريعة

     إن لم يوجد أثر للعقيدة والشريعة على المسلم في سلوكه ومعاملاته، فلابد وأن يكون هناك خلل في شخصية هذا المسلم؛ لأن من أعظم الآثار التي تظهر على صاحب الاعتقاد السليم استقامة سلوكه قولا وعملا، ظاهرًا وباطنا، في نواحي الحياة؛ فلا يستقيم في جانب العبادات من دون المعاملات، أو في جانب الأوامر دون النواهي، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ»، وفي تفسير قوله -تعالى-: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم:4)، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: «وإنك لعلى دِين عظيم»؛ أي: الدِّين جاء لتحسين السلوك والمعاملات وضبطها، بإطار شرعي عظيم مبارك، يعطي أمثل صورة -بفضل الله تبارك وتعالى.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك