رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: عبدالوهاب السنين 29 نوفمبر، 2018 0 تعليق

تآلف القلوب وترابطها سر بقاء أمتنا

رسالتنا التربوية اليوم هي من القيم والأخلاق التي ينبغي أن يحرص عليها الإنسان المسلم، وهي تآلف القلوب، ونعني به قلوب أهل الإيمان، وأهل التقوى، وأهل الصلاح، وأهل الصدق، هؤلاء أحوج الناس إلى التآلف والترابط، والتعاون والتآخي؛ لما يعني التآلف من أثر عظيم على أمَّة الإسلام، ولا شك أن ذلك ينعكس على الحياة كلها، سواء كانت الاجتماعية، أم السياسية، أم الاقتصادية، أم غيرها.

 

ديننا دين الاجتماع

     ومعلوم أن ديننا هو دين الاجتماع والمحبة والتآلف؛ لذلك شرع لنا الاجتماع في المساجد لصلاة الجماعة، والجمعة، كل ذلك من أجل أن نتآلف ونتعارف، ويتفقد بعضنا بعضاً حتى نكون جماعة واحدة، يجب أن تكون قلوبنا صافية فيما بيننا؛ فالنبي[ أمرنا بالتحاب، قال صلى الله عليه وسلم : «لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا؛ ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم».

أسباب بقاء الأمة

      ولا شك أن أهم أسباب بقاء هذه الأمة إنما يكون بتآلف قلوب أهلها، واجتماع كلمتهم، وتوحد صفوفهم، وأن يكون رابطهم هو الحب في الله -تعالى- الذي هو أحد شعب الإيمان وخصلة من خصاله، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته من الافتراق والاختلاف حتى في الصلاة، وذلك بعدم التراص في الصفوف، والتباعد فيها؛ مما يسهل تسلط الشيطان على المصلي ليصرفه عن مقصودها وهو الخشوع فيها؛ ولهذا كان صلى الله عليه وسلم إذا أقيمت الصلاة استقبل الناس بوجهه وقال: «لا تختلفوا فتختلف قلوبكم»، وكان صلى الله عليه وسلم يقول: «لتسوُّنَّ صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم». 

     وكما هو معلوم فالأمة لما حققت قول الله -تعالى-: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً}، علا شأنها وارتفع قدرها، وذاع صيتها، أما حينما تفرقت، واختلفت، وتشرذمت، وتناحرت، صارت معيشتها ضنكا، وحياتها عسرا؛ فسقطت من أعين أهلها قبل أعدائها وذهبت ريحها، قال -تعالى-: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}.

السبيل إلى التآلف

وهنا يأتي السؤال المهم، ما السبيل إلى التآلف والترابط؟ وهنا نطرح بعض الأسباب التي تؤدي إلى تأليف القلوب التي من أهمها:

العبودية الحقة

     أن يحرص الإنسان أن يكون عابداً حقاً لله، موحداً له، لا يشرك معه غيره أبداً؛ لأن التوحيد في القلوب يؤدي إلى وحدة الصفوف وتآلف القلوب، وهذه معادلة يفهمها كل إنسان يعرف حقيقة الإيمان؛ فإذا كان الإنسان موحداً لله عابداً له حقيقة؛ فإن الألفة في قلبه مع إخوانه من أهل الإيمان وأهل العبادة والطاعة لاشك ستكون أقوى وأقرب، بخلاف من تشتتت قلوبهم في غير طاعة الله، أولئك لا يعرفون للألفة، والمحبة، والمودة، ولا يعرفون لها قيمة .

التمسك بالعلم الصحيح

     كذلك من الأشياء التي تساعد وتعين على الألفة والمحبة والمودة التمسك بالعلم الصحيح، والعلم لاشك له أثر في نفوس الناس وأثر كذلك في نفس هذا الإنسان المحب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيرا»، ثم يقول: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ»، انظر كيف عالج هذا الأمر وهو الخلاف والنزاع والشقاق، عالجه بالعلم، كما جاء على لسانه صلى الله عليه وسلم قال: «عليكم بسنتي»، وسنة النبي لاشك أنها العلم النافع المفيد، ثم قال: وسنة الصحابة الخلفاء الراشدين، وأوصى بالتمسك بها، وهذا أمر مطلوب حتى نخرج من هذه الخلافات وهذه النزاعات التي جاءت بعد أن توغل في القلوب داء الحسد والكراهية والبغضاء إلى آخره؛ ولذلك تجد الإنسان كلما زاد علمه، كلما كان أكثر مودة ومحبة لإخوانه المسلمين لا خلاف.

الحرص على أخوة الإسلام

     الأمر الثالث الذي يعين ويساعد على المحبة والألفة والترابط والتعاون: الحرص على أخوة الإسلام؛ فينبغي على المرء أن يقدم أخوة الإسلام أخوة العقيدة أخوة الدين على ما سواها، حتى على أخوة النسب، حتى على أخوة الدم، بل أقول أبعد من ذلك، لا يكتمل إيمان المرء إلا بمحبة الأخ لأخيه كما يحب لنفسه تماماً، وهذا ما ورد في القرآن الكريم في قوله-عز وجل-: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}، وكذلك في قول النبي صلى الله عليه وسلم : «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»، يعني لا يكتمل لك إيمان إلا بهذه المحبة والألفة التي تستقر في قلبك حتى تجعل من أخيك تماماً كنفسك، وأنت تقدم هذه النفس في بعض الأمور المحبوبة، يجب أن تقدم هذا الأخ، كما تقدم نفسك تماماً.

التَّواضع

     إنَّ خفض الجنَاح ولين الكَلِمَة وتَرْك الإغلاظ مِن أَسبَاب الأُلْفَة واجتماع الكَلِمَة وانتظام الأَمر ولهذا قيل: مَن لانت كلمته وجبت محبَّته، وحَسُنَت أُحدُوثته، وظمئت الْقُلُوب إلى لقائه، وتنافست في مودته. قال ابن عثيمين: وظيفة المسلم مع إخوانه، أن يكون هيِّنًا ليِّنًا بالقول وبالفعل؛ لأنَّ هذا ممَّا يوجب المودَّة والأُلْفَة بين النَّاس، وهذه الأُلْفَة والمودَّة أمرٌ مطلوبٌ للشَّرع؛ ولهذا نهى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عن كلِّ ما يوجب العداوة والبغضاء.

القيام بحقوق المسلمين

     فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «حق المسلم على المسلم خمسٌ: رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس»؛ فهذه الحقوق التي بيَّنها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم كلَّها إذا قام بها النَّاس بعضهم مع بعض، حَصل بذلك الأُلْفَة والمودَّة، وزال ما في القلوب والنُّفوس مِن الضَّغائن والأحقاد.

إفشاء السَّلام

      قال صلى الله عليه وسلم : «يا أيُّها النَّاس أفشوا السَّلام، وأطعموا الطَّعام، وصلوا الأرحام، وصلُّوا باللَّيل والنَّاس نيام، تدخلوا الجنَّة بسلام». قال الإمام الرَّازي: الحكمة في طلب السَّلام عند التَّلاقي أنَّها أوَّل أسباب الأُلْفَة، والسَّلامة التي تضمنها السَّلام هي أقصى الأماني؛ فتنبسط النَّفس -عند الاطِّلاع عليه- أيَّ بسطٍ، وتتفاءل به أحسن فأل.

زيارة المسلم وعيادته

فزيارة المسلم لأخيه المسلم تبعث على الحبِّ والإخاء، ولا سيَّما عند المرض، مع ما أعده الله من الأجر والثواب له قال صلى الله عليه وسلم : «مَن عاد مريضًا أو زار أخًا له في الله، ناداه مناد بأن طبت وطاب ممشاك، وتبوَّأت مِن الجنَّة منزلًا».

حسن الخلق

  فالألفة ثمرة حسن الخلق، والتفرق ثمرة سوء الخلق‏؛ فحسن الخلق يوجب التحاب، والتآلف، والتوافق، وسوء الخلق يثمر التباغض، والتحاسد، والتدابر، ومهما كان المثمر محمودًا، كانت الثمرة محمودة.

النهي عن التهاجر

     وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن التهاجر بين المسلمين، فقال: «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان؛ فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام»؛ فلنتق الله -عز وجل-، ولننظر في واقعنا، ولنحذر من أعدائنا، ولنتمسك بديننا، يقول الله -عز وجل-: {شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ}(الشورى: 13).

التنازع ليس من صالح المسلمين

     ولا شك أن التنازع والافتراق ليس من صالح المسلمين أبداً، وهو خلاف لما تركنا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذي قال: «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي»؛ فلا نجاة إلا باتباع النبي صلى الله عليه وسلم وما عليه أصحابه من المهاجرين، والأنصار، ومن سار على نهجهم بإحسان، قال -تعالى-: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}(التوبة: 100)؛ فلابد من سلوك منهجهم والسير على طريقهم، وإذا حدث سوء تفاهم بين الأفراد من المسلمين؛ فلابد من الإصلاح، قال -تعالى-: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}(الحجرات: 9).

علاج الخلاف والفرقة

     لا شك أن من أهم سبل علاج الخلاف والشقاق هو الرجوع إلى الأصل الأصيل والمنبع الصافي: كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، على فهم سلف الأمة، لاسيما عند حصول الخلاف؛ فهذه هي وصية الله -سبحانه وتعالى-، ووصية نبيه صلى الله عليه وسلم، قال -تعالى-: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}؛ فالرد إلى الله -تعالى- هو الرد إلى كتابه، والرد إلى رسوله صلى الله عليه وسلم هو الرد إلى سنته؛ فلم يأمر الله -تعالى- بالرد إلى العقول ولا للأهواء، ولا إلى التنظير السقيم، ولابد أن يكون الرد إلى هذين الأصلين بفهم سلف الأمة؛ فهم خير القرون، وهم صفوة الخلق، فقد عاينوا التنزيل، وأدركوا التأويل، وفهموا النصوص؛ فلن يكون أحد ممن جاء بعدهم أسدّ منهم رأيا، وأقوى منهم علما، وأعظم منهم ورعا وتدينا.

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك