رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: محمد إسماعيل المقدم 11 مايو، 2019 0 تعليق

بين يدي رمضان (2) ماذا يحدث في أول ليلة من رمضان؟

 

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا كان أول ليلة من شهر رمضان، صُفِّدت الشياطين ومردة الجن، وغُلِّقت أبواب النار؛ فلم يُفتح منها باب، وفُتحت أبواب الجنة؛ فلم يغلق منها باب، وينادي منادٍ: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة» (رواه الترمذي وابن ماجه، وابن خزيمة في صحيحه، والبيهقي)، إن خير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم -، ومن هديه - صلى الله عليه وسلم- في هذا الموضع المبادرة إلى تذكير الناس ببركات هذا الموسم العظيم؛ فقد قال - صلى الله عليه وسلم- لأصحابه في أول ليلة من رمضان: «أتاكم شهر رمضان، شهر مبارك، فرض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتُغَلُّ فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرِمَ خيرها فقد حُرِمَ» (رواه النسائي والبيهقي، وحسنه الألباني).

كيف يستقبل باغي الخير رمضان؟

التوبة الصادقة

     المبادرة إلى التوبة الصادقة، المستوفية لشروطها، وكثرة الاستغفار؛ لأنه شُرِعَ في استفتاح بعض الأعمال، كما في خطبة الحاجة «نحمده، ونستعينه، ونستغفره» كما نُدب إليه مطلقاً، وقال الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} ( التحريم:8 ).

فقه الصيام

     تعلم ما لابد منه من فقه الصيام، أحكامه وآدابه، والعبادات المرتبطة برمضان من اعتكاف وعمرة وزكاة فِطر، وغيرها، قال رسول - صلى الله عليه وسلم-: «طلب العلم فريضة على كل مسلم».

تعمير رمضان

     عقد العزم الصادق والهمة العالية على تعمير رمضان بالأعمال الصالحة، قال -تعالى-: {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} (محمد:21)، وقال -جل وعلا-: {وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةًَ} (التوبة: 46)، وتحري أفضل الأعمال فيه وأعظمها أجراً.

أيام معدودات

      استحضار أن رمضان -كما وصفه الله عزَّ وجلَّ- أياما معدودات، سرعان ما يمضي؛ فهو موسم فاضل، ولكنه سريع الرحيل، واستحضار أن المشقة الناشئة عن الاجتهاد في العبادة تذهب أيضاً، ويبقى الأجر، وشَرْحُ الصدر؛ فإن فرط الإنسان ذهبت ساعات لهوه وغفلته، وبقيت تبعاتها وأوزارها.

الأذكار والأدعية

     الاجتهاد في حفظ الأذكار والأدعية المطلقة منها والموظفة، خصوصاً الوظائف المتعلقة برمضان، استدعاءً للخشوع وحضور القلب، واغتناماً لأوقات إجابة الدعاء في رمضان، والاستعانة على ذلك بدعاء: «اللهم أعنِّي على ذكرك، وشكرك، وحُسن عبادتك»، وهاك الأذكار الثابتة المتعلقة بوظائف رمضان:

ما يقول إذا رأى الهلال

- يقول مستقبلا القبلة: الله أكبر، اللهم أَهِلَّه علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والتوفيقِ لما تحب وترضى، ربنا وربكَ الله، وإذا رأى القمر، قال: أعوذ بالله من شر هذا الغاسق إذا وقب، وإذا صام؛ فلا يرفث، ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: «إني صائم، إني صائم» (مرتين أو أكثر).

ماذا يقول عند الإفطار؟

     عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «ثلاث دعوات مستجابات: دعوة الصائم، ودعوة المظلوم، ودعوة المسافر»، وهذه الدعوة التي لا ترد تكون عند فطره، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم-: «ثلاث لا ترد دعوتهم: الصائم حين يفطر، والإمام العادل، ودعوة مظلوم»، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن للصائم عند فطره لدعوة ما ترد»، وأفضل الدعاء الدعاء المأثور عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فقد كان يقول - صلى الله عليه وسلم - إذا أفطر: «ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر -إن شاء الله».

وعن معاذ بن زهرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم - كان إذا أفطر قال: «اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت» (رواه أبو داود مرسلاً) وقال الألباني: «لكن له شواهد يتقوى بها»، وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول عند فطره: «اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لي» (رواه أبو داود).

الأعمال الصالحات

الاستكثار من الأعمال الصالحات؛ فإن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها، ومن ذلك:

تلاوة القرآن الكريم

- فإن رمضان هو شهر القرآن؛ فينبغي أن يكثر العبد المسلم من تلاوته وحفظه، وتدبره، وعرضه على من هو أقرأ منه، كان جبريل يدارس النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن في رمضان، وعارضه في عام وفاته مرتين، وكان عثمان بن عفان - رضي الله عنه - يختم القرآن الكريم كل يوم مرة، وكان بعض السلف يختم في قيام رمضان في كل ثلاث ليال، وبعضهم في كل سبع، وبعضهم في كل عشر؛ فكانوا يقرؤون القرآن في الصلاة وفي غيرها؛ فكان للشافعي في رمضان ستون ختمة يقرؤها في غير الصلاة، وكان الأسود يقرأ القرآن كل ليلتين في رمضان، وكان قتادة يختم في كل سبع دائماً، وفي رمضان في كل ثلاث، وفي العشر الأواخر في كل ليلة، وكان الزهري إذا دخل رمضان يفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم، ويقبل على تلاوة المصحف، كان سفيان الثوري إذا دخل رمضان أقبل على قراءة القرآن، قال الزهري: «إذا دخل رمضان؛ فإنما هو قراءة القرآن، وإطعام الطعام».

قيام رمضان

 فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يُرَغِّب في قيام رمضان، من غير أن يأمرهم بعزيمة، ثم يقول: «من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه»، وجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم- رجل من قضاعة؛ فقال: يا رسول الله أرأيت إن شهدت أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، وصليت الصلوات الخمس، وصمت الشهر، وقمت رمضان، وآتيت الزكاة؟» فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من مات على هذا كان من الصديقين والشهداء».

الصدقة

     فقد كان - صلى الله عليه وسلم- أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، كان أجود بالخير من الريح المرسلة، ولا يُسأل شيئاً إلا أعطاه، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «أفضل الصدقة صدقة في رمضان»، ومن صور الصدقة إطعام الطعام، وتفطير الصوام، قال -صلى الله عليه وسلم-: «من فطَّر صائماً كان له مثل أجره، غير أنه لا يُنْقِصُ من أجر الصائم شيئاً»؛ فإن عجز عن عَشائه فطَّره على تمرة أو شربة ماء أو لبن، وقال - صلى الله عليه وسلم-: «اتقوا النار، ولو بشق تمرة»، وعن عليّ - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن في الجنة غُرفاً يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدها الله -تعالى- لمن أطعم الطعام، وألان الكلام، وتابع الصيام، وصلى بالليل والناس نيام»، وقال - صلى الله عليه وسلم-: «صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر»، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أيما مؤمن أطعم مؤمناً على جوع، أطعمه الله من ثمار الجنة، ومن سقى مؤمناً على ظمأ، سقاه الله من الرحيق المختوم».

      وكان من السلف من يطعم إخوانه الطعام وهو صائم، ويجلس يخدمهم ويروحهم، منهم الحسن وابن المبارك، وقال أبو السوار العدوي: «كان رجال من بني عدي يصلون في هذا المسجد، ما أفطر أحد منهم على طعام قط وحده، إن وجد من يأكل معه أكل، وإلا أخرج طعامه إلى المسجد؛ فأكله مع الناس وأكل الناس معه»، قال الإمام الماوردي –رحمه الله-: «ويستحب للرجل أن يوسع على عياله في شهر رمضان، وأن يحسن إلى أرحامه وجيرانه، لاسيما في العشر الأواخر منه» اهـ.

المكث في المسجد بعد صلاة الفجر

 فقد كان - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى الغداة جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس، وقال - صلى الله عليه وسلم-: «من صلى الفجر في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين، كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة».

     فعلى المرء أن يجمع همته ليغتنم هذا الزمان الشريف، ولا يضيره انصراف أكثر الناس عن هذه السُّنَّة، بل الحازم ينظر في أمر الدين إلى من هو فوقه، ومن هو أنشط منه {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} (المطففين: 26)، وقد يُحرم المرء من هذه السُّنَّة الجليلة لإفراطه في السهر أو السمر بعد العشاء.

الاعتكاف

 فقد كان - صلى الله عليه وسلم - يعتكف في كل رمضان عشرة أيام؛ فلما كان العام الذي قُبض فيه اعتكف عشرين يوماً.

العمرة

     فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما رجع من حجة الوداع، قال لامرأة من الأنصار اسمها أم سنان: «ما منعك أن تحجي معنا؟» قالت: أبو فلان -زوجها- له ناضحان، حج على أحدهما، والآخر نسقي عليه؛ فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: «فإذا جاء رمضان فاعتمري؛ فإن عمرة فيه تعدل حجة، أو قال: حجة معي».

تحري ليلة القدر

     التي قال -تعالى- في شأنها: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ(1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ(2)لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ(3)} (القدر: 1-3)، قال - صلى الله عليه وسلم-: «من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه»، وقال - صلى الله عليه وسلم-: «من قامها ابتغاءها، ثم وقعت له، غُفِر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر».

     وكان - صلى الله عليه وسلم- يتحرى ليلة القدر، ويأمر أصحابه بتحريها، وكان يعتكف لذلك، وكان يوقظ أهله في ليالي العشر رجاء أن يدركوها، وعن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: قلتُ: يا رسول الله إن وافقت ليلة القدر ما أقول؟ قال: «قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو، فاعف عني».

الإكثار من النوافل بعد الفرائض

      كالسُّنن القبلية والبعدية، وصلاة التسبيح، والضحى، والذكر والاستغفار، والدعاء، ولاسيما في أوقات الإجابة، وعند الإفطار، وفي ثلث الليل الآخر، وفي الأسحار، وساعة الإجابة يوم الجمعة.

حق شهر الصيام شيئان

إن كنت من الموجبين حـق الصيام.

تقطـع الصوم في نهارك بالذكر

وتفنـي ظلامـه بالقيـام.

المحافظة على صلاة الجماعة في المسجد

      والاجتهاد في تطبيق قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من صلى لله أربعين يوماً في جماعة، يدرك التكبيرة الأولى، كتب له براءتان: براءة من النار، وبراءة من النفاق».

قال سعيد بن المسيب: «من حافظ على الصلوات الخمس في جماعة؛ فقد ملأ البر والبحر عبادةً».

     هذه إلمامة عجلى ببعض مظاهر الخير الذي ينادي من يقصده وينويه في أول ليلة من رمضان: «يا باغي الخير أقبل»، فماذا عن باغي الشر الذي يقال له في الليلة نفسها «يا باغي الشر أقصر»؟

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك