رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. ياسر برهامي 30 يناير، 2012 0 تعليق

بين المرجو والمأمول والواقع والممكن

 

الحمد لله والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم .. أما بعد..

فقد أثارت مسألة (التوافق) التي يصر الكثيرون على تسميتها (التحالف) بين السلفيين وبين الكتل السياسية المخالفة في البرلمان بمن في ذلك الليبراليون – قدرًا كبيرًا من الشبهات حول طريقة معالجة السلفيين للمشكلات السياسية، وأصر بعضهم على اتهامهم بالتلون والتنازل؛ لأنهم بالأمس كانوا يرفضون الديمقراطية، واليوم صاروا على رأس مبادرة التوافق.

       والحقيقة أن وضوح السلفيين وثباتهم على مبادئهم ووفائهم بالتزاماتهم صار سمة أساسية لهم، تكونت عبر سلسلة من المواقف يقر بها المحب والمبغض، والموافق والمخالف، لكن المشكلة في عدم فهم بعضهم – عن قصد أو غير قصد – لقضية الموازنة بين المرجو المأمول الذي يلزم أن يظل أمام أعيننا هدفًا واضحًا مثاليًّا مطلقًا كما جاء به الشرع، لا نتنازل عنه في خطابنا، وبين الواقع الممكن الذي فرض علينا التعامل معه مهما كان ناقصاً وصادمًا ومخالفاً للرجاء والأمل، والذي لابد لنا أن نستوعبه ونعامله، وكما جاء بذلك الشرع أيضًا فإنه: {لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا} (البقرة: 233)، وقال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (التغابن: 16).

       فالسلفيون ليسوا هم الذين قدموا للناس أصحابَ المناهج المخالفة، ولا زكوا اختيارهم نصحاً للأمة وحذرًا من الغش لها؛ لأن صلاح الأمة في تقديم من يريد شرع الله، ويسعى لإقامته، ولكن قد أفرز توازن القوى داخل المجتمع وخارجه هذا الواقع من خلال الانتخابات، والتي وإن لم تكن أيضا على المرجو المأمول إلا أنها أفضل بكثير من الفوضى والتدمير الذي يريده الأعداء، كذلك من الاستبداد والقهر الذي كان يمارسه النظام السابق.

       فأصبح لزامًا على السلفيين أن يتواصلوا ويتحاوروا مع كل القوى السياسية التي أصبحت شريكة في البرلمان بل وخارجه، وأصبح البحث عن نقاط الاتفاق التي نجتهد في توسيعها رعاية لمصالح البلاد ونقاط الاختلاف وكيفية معالجتها – أمرًا حتميّا ولازمًا.

       وأصبح الوصول إلى جعل قضية مرجعية الشريعة الإسلامية وضبط الحريات بالشرع وثوابت مجتمعنا المسلم من قبل الليبراليين أنفسهم – مكسبًا كبيرًا لا يمكن لأحد أن يزايد عليه، وقد تم – بحمد الله – ذلك في مبادرة الوفاق، مع أن صدورها لم ولن يقطع حبل التوافق والتواصل مع إخواننا الإسلاميين الذين يجمعنا معهم قدر أكبر من الأهداف والتصورات المشتركة، وإن وجد الخلاف بأنواعه؛ السائغ وغير السائغ، كما هي سنة الله في خلقه: {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} (هود: 118 - 119).

       يبقى أن نضيف أن (التوافق) الذي يختلف كثيراً عن (التحالف) الذي يلزمنا بترك ثوابتنا أو بالتنازل في خطابنا الديني أو السياسي عن عقيدتنا وفهمنا لمنهجنا.

       هذا التوافق الذي ضم كثيرًا من الائتلافات والجبهات والكيانات التي لم تجد لها مكانًا تحت قبة البرلمان - قد منع إقصاء هذه القوى وإهمالها، وبالتالي قد قطع الطريق على ضمها لقوى الفوضى والتخريب التي تحشد حشودها هذه الأيام في محاولة لتمزيق خارطة الطريق، والقفز على إرادة الأمة، وتحويل مسار الثورة عن السلمية إلى التدمير، وعن بناء مؤسسات الدولة بالتدرج الممكن إلى ما يزعمونه (الشرعية الثورية) التي رفضها الشعب بمشاركته العظيمة في أول انتخابات حقيقية في العصر الحديث، سيظل التاريخ ذاكرًا للمجلس العسكري أنه هو الذي أدارها بهذه الصورة ولم تحدث سيناريوهات أخرى توقعها البعض.

       مازلنا نقول للقوى التي تحاول استغلال ذكرى 25 يناير والجمعة التي تليها لإحداث الفوضى (الخلاقة للخراب) الباب مفتوح أما الانضمام للتوافق وإن اختلفنا، ولا نسعى ولن نسعى لتهميش أحد يريد خير البلاد ومصلحتها كما رأيتم، فمدوا أيديكم فأيدينا ممدودة، وإن أبيتم إلا أن تكونوا أبناء الأعداء، فالأمة كلها لكم بالمرصاد.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك