رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: إيهاب شاهين 2 مايو، 2018 0 تعليق

بين الثبات والزلل

 

عن أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ»؛ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، آمَنَّا بِكَ، وَبِمَا جِئْتَ بِهِ؛ فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: «نَعَمْ، إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ، يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ».

     الثبات ضد الزلل، نعوذ بالله منه، عندما يتأمل العبد في قوله -تعالى-؛ {فتزل قدم بعد ثبوتها} يدرك خطورة الأمر، وأن الإنسان لا يأمن على نفسه أبدا، فإن الله قال: {فتزل قدم بعد ثبوتها} ولم يقل: (تذبذبها)؛ فبعد أن كانت راسخة زلت، شيء يدعو إلي الخوف وعدم الأمن؛ ولذلك علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نلجأ لمقلب القلوب كي يثبتنا، وقبل ذلك أمرنا الله أن ندعوه في كل يوم أكثر من سبع عشرة مرة {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} أي: ثبتنا عليه وزدنا فيه هدى. والناظر في حال الدنيا يجد أن الحياة جلها فتن بين شهوات وشبهات؛ لذلك كان الثبات صعبا على العبد إن لم تدركه رحمة الله -عز وجل-؛ لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال الله في حقه: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}، خائفا على المؤمنين حريصا على ألا يتفلت منهم أحد إلى غير هدى؛ فعلمناصلى الله عليه وسلم أن نلجأ إلى الله بصدق وأن ندعوه أن يثبت قلوبنا على دينه؛ لذلك قيل لأحد العلماء: إن فلانا انتكس؛ فقال: إما أنه لم يسأل الله الثبات، أو لم يشكر الله على نعمة الاستقامة.

وتأمل قول الله -سبحانه- في حق سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم {وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً}، فإذا كان هذا في حق من لم يخطئ قط؛ فكيف بمن دونه أمثالنا؟ فالأمر جد خطير، لكن من رحمة الله بعباده أن هيأ لهم أسبابا لو اتخذوها لكانت عونا على ثبات العبد على الدين منها:

1- العمل بالمواعظ والنصائح التي يسمعها الإنسان قال -تعالى-: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا}؛ فالعبرة ليست بكثرة السماع وإنما العبرة في أن تعمل بما تسمع، وألا يتخلف القول عن العمل، والنظرية عن التطبيق؛ لأن هذا يجلب غضب الله -عز وجل.

2- قراءة القرآن بتفهم وتدبر قال -تعالى-: {كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ}؛ فقراءة القرآن والعمل به يثبت قلوب المؤمنين.

3- قراءة سير المرسلين والصالحين، كيف تعرضوا لفتن كثيرة ونجاهم الله -تعالى؟ قال -تعالى - {وكلاً نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ}؛ فقراءة قصصهم تهون على العبد الغربة التي يعيشها في زمان يعج بالفتن في كل مكان.

4- نصرة دين الله الحق مهما كان وعدم التخاذل الذي هو سبب الزلل والخسران، قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}، ومن ثبته الله في الدنيا كان أقرب؛ لأن يثبت عند القدوم عليه، قال -تعالى-: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ}.

5- الدعاء الكثير والإلحاح على الله -تعالى- وهذا دأب الصالحين؛ فقد أخبرنا الله -عز وجل- عن الصالحين من عباده في أكثر من موضع في القرآن أن قولهم {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا}، {ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا}، ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يكثر أن يقوله: «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ».

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك