بين الاهتمام والتأثير
اعلم يا صديقي، أن التغيير لا يحصل إلا بالتغيير؛ فـتغيير الأحوال لا يكون إلا بتغيير المفاهيم والأعمال، والتخلص من الإحباط في ظل هذا الواقع المرير ليس بالعسير، لكن الأمر في الحقيقة يحتاج منا إلى القدرة على صناعة الإنجاز والتحفيز.
ومفهوم الإنجازات المحفزة لا يلزم منها أن تكون من أول وهلة كبيرة وجماعية وممتدة، بل قد تكون فردية صغيرة لكنها متكاملة ومنتظمة ومؤثرة في الدائرة المحيطة بنا.
ففاعلية المجموع وتأثيره تأتي من فاعلية الأفراد وتعاونهم، وعندما لا يقوم كل فرد بدوره على أتم وجه، لا تنتظر من أي كيان أو أمَّة أن تكون أمَّةً فاعلةً أو مؤثرةً.
وإحداث التغير في الواقع، يحتاج منا أن ندرك الفارق الكبير بين دوائر الاهتمام ودوائر التأثير، فـدوائر الاهتمام أوسع بكثير من دوائر التأثير، ودوائر التأثير هي اللبنة الأولى في التغيير؛ فـلا ينبغي أن تطغى دوائر اهتمامك على دوائر تأثيرك، فـنحن سنؤجر بإذن الله على الهم الذي ينتابنا من النظر في دوائر الاهتمام، لكننا سنسأل قطعا عن دوائر التأثير التي فرطنا فيها.
يا صديقي، اهتم بقضايا المسلمين في العالم من حولك، وكن على يقين أن التغيير لن يأتي إلا باهتمامك الحقيقي بدوائر التأثير من حولك.
فـمشروع تغيير العالم -كما قيل- قد يأتي من إيصال أقلام الرصاص وألواح القرآن لأطفال المدارس في أقصى ربوع إفريقيا، فهذا ما قد يُستطاع الآن، والله -عز وجل- لا يكلف نفسا إلا وسعها، وهو الذي يبارك في الأعمال، ويدبر الأكوان؛ فإياك أن تحبط يا صديقي أو تيأس، أو تظن أن ما يمكنك فعله من خير في دائرة التأثير ما هو إلا قطرة في بحر الإحباطات في دوائر الاهتمام، فهذا ليس بصحيح.
فـالبحر يا صديقي ليس إلا كمًّا من القطرات، وكلما زادت قطرات الخير وتجمعت فيه، كلما تغيرت المخرجات.
يا صديقي، ليس حتما أن نرى نتائج التغيير، فقد نموت قبل أن يحدث المراد، ويأتي من يكمل المسير ممن صُنع في دوائر تأثيرك ولا تراه.
يا صديقي، ألم يكن صلاح الدين يوما فسيلة من تلك الفسائل التي غرسها عماد الدين زنكي في بلدة بعيدة بالشام؟!
ثم كان ماذا؟ كان ما أَقَرَ الله به أعين المؤمنين بعده بسنوات وسنوات.
يا صديقي، الواجب أن نستمر في غرس الفسيلة، لا أن نتعلق برؤية النتيجة، فتلك هي الوظيفة التي انتُدبنا لها لننال بها الريادة والسعادة في الدنيا والأخرة؛ فـانتبه يا صديقي.
لاتوجد تعليقات