بيان المقاصد لكتاب كشف الشبهات (4) العامي من الموحدين يغلب رؤوس المشركين
- لا تكن إمعة رخوًا خفيفًا أينما نُقلت انتقلت وكيفما حُوِلت تحولت ما دام أنك أخذت اعتقادك عن علم ويقين فاثبت عليه
- العامي الموحد يغلب ألفًا من علماء المشركين لأنهم هباء لا شيء إنما هيكل ومنظر أما في الحقيقة فلا حجة ولا برهان
- القرآن ما نزل إلا هدى فلا يشتبه إلا على من لا علم عندهم بل يدريه ويعلمه ويحققه الراسخون في العلم
هذه تأملات ومجالس علمية في مقاصد كتاب كشف الشبهات، الرسالة الماتعة النافعة لشيخ الإسلام المجدد لما اندرس من معالم الدين في القرن الثاني عشر، الشيخ أبي عبد الله محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي، -رحمه الله- وأجزل له المثوبة، وكشف الشبهات هذا المختصر النافع المفيد، فكانت هذه المذاكرة حول مقاصد هذه الرسالة مع بعض مضامينها وألفاظها.
- قال -رحمه الله- {وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} (الصافات)، فجند الله هم الغالبون بالحجة واللسان، كما هم الغالبون بالسيف والسنان، وإنما الخوف على الموحد الذي يسلك الطريق وليس معه سلاح، هذا الذي أشار إليه شيخ الإسلام أمر واقع، وحقيق، وملموس أيضًا، أن العامي الذي حقق لله -جل وعلا- التوحيد يغلب ألفًا من علماء السوء وعلماء الشرك فلم.
علماء المشركين جبناء مع الحق
- وعلماء المشركين الذين أوتوا علومًا وكتبًا وتأليفا جبناء مع الحق؛ لأن الحق مستقر والباطل مزهوق، كما قال -سبحانه في آية الإسراء-: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} (الإسراء)، وهذا الكلام والتقرير في عرض أمثلته يطول، ومظانه كتب السير والتأريخ في التراجم، ولا سيما تراجم علماء العقيدة الصحيحة وعلماء التوحيد من السلف والخلف، وسير أئمة التوحيد والعقيدة بصبرهم وجهادهم وغيرتهم على دين الله.
مثال بالحجة
- وهناك مثال بالحجة في قصة ذكرها الشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن أبو بطين -رحمه الله- في «رده على ابن جريس». قال: إن رجلًا عالمًا من أهل الطائف التقى بعامي من أهل نجد، فقال الطائفي للنجدي: أنتم تحتقرون الأولياء والشهداء، والله -تعالى- يقول: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}. فقال العامي النجدي: هل قال الله: {يُرْزَقُونَ} أو قال {يَرزقون} فقال الطائفي: بل قال: {يُرْزَقُونَ} قال العامي النجدي: ما دموا يرزقون. فأنا أسأل الذي رزقهم أن يرزقني - فقال الطائفي: ما أكثر حججكم يا أهل نجد!.
الخوف على الموحد
- قال المصنف -رحمه الله-: «وإنما الخوف على الموحد الذي يسلك الطريق وليس معه سلاح»، انتبه أيها المؤمن! فالخوف على الموحد الذي يسلك الطريق فعنده توحيد وعنده عقيدة وعنده تصفية لهذا الإيمان ومحقق التوحيد لله لكن ما عنده سلاح، وما عنده علم، هذا الذي يُخاف عليه؛ حيث تأتيه شبهة فتقلب هذه الأصول عنده إلى أمور مشكوكة -والعياذ بالله- قد يضلُّ بها، إذًا الشأن مع التوحيد، العلم بدلائل هذا التوحيد وأدلته وبراهينه وكشف شبه أصحاب التشبيه والتشكيك وأصحاب الأهواء.
القرآن ينقض حجج الباطل
- وقال -رحمه الله-: «وقد من الله -تعالى- علينا بكتابه الذي جعله {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} (النحل) فلا يأتي صاحب باطل بحجة إلا وفي القرآن ما ينقضها ويبين بطلانها، كما قال -تعالى-: {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} (الفرقان) قال بعض المفسرين: «هذه الآية عامة في كل حجة يأتي بها أهل الباطل إلى يوم القيامة».
- قال -رحمه الله- «وأنا أذكر لك أشياء مما ذكر الله في كتابه جوابًا لكلام احتج به المشركون في زماننا علينا. فنقول: جواب أهل الباطل من طريقين: مجمل ومفصل، أما المجمل، فهو الإرث العظيم والفائدة الكبيرة لمن عقلها وذلك قوله -تعالى-: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} (آل عمران: 7).
ذوو الشبهات لهم جوابان
الآن الدخول إلى مقصود المؤلف في كشف الشبهات، وذلك أن ذوي الشبهات لهم جوابان: 1 - مجمل. 2 - ومفصل.- خلاصة مقصده: وهو أنه إذا جاءك القبوري، أو المشرك، أو من يدعو غير الله -جل وعلا-، أو صرف له أنواعًا من العبادة يريد أن يصوب ما هو عليه، ويسوغ حاله فأتاك بأدلة وجاءك بنصوص يريد أن يستدل بها ويلبس عليك؛ فقل: أنا لا أعرف ما تقول بهذا القول، أنا عندي قواطع أبني عليها، وأنا أعرف أن الله -جل وعلا- ذكر لنا من يلوي لسانه بكلام الله ليوافق مذهبه، يلوي أعناق النصوص ليوافق قوله، وقد حذرنا من هؤلاء كما في أول آل عمران: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} (آل عمران: 7).
لا تكن إمعة رخوًا
فأنا لا أدع المُحْكَم الذي عندي لأجل المتشابه، وهذا جواب مجمل ينفع مع كل ذي شبهة، ولا تكن إمعة رخوًا خفيفًا أينما نُقلت انتقلت، وكيفما حُوِلت تحولت، ما دام أنك أخذت اعتقادك عن علم ويقين فاثبت عليه! ولا تنتقل عنه إلا بشيء مثله بالوضوح أو أوضح منه، وهذا -يا أيها الإخوة- في كل أمر، وهو في العقيدة أولى، لا تنتقل عن اليقين إلا عن يقين واضح، وبدليل: بصحة استدلال أو بصحة تعليل. أما مجرد شبهة فتصير مثل المُنْبَّت الذي لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى، وهذا هو المُنْبَّت الخفيف المرجوج، أما الراسخ الثابت العاقل البصير فتجده أمهل الناس عند الشبهات، وعند الفتن فتنبه!الله يعلم تأويل المتشابه
والوقوف على قوله -تعالى-: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} كما في المصاحف التي بين أيدينا وقف لازم، وعيب على من لا يقف؛ لأن الواو بعدها -في أشهر أقوال أهل العلم- استئنافية {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا}. وشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- ذكر وجهًا ثانيًا، أن المتشابه الله يعلم تأويله، ويعلم تأويله الذين أوتوا العلم وهم الراسخون في العلم فيكون الوقف عندئذ وقف مستحب، ولا معيبة على من أتم قراءته ولما يقف؛ لأن الراسخ في العلم يعلم تأويل هذا المتشابه يرده إلى المحكم. لم؟ لأنه بناها على أصل عظيم، وهو أنَّ القرآن ليس فيه متشابه تشابهًا كليا لا يعرف معناه أحد، وهذا أصل مهم؛ لأن القرآن ما نزل إلا هدى، فلا يشتبه إلا على من لا علم عندهم، على من لم يحققوا العلم فيه، لكنه لا يشتبه على الجميع بل يدريه ويعلمه ويحققه الراسخون في العلم.أولئك الذين سمى الله
قال -رحمه الله- وقد صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أنه قال: «إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سمى الله، فاحذروهم»، وهذا في حديث عائشة -رضي الله عنها- في الصحيحين، تقول -رضي الله عنها-: «تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله، فاحذروهم!
لاتوجد تعليقات