رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 16 مارس، 2020 0 تعليق

بهذا تدوم النعم


السعي في قضاء حوائج الناس من الأخلاق والأعمال التي ندب إليها الإسلام وحث المسلمين عليها، وجعلها من باب التعاون على البر والتقوى الذي أمرنا الله -تعالى- به فقال في محكم تنزيله: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.

     ولا يقتصر قضاء حوائج الناس في السعي على النفع المادي فقط، ولكنه يمتد ليشمل النفع بالعلم، والنفع بالرأي،والنفع بالنصيحة، والنفع بالمشورة، والنفع بالجاه، والنفع بالسلطان، وأهمها النفع بالتوجيه وتخفيف الهموم عن النفوس المثقلة وربطها بالله -تعالى-، جاء بالسند عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ لِلَّهِ أَقْوَامًا اخْتَصَّهُمْ بِالنِّعَمِ لِمَنَافِعِ الْعِبَادِ، وَيُقِرُّهَا فِيهِمْ مَا بَذَلُوهَا، فَإِذَا مَنَعُوهَا نَزَعَهَا عَنْهُمْ وَحَوَّلَهَا إِلَى غَيْرِهِمْ» صحيح الترغيب والترهيب للألباني (2/358)، وفي حديث ابن عباس مرفوعا: ما من عبد أنعم الله عليه نعمة فأسبغها عليه ثم جعل من حوائج الناس إليه، فتبرم، فقد عرَّض تلك النعمة للزوال. حسنه الألباني.

     قال المناوي في فيض القدير: إن لله -تعالى- أقواما يختصهم بالنعم لمنافع العباد أي لأجل منافعهم: ويقرها فيهم ما بذلوها أي مدة دوام إعطائهم منها للمستحق، فإذا منعوها نزعها منهم؛ فحولها إلى غيرهم لمنعهم الإعطاء للمستحق، إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم؛ فالعاقل الحازم من يستديم النعمة ويداوم على الشكر والإفضال منها على عباده واكتساب ما يفوز به في الآخرة، قال -تعالى-: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ}. اهـ، وقال الفضيل: أما علمتم أن حاجة الناس إليكم نعمة من الله عليكم، فاحذروا أن تملوا وتضجروا من حوائج الناس فتصير النعم نقما.

     فمن نعم الله -تعالى- على العبد أن يجعله مفتاحا للخير والإحسان، عَنْ سَهْلِ بن سَعْدٍ، عن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: «عِنْدَ اللَّهِ خَزَائِنُ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، مَفَاتِيحُهَا الرِّجَالُ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَهُ مِفْتَاحًا لِلْخَيْرِ، وَمِغْلاقًا لِلشَّرِّ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَهُ مِفْتَاحًا لِلشَّرِّ، وَمِغْلاقًا لِلْخَيْرِ» في صحيح الجامع (4108).

     وجاء في الأثر: «قيدوا النعم بالشكر، فإن لها أوابد كأوابد الوحش» وقد أشار ابن عطاء الله في حكمه إلى هذا المعنى فقال: «من لم يشكر النعم، فقد تعرض لزوالها، ومن شكرها فقد قيدها بعقالها» انتهى، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه». وقال أيضا - صلى الله عليه وسلم -: «والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه». رواهما مسلم.

     فطالما أن خدمة الناس لا توقع المرء في محذور شرعي، ولا يُؤخَّر بها حق من هو أولى وأقرب فأداؤها والصبر عليها خير وأفضل، قال ابن القيم -رحمه الله- في وصف شيخ الإسلام ابن تيمية: كان شيخ الإسلام يسعى سعيا شديدا لقضاء حوائج الناس.

من يفعل الخيرَ لا يُعدم جوازيه

                                     لا يذهبُ العرفُ بين الله والناسِ

     والحاجات لا تطلب إلا من أهل الإخلاص الذين يسعون لقضاء حوائج الناس طلباً لمرضاة الله -تعالى- وليس من أجل مصلحة أو وجاهة أو شهرة، ولا تطلب الحوائج من اللئام بل من الكرام.

     فإذا أحب الله عبداً، جعل حوائج الناس إليه، فاعلم أنك إن كنت مقصوداً، فأقبل الناس عليك، وتوسموا فيك الخير، وعقدوا عليك آمالهم، ورجوا نوالك، فأنت ممن يحبك الله، أما إذا انصرف الناس عنك، وانفضوا عنك، ويئسوا منك، وأسقطوك من حساباتهم، وتركوك، فأنت ممن لا يحبهم الله -عز وجل-، ولا شك أن السعادة في قلب المعطي أكبر من السعادة لدى الآخذ، وهناك إنسان يعيش للآخرين، وآخر يسخر الآخرين له، وشتان بين الاثنين.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك