رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 21 نوفمبر، 2016 0 تعليق

بن حميـــد: السبيل إلى الوحدة الإسلامية

الأعداء يضرِبُون الأمةَ بعضَها ببعضٍ و يُوقِدون النارَ والفتنَ بين أهل الإسلام، من أجل تحقيق مصالِحهم وحدَهم، إنهم مُتَّفقُون على باطلِهم فلماذا يتنازَعُ أهلُ الإسلام على حقِّهم؟!

الكتابُ والسنَّةُ أصلان ثابتان محفُوظان لا عُدولَ عنهما ولا هديَ إلا منهما وبهما والعصمةُ والنجاةُ لمن تمسَّك بهما واعتصمَ بحبلِهما

الشعوبَ الإسلامية تُؤمنُ إيمانًا يقينيًّا بوحدة أمَّتها والاجتِماع على دينِها وتتطلَّعُ إليها مهما شكَّك المُشكِّكُون وخذَّلَ المُخذِّلُون وحاولَ المُنافِقون ومرضَى القلوب والمُستغرِبُون

إذا تحقَّق الإخلاصُ والسمعُ والطاعةُ ولُزومُ الجماعة وحُسن النصيحة حينئذٍ لا يقوَى على قلوبِ أهل الإسلام مرضٌ ولا نفاقٌ

 

ألقى فضيلة الخطيب: الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: (السبيلُ إلى الوحدة الإسلامية)، التي تحدَّث فيها عن الوحدة المنشُودة بين أهل الإسلام، داعِيًا عمومَ المُسلمين للائتِلاف والاعتِصام بكتاب الله وسُنَّة رسولِه صلى الله عليه وسلم، وإلا كان النزاعُ والفُرقةُ وتشتُّت المُسلمين وتشرذُمهم، مُحذِّرًا من التعصُّب لطائفةٍ أو جماعةٍ ما، مع إقراره بوقوع الاختِلافِ بين المُسلمين، وكان ما جاء في خطبته:

    يا أمةَ محمدٍ! بعَون الله وتوفيقِه، ثم بإراداتٍ واثِقة، وأيدٍ ممدُودة من أجل مُصالحاتٍ رَحبة، تتخلَّصُ الأمةُ من هذه الخُصومات الجَوفاء، والأحقَاد العَميَاء، في إحسانٍ مُتبادَل، مُستهدِفةً نُصرةَ دين الله، وكرامةَ الأمة، ومصالِح الشُّعوب في جِدٍّ ومسؤولية، وقلوبٍ مُمتلئةٍ إخلاصًا وصِدقًا، ومودَّةً وحبًّا، وصفاءً وشجاعة. في توجُّهٍ مُخلِصٍ لاجتماعِ الكلمة، من أجل انتِشال الأمة من أوحال الفُرقة، وإنقاذِها من الأزمات المُفتعَلة. توجُّهٌ مُخلِصٌ يلُمُّ الشملَ، ويرأَبُ الصدعَ، لتعودَ الأمةُ إلى وحدتها وقوتها، وتسيرَ على صراط الله المُستقيم، ودين الإسلام القَويم.

تحقيق الوحدة

     إن تحقيقَ الوحدة يسيرٌ -بإذن الله-، فأسبابُ الاجتِماع -بعَون الله- مُتوافِرة، وإزالةُ الموانِع - بتوفيقِ الله - مُتيسِّرة، ولاسيما في هذا الظَّرف الذي تكشَّف فيه مكرُ الأعداء، ووضحَت فيه توجُّهاتُهم وتوظيفُهم لخلافاتِ الأمة، والنفخُ فيها، وتوسيعُ الهُوَّة والفُرقة والتناحُر، حتى أسالُوا الدماءَ، وفرَّقُوا الديار، ومزَّقُوا المُجتمعات.

أهل الإسلام مستهدفون

     إن الذي يظنُّ أن الأعداءَ يُريدون نصرَ طرفٍ على طرفٍ من المُتقاتِلين من المُسلمين، أو مصلحةِ فرقةٍ ضدَّ فرقةٍ، فعليه مُراجعةُ فقهِه في الدين، ورأيِه في السياسَة، وموقفِه من الأعداء، والله الذي لا إله إلا هو؛ إن أهلَ الإسلام كلَّهم مُستهدَفُون، ولا يُستثنَى من ذلك أحد، يقول الله تعالى - وقولُه الحقُّ -: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا}(البقرة: 217)، ويقولُ - عزَّ شأنُه -: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ}(البقرة: 109)، وفي قولِه - عزَّ شأنُه -: {وَلَا يَزَالُونَ} ما يُفيدُ استِمرارَ العدوِّ، وسعيَه الحثيث وإصرارَه على التجزِئات المذهبيَّة، والتمزيقِ الطائفيِّ.

يضربون الأمة بعضها ببعض

     ووالله ثم والله لن يُبقُوا على أحدٍ، إنهم يضرِبُون الأمةَ بعضَها ببعضٍ، فلا يظنُّ هذا الذي سكَتَ عنهم أو سكَتُوا عنه، أو مدُّوه ببعضِ المدَد أن الأعداءَ سيترُكونهم، إنهم يُوقِدون النارَ والفتنَ بين أهل الإسلام، ويُحرِّضُونَهم بعضَهم على بعضٍ، من أجل تحقيق مصالِحهم وحدَهم، إنهم مُتَّفقُون على باطلِهم، فلماذا يتنازَعُ أهلُ الإسلام على حقِّهم؟!

المحجة البيضاء

     يا أمةَ محمدٍ! لقد ترَكَنا نبيُّنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم  على محجَّةٍ بيضاء، ليلُها كنهارِها، وترَكَ فينا مع إن تمسَّكنا به لن نضِلَّ بعدَه: كتابَ الله وسُنَّته صلى الله عليه وسلم ، وفي التنزيل العزيز: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}(آل عمران: 103)، ويقول: - جلَّ وعلا -: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}(الأنفال: 46)، ويقول - عزَّ من قائل -: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً}(المؤمنون: 52)، نعم، لقد قال: {أُمَّةً وَاحِدَةً} ولم يقُل: أمةً مُتوحِّدة؛ مما يدلُّ على أن الأصل في أهل الإسلام أنهم بهذا الدين أمةً واحدةً، ولم يكونوا مُتفرِّقين ثم توحَّدُوا، يقول - عزَّ شأنُه -: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ}(الحج: 78).

     الدينُ واحد، والكتابُ واحد، والقبلةُ واحدة، والدارُ واحدة، والمصيرُ واحد، والمُسلمون تُحيطُ بهم معيَّةُ الله وعنايتُه، إذا اجتمعُوا على ما أمرَهم به من توحيدِه وحُسن عبادته، وكانوا يدًا واحدةً على من سِواهم، وكنَفُ الله ووقايتُه تحفظُهم من الأذى والخوف والاضطراب.

     فإذا تفرَّقُوا زالَت السَّكينةُ، وأوقعَ الله بأسَهم بينهم، وفسدَت أحوالُهم، ولن تكون خيرَ الأُمم في دُنياها وآخرتها، وعاجلِ أمرها وآجلِه إلا حينما تجعلُ كتابَ الله أمامها وإمامها وقائِدَها، وتجعلُ سُنَّةَ رسولِه صلى الله عليه وسلم  نورَها وهُداها؛ حينئذٍ يعلُو شأنُها، ويرتفعُ قدرُها، وتُحفظُ بيضتُها.

أصلان ثابتان

     الكتابُ والسنَّةُ أصلان ثابتان محفُوظان، لا عُدولَ عنهما، ولا هديَ إلا منهما وبهما، والعصمةُ والنجاةُ لمن تمسَّك بهما، واعتصمَ بحبلِهما، وهما البُرهانُ الواضِح، والفُرقانُ اللائِح بين المُحقِّ إذا اقتفاهما، والمُبطِل إذا جفاهما، والطاعةُ والجماعةُ هي حبلُ الله الذي أمرَ بالاعتِصام به، كما يقولُ ابنُ مسعود رضي الله عنه.

     المُسلمون تجمعُهم وحدةُ العقيدة، ووحدةُ الشعائِر والمشاعِر، في عباداتِهم وأخلاقهم وتعاليمهم، وتحكيم الشرع فيهم توحيدًا، وصلاةً، وصيامًا، وزكاةً، وحجًّا، وجهادًا، وأمرًا بالمعروف، ونهيًا عن المُنكر، وآدابًا ووصايا، وحدةٌ إسلاميةٌ تصغُرُ أمامها الأحقاد والثارات، والأطماعُ والرايات، والعُنصريات والمذهبيَّات، ويجتمعُ الجميعُ تحت لواء: «لا إله إلا الله، محمدٌ رسولُ الله»، الله أكبر، والعزَّةُ لله ولرسولِه وللمُؤمنين، وحدةٌ دينيَّةٌ ثقافيَّةٌ اجتماعيَّةٌ، تجتمعُ على حبِّ هذا الدين والتمسُّك به، وإعزازه، ورفع منار الإسلام.

التعامل مع الحق

     يا أمةَ محمدٍ! التعامُلُ الحقُّ مع أهل القِبلة هو السبيلُ الوحيدُ لوحدة الأمة، تعاملٌ يقوم على قواعِد الشريعة وأصولها المُستمدَّة من نُصوص الوحيَين، ونهج السلَف الصالِح، يسَعُ أهلَ القِبلة ما وسِعَ السابِقين الأولين من المُهاجرين والأنصار وسائر الصحابة الأخيار -رضي الله عنهم أجمعين-، ومن كان على مثلِ ما عليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم  وأصحابُه -رضوانُ الله عليهم-، على ما بينهم من منازل ومقاماتٍ مُتفاوِتات، يشملُهم جميعًا الاصطِفاءُ المدلُولُ عليه بقولِه - عزَّ شأنُه -: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ}(فاطر: 32).

أمة مرحومة

     أمتنا أمةٌ مرحُومةٌ يحمِلُ بعضُها بعضًا، ويجبُر بعضُهم كسرَ بعضٍ، يدخُلون الجنةَ - بفضلِ الله ورحمته - من أبوابِها كلِّها؛ فمنهم من يدخلُ من بابٍ واحدٍ، ومنهم من يدخلُ من أبوابٍ، ومنهم من يدخلُ من الأبواب كلِّها، ولئن تنوَّعت منازِلُهم ومقاماتهم، فإنهم مُتَّحِدون في منهَجهم ومقصِدهم، منهم المُجاهِدون، ومنهم العلماءُ والدعاة، ومنهم الولاةُ المُصلِحون، ومنهم الآمِرون بالمعروف والناهُون عن المُنكر، ومنهم العامَّةُ المُستقيمُون على طاعةِ الله ورسولِه، يُؤدُّون حقوقَ الأمة كما أمرَ بها الشرعُ، ومن ثبتَ له اسمُ الإسلام والإيمان ثبتَت له الحقوقُ، ولا تسقُطُ إلا بيقينٍ، ولقد سمَّى الله الطائفتَين المُتقاتلتَين مُؤمنين وإخوانًا، فقال -عزَّ شأنُه-: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُم}(الحجرات: 10).

     من صلَّى صلاتَهم، واستقبَلَ قبلتَهم، وأكلَ ذبيحَتَهم، فهو منهم، له ما لهم، وعليه ما عليهم، وحسابُه على الله، وسريرتُه إلى مولاها، فلا شقَّ عن القلوب، ولا إساءةَ بالظنُون، ولا غِلَّ على مؤمنٍ، ولا تفريقَ بين المُسلمين بالألقاب ولو كانت أشرفَ الألقاب من المُهاجِرين والأنصار، وهذه الألقاب وأمثالُها للتأليف والتعريف، لا للتنافُر والتفريق.

أقوِياءُ في الحقِّ

     أقوِياءُ في الحقِّ وبالحقِّ من غير غلُوٍّ، ورُحماءُ بالخلق وللخلق من غير جَورٍ، لا يبخَسُون الناسَ أشياءَهم، يختارُون أيسرَ الأمرَين، ويدفَعُون أشدَّ الضرَرَين، هم أهلُ العدل والإنصاف في صديقِهم وعدوِّهم، {وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ}(الشورى: 15)، {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}(المائدة: 8).

يدعُون إلى الله بالحكمة

     يدعُون إلى الله بالحكمة، وينصَحُون بالشَّفقَة، ويتَّبِعون مُقتضَى الشرع، ليس بالتشفِّي ولا الانتِقام، يفرَحُون بتوبةِ التائِب، ويقبَلُون عُذرَ المُعتذِر، ويدعُون للمُقصِّر، لا يفرَحون بالزلَّة، يستُرون العيوبَ، ولا يتتبَّعُون العورات، ولا يذكُرون الأخطاءَ إلا على سبيلِ الترجيح والتصحيح، وليس للثَّلب والتجريح، والبدعُ كسائرِ الذنوبِ فيها الصغيرُ والكبيرُ، والصريحُ والمُشتبِه، والسلامةُ غنيمة، والسالِمُ قليل.

المخالفة بالتأويل

     أما المُخالفةُ بالتأويل، والوقوعُ في الخطأ والجهل، فيحصُلُ من أكثر الخلقِ، والمُوفَّقُ من وفَّقه الله، والله يُؤيِّدُ هذا الدينَ بالرجلِ الفاجِر، وبأقوامٍ لا خلاقَ لهم. والجهادُ مع كل برٍّ وفاجِرٍ، جهادٌ بالسيف، وجهادٌ بالقلم، وجهادٌ باللسان، والمقصود: النِّكايةُ بالعدوِّ، لا شِعارَ يُرفع إلا شِعارُ الإسلام، وذِمَّةُ المُسلمين واحدة يسعَى بها أدناهم، وهم يدٌ على من سِواهم.

محاولات التفريق

     إن الشعوبَ الإسلامية برغم ما يبذُلُه الأعداءُ والمُتسلِّطة من مُحاولات التفريقِ والتشريدِ، والنَّهب والسَّلب، وجهود التغريبِ والاستِلاب، فإنها تُؤمنُ إيمانًا يقينيًّا بوحدة أمَّتها، والاجتِماع على دينِها، وتتطلَّعُ إليها، ومُصرَّةٌ عليها مهما شكَّك المُشكِّكُون، وخذَّلَ المُخذِّلُون، وحاولَ المُنافِقون ومرضَى القلوب والمُستغرِبُون.

     وهم يُؤمنون بأن هذه الوحدة المنشُودة لا تتحقَّقُ بالشِّعارات والأُمنيات، ومُجرَّد الدعوات والادِّعاءات، وإنما تكون بإيمانِ الجميع إيمانًا لا يدخلُه شكٌّ بأن وحدة الأمة هي رُكنُ الإسلام وحفظُ بيضَته، وحفظُ أهله، ولا يُمكنُ أن تتحقَّق أهدافُ الأمة وغاياتُها وأمنُها وعلوُّ شأنها، وحفظُ حُرمتها وديارها إلا بهذه الوحدة، ولا جهادَ على الحقيقة، ولا كسرَ لشوكةِ الباطلِ، ولا إعلاءَ لكلمةِ الله إلا بالوحدة واجتِماع كلمة المُسلمين، ولا تستحقُّ نصرَ الله وعونَه وتأييده وتسديدَه إلا بها، وإيثارها وبذل الغالي والنَّفيس لتحقيقها، والحفاظ عليها.

منهج السماحة النبوية

أمة الإسلام: بمنهج السماحَة النبوية، الحزم والعزم، والرِّفق والعفو، تأتلِفُ القلوبُ المُتناحِرة، وتتقارَبُ النفوسُ المُتباعِدة، والله هو المُؤلِّفُ بين القلوبِ.

     فإذا تحقَّق الإخلاصُ، والسمعُ والطاعةُ، ولُزومُ الجماعة، وحُسن النصيحة؛ حينئذٍ لا يقوَى على قلوبِ أهل الإسلام مرضٌ ولا نفاقٌ؛ لأن إخلاصَ العمل لله، وُناصحةَ ولاة الأمور، ولُزوم جماعة المُسلمين هي التي تجمعُ أصولَ الدين، وقواعدَ الائتِلاف، وتجمعُ حقوقَ الله وحقوقَ عبادِه، وتنتظِمُ بها مصالِحُ الدنيا والآخرة.

أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم: {وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}(الأنفال: 62، 63).

الفرقة والتحزب

ما أنتجَ الذلَّ والمهانةَ إلا الفُرقةُ والتحزُّبُ والتعصُّبُ، وهو الذي أطمعَ في الأمة أعداءَها، ومكَّن من رقابِها، وهوَّن أمرَها، وجعلَهم حُجَّةً على الإسلام ومبادِئه.

     والفتنُ تُقطِّعُ الأوصال، وتُورِثُ الإحَن، لا تُقيمُ حقًّا، ولا تُزيلُ باطلاً، والفوضَى هي البابُ إلى الظلم والتظالُم، الفوضَى تُورِثُ الفُرقة، والفُرقةُ تُؤدِّي إلى الهلَكة والفناء، والوحدة ائتِلافٌ واجتماعٌ، وكلُّ ما يُنافِي الائتِلاف، ويُضادُّ الاجتِماع، ويُورِثُ النُّفور فهو الطريقُ إلى الفُرقة والتشتُّت والتشرذُم.

إنكار وجود المذاهب

     لا يُنكَرُ وجودُ المذاهب والطوائِف؛ بل لا يُتصوَّرُ أن ينفَكَّ الناسُ عن الاختِلاف مُسلمين وغير مُسلمين، ولكن الذي يُنكَر هو العصبيَّةُ المُفرِّقة، والهوَى المُهلِك، وقد سألَ أُبَيُّ بن كعبٍ رضي الله عنه رسولَ الله صلى الله عليه وسلم  فقال: أمِنَ العصبيَّة أن يُحبَّ الرجلُ قومَه؟ فقال صلى الله عليه وسلم : «لا، ولكن من العصبيَّة أن ينصُر قومَه على الظُّلم».

     ألا فاتَّقُوا الله - يا أمةَ محمدٍ -، واعلَمُوا أن الأعداءَ يكِيدُون لأهل الإسلام شرَّ الكَيد، ولا نجاةَ - بعَون الله وتوفيقِه - إلا بالوقوفِ صفًّا واحدًا، فهذا هو الجهادُ الأكبرُ، والبُعد عن الخُضوع أو الرُّكون إلى الذين ظلَمُوا، وأعظمُ العُدَّة -بعد تقوَى الله-: اجتِماعُ الكلمة، ووحدةُ الصفِّ، {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ}(الصف: 4).

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك