رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 24 يونيو، 2015 0 تعليق

بمناسبة احتفال بريطانيا بالذكرى الـ800 لتوقيع الـ (ماغنا كارتا) الإسلام أرسى مبادئ الحرية واحترام الإنسان قبل 1400 عام

كفل الإسلام حق الفرد في كفايته من مقومات الحياة وحق المساواة والعدالة وحق الفرد في حماية عرضه وسمعته

أكد الإسلام على حقوق العمال وواجباتهم وضمان الحقوق الاقتصادية وحماية الملكية

قادت ملكة بريطانيا (إليزابيث الثانية) (الاثنين 15/6/2015) احتفالات واسعة في بريطانيا في الذكرى الـ800 لتوقيع الماغنا كارتا (الميثاق الأعظم)، وهي الوثيقة التي يعدها البريطانيون رسخت خطوة مهمة في طريق بريطانيا لديمقراطيتها البرلمانية المعتدلة، وتوجهت الملكة إلى رونيميدي، على بعد 30 كيلومتراً غرب لندن؛ حيث صدق الملك (جون) على الوثيقة في 15 يونيو 1215، ما ضمن وقتها علاقة جديدة بين الملك والشعب. وبهذه المناسبة، قال رئيس الوزراء البريطاني (ديفيد كاميرون): إن «الماغنا كارتا غيرت العالم وميزان القوى بين الحكومة والمحكوم»، مشيراً إلى أن هذه الوثيقة ألهمت أجيالا في بلدان مختلفة حول العالم. من جهته، قال رئيس الوزراء الأسترالي (توني آبوت) في (كانبر)ا: إن «وثيقة الماغنا كارتا مازالت تمثل حجر أساس مهماً لديمقراطيتنا». وقال رئيس مجلس العموم البريطاني (جون بيركو): «إن ماجنا كارتا تجسد مبادئ عززت تأسيس الديمقراطية البرلمانية، فضلا عن النظام القانوني في المملكة المتحدة وحول العالم».

     وتمنح الفقرة الأكثر شهرة في الميثاق حق الحصول على العدالة والمحاكمة العادلة لجميع (الأحرار)، على الرغم من أنه في عام 1215 كان معظم البريطانيين من القرويين الذين يخضعون لملاك الأراضي؛ لذلك لم يكونوا يعدون من الأحرار وفقاً للقانون. ويرجع للميثاق الأعظم الفضل في إلهام المصلحين الديمقراطيين في بريطانيا وغيرها من الدول، ومن بينهم (توماس جيفرسون) في الولايات المتحدة الأميركية، و(مهاتما غاندي) في الهند.

سلطة الحاكم

     (الماجنا كارتا) أو الميثاق الأعظم هي وثيقة إنجليزية صدرت لأول مرة عام 1215م. ثم صدرت مرة أخرى في القرن الثالث عشر ولكن بنسخة ذات أحكام أقل؛ حيث ألغيت بعض الأحكام المؤقتة الموجودة في النسخة الأولى، ولاسيما تلك الأحكام التي توجه تهديدات صريحة إلى سلطة الحاكم، وقد اعتمدت هذه الوثيقة قانونًا عام 1225م، وما تزال النسخة التي صدرت عام 1297م ضمن كتب لوائح الأنظمة الداخلية لإنجلترا وويلز حتى الآن. وقد وصفت تلك النسخة بأنها الميثاق العظيم للحريات في إنجلترا والحريات في الغابة، يحتوي ميثاق عام 1215م على أمور عدة منها: مطالبة الملك بأن يمنح حريات معينة، وأن يقبل بأن حريته لن تكون مطلقة، وأن يوافق علناً على عدم معاقبة أي رجل حر إلا بموجب قانون الدولة، وهذا الحق ما زال قائماً حتى اليوم في هذه الدول.

الحد من النفوذ

     كانت (الماجنا كارتا) أول وثيقة تُفرض على ملك إنجليزي من مجموعة من رعاياه (وهم البارونات)، في محاولةً للحد من نفوذه وحماية امتيازاتهم قانونياً، ولم تكن الماجنا كارتا أول ميثاق للحد من سلطة الملك، فقد سبق هذا الميثاق ميثاق آخر للحريات عام 1100م وتأثر به تأثراً مباشرًا، وكان ذلك في عهد الملك هنري الأول، وبالرغم من أن للميثاق أهميةً لا يختلف عليها اثنان، إلا أن بحلول النصف الثاني من القرن التاسع عشر ألغيت معظم البنود التي كانت في قالبها الأصلي، وبقيت ثلاثة بنود بوصفها جزءاً من قانون إنجلترا وويلز، وتعد عادةً بوصفها جزءاً من الدستور غير المدون. وفي مرسوم حديث و مثير للجدل نوعاً ما لقوانين اللوردات، استشهد بالماجنا كارتا بوصفها مثالا على لوائح أنظمة داخلية دستورية لم يمكن إلغاؤها إلا بلوائح أنظمة داخلية جديدة تنوي استبدال القديمة بقوانين أكثر وضوحًا فضلاً على أن تلغيها.

القانون الدستوري

     كان الميثاق جزاء مهماً من عملية تاريخية ممتدة أدت إلى حكم القانون الدستوري في الدول الناطقة بالإنجليزية؛ بالرغم من أن (الماجنا كارتا) أبعد من أن تكون فريدة في شكلها أو محتواها إلا أنها لم تنجح في الحد من نفوذ الملك بشكل كبير عند تطبيقها في حقبة العصور الوسطى، إلا أنها كانت مهمة وذات تأثير تاريخي قوي ولاسيما في زمن الحرب الأهلية الإنجليزية؛ حيث كانت رمزاً مهماً عند من كانوا يريدون أن يبرهنوا بأن الملك يقع تحت وطأة القانون. تأثر المستوطنون الأوائل في إنجلترا الجديدة بالماجنا كارتا، وألهمت وثائق دستورية أتت بعدها من ضمنها دستور الولايات المتحدة.

(الماجنا كارتا) والديمقراطية

     ينص البند الأول على أن تكون الكنيسة في إنجلترا حرة أي حرة من التدخلات الملكية بشؤونها، في حين يحصر البند الثاني حقوق الملك بالتدقيق بالغرامات والواجبات المالية للنبلاء عندما تسلم أراضيهم بعد وفاتهم إلى ورثتهم. أصبحت البنود هذه أو أخرى شبيهة بها ما نسميه حقوق الإنسان وما زالت أصداؤها تتردد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ولكنها تأتي في نهاية الماجنا كارتا؛ إذ ترد في بداية المستند البنود التي تعني كاتبي المستند أي الأساقفة والنبلاء.

التمرد وإنشاء الوثيقة

     احتوت وثيقة عام 1215 م على قسم كبير يسمى الآن بالبند رقم 61 (الوثيقة الأصلية لم تكن مقسمة إلى بنود). بناءً على هذا القسم تأسست لجنة من 25 باروناً لهم أن يجتمعوا في أي وقت، وأن يلغوا سلطة الملك إن خالف أحكام الميثاق، وأن يجردوه من قلاعه وممتلكاته لو اضطُر الأمر إلى ذلك، بناءً على إجراء قانوني عرف بالمصادرة في العصور الوسطى، ولكنه وللمرة الأولى يطبق على حاكم، فضلا عن هذا فعلى الملك أن يقسم بالولاء لتلك اللجنة.

     تسعة وعشرون، لن يحتجز أي رجل حر أو يسجن أو تنتزع أملاكه أو حرياته أو حقه في ممارسة عاداته بحرية أو يلاحق قانونياً أو يتعرض لأي شكل من أشكال الضرر، ولن نصدر حكماً في حقه أو يدان إلا بحكم شرعي يأتي به أقرانه أو قانون البلاد، لن نخدع أي رجل، ولن نحرمه العدالة أو حقوقه، ولن نؤجلها.

مكافحة الفساد والتجارة النزيهة

     ينص البندان رقمي ٢٨ و٣٢ على منع أي ضابط ملكي من أخذ أي سلعة مثل الحبوب والخشب، أو أن يستعمل وسيلة مواصلات دون أن يدفع لها مقابلاً، أو أن يحصل على الموافقة، وألّا يجبر فارساً على الدفع مقابل عمل يستطيع الفارس أن يقوم به بنفسه، وينص كذلك على أنه يجب على الملك إعادة الأراضي المصادرة من الجناة في مدة أقصاها سنة. يضع البند رقم ٣٥ لائحة تحتوي على الإجراءات المعيارية، ويضمن كل من البندين رقم ٤١ و٤٢ سلامة التجار الأجانب وضمان حقهم في دخول البلاد والخروج منها.

     ينص البند رقم ٤٥ على أنه يجب على الملك أن يعيّن من الضباط الملكيين فقط من كان مناسباً للمنصب، وفسّرت المحكمة العليا بكاليفورنيا في الولايات المتحدة هذا البند عام ١٩٧٤م بأنه يضع متطلباً في القانون العام يفيد بأن المدعى عليه الذي يواجه عقوبة حبس محتملة مخولٌ للحصول على محاكمة يشرف عليها قاضٍ متمرس قانونياً.

التصور في أمريكا

تحتل (الماجنا كارتا) موضع فخر في أمريكا؛ حيث إنها كانت سابقة للدستور الأمريكي ووثيقة الحقوق.

حقوق الإنسان في الإسلام

إن حقوق الإنسان في الإسلام ليست منحة من ملك أو حاكم، أو قراراً صادرا عن سلطة أو منظمة دولية، وإنما هي حقوق ملزمة بحكم مصدرها الحكم الإلهي، لا تقبل الحذف ولا النسخ ولا التعطيل، ولا يسمح بالاعتداء عليها، ولا يجوز التنازل عنها.

حق الحياة والحرية

     حياة الإنسان مقدسة... لا يجوز لأحد أن يعتدي عليها: {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} (المائدة: 32). وحرية الإنسان مقدسة - كحياته سواء - وهي الصفة الطبيعية الأولى التي بها يولد الإنسان: «ما من مولود إلا ويولد على الفطرة» (رواه الشيخان). وهي مستصحبة ومستمرة ليس لأحد أن يعتدي عليها: «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا» من كلمة لعمر ابن الخطاب -رضي الله عنه-، ويجب توفير الضمانات الكافية لحماية حرية الأفراد، ولا يجوز تقييدها أو الحد منها إلا بسلطان الشريعة، وبالإجراءات التي تقرها.

حق المساواة والعدالة

     والناس جميعا سواسية أمام الشريعة: «لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى». ولا تمايز بين الأفراد في تطبيقها عليهم: «لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها»، ولا في حمايتها إياهم: «ألا إن أضعفكم عندي القوي حتى آخذ الحق له، وأقواكم عندي الضعيف حتى آخذ الحق منه».و الناس كلهم في القيمة الإنسانية سواء: «كلكم لآدم وآدم من تراب»، وإنما يتفاضلون بحسب عملهم: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا}(الأحقاف: 19)، ولا يجوز تعريض شخص لخطر أو ضرر بأكثر مما يتعرض له غيره: «المسلمون تتكافأ دماؤهم». ومن حق كل فرد أن يتحاكم إلى الشريعة، وأن يحاكم إليها دون سواها: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} (النساء: 59)، {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ}(المائدة: 49).

حق الفرد في حماية عرضه وسمعته

     عرض الفرد، وسمعته حرمة لا يجوز انتهاكها: {إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا}. ويحرم تتبع عوراته، ومحاولة النيل من شخصيته، وكيانه الأدبي: {وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} (الحجرات: 12)، {وَلاَ تَلْمِزُوْا أَنْفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوْا بِالأَلْقَابِ} (الحجرات: 11).

     لا يجوز تعذيب المجرم فضلا عن المتهم: «إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا» (رواه الخمسة)، ولا يحكم بتجريم شخص، ولا يعاقب على جرم إلا بعد ثبوت ارتكابه له بأدلة لا تقبل المراجعة، أمام محكمة ذات طبيعة قضائية كاملة: {إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا}(الحجرات: 6). «وإن الظن لا يغني من الحق شيئا» (النجم: 28).

الحقوق الاقتصادية وحماية الملكية

     لفقراء الأمة حق مقرر في مال الأغنياء، نظمته الزكاة، {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} (المعارج: 24 و25). وهو حق لا يجوز تعطيله، ولا منعه، ولا الترخص فيه، من قبل الحاكم. وترشيدا للنشاط الاقتصادي، وضمانا لسلامته، حرم الإسلام الغش بكل أنواعه: «ليس منا من غش»، والغرر والجهالة، وكل ما يفضي إلى منازعات. ونهى عن الاستغلال والتغابن في عمليات التبادل: {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ ﴿١﴾ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ ﴿٢﴾ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ}(المطففين: 1-3). والاحتكار، وكل ما يؤدي إلى منافسة غير متكافئة «لا يحتكر إلا خاطئ». والربا، وكل كسب طفيلي، يستغل ضوائق الناس: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}(البقرة: 275)، ولا يجوز انتزاع ملكية نشأت عن كسب حلال، إلا للمصلحة العامة: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} (البقرة: 188)، ومع تعويض عادل لصاحبها.

حقوق العمال وواجباتهم

     ضمن الإسلام حق العامل؛ بحيث يوفى أجره المكافئ لجهده دون حيف عليه أو مماطلة له: «أعطوا الأجير حقه قبل أن يجف عرقه»، وأوجد له الحماية التي تحول دون غبنه واستغلال ظروفه قال الله تعالى: «ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه حقه».

حق الفرد في كفايته من مقومات الحياة

     من حق الفرد أن ينال كفايته من ضروريات الحياة.. من طعام، وشراب، وملبس، ومسكن.. ومما يلزم لصحة بدنه من رعاية، وما يلزم لصحة روحه، وعقله، من علم، ومعرفة، وثقافة، في نطاق ما تسمح به موارد الأمة - ويمتد واجب الأمة في هذا ليشمل ما لا يستطيع الفرد أن يستقل بتوفيره لنفسه من ذلك: {النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} (الأحزاب: 6). كذلك حق بناء الأسرة، وضمان حقوق الزوجة وحق التربية الصالحة للأبناء. وحق الفرد في حماية خصوصياته، «لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم، تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله».

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك