رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: القاهرة – أحمد الفولي 4 فبراير، 2020 0 تعليق

بمشاركة 45 دولة – الأزهر يختتم فعاليات مؤتمر: (تجديـد الخطـاب الديني)


اختتم الأزهر، برئاسة د. أحمد الطيب -شيخ الجامع الأزهر- فعاليات مؤتمره العالمي، الذي أقيم على مدار يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين، بمركز الأزهر للمؤتمرات في مدينة نصر بالقاهرة، تحت رعاية السيد رئيس الجمهورية. شارك في المؤتمر وفود مختلفة من 45 دولة حول العالم؛ حيث كان المؤتمر بعنوان: (مؤتمر الأزهر العالمي.. لتجديد الفكر الإسلامي)، كما نُظمت العديد من ورش العمل بحضور عدد من العلماء من مختلف دول العالم العربي والإسلامي.

كتائب التغريب والحداثة

     افتتح شيخ الأزهر د. أحمد الطيب كلمته بالتأكيد على ضرورة تجديد الخطاب الديني، وأن هذا التجديد لا يكون في ثوابت الأمة وعقائدها، وإنما يكون في تناول المتغيرات المختلفة، وأن أحكام العقائد والعبادات والأخلاق، قطعية الثبوت والدِّلالة، وقابلة للتطبيق في كل زمان ومكان، وليس فيها تغيير أو تحديث.

     وأضاف الطيب أن هناك أسبابًا أدَّت إلى غلق باب الاجتهاد وتوقف حركة التجديد، في عصرنا الحديث، تُظهر عدم الجدِّيَّة في تحمُّل هذه المسؤولية تجاه شبابنا وتجاه أمتنا؛ فقد صمت الجميع عن ظاهرة تفشِّي التعصُّب الدِّيني، سواء على مستوى التعليم، أم على مستوى الدعوة والإرشاد، فضلا عن ظهور كتائب التغريب والحداثة، التي تفرَّغت لتشويه صورة رموز المسلمين، وتلويث سمعتهم والسخرية من تراثهم، وأصبح على كثير من الشباب المسلم أن يختار في حلبة هذا الصراع، إمَّا الانغــلاق والتعصُّب والكراهية ورفض الآخر، وإمَّا الفراغ والتِّيه والانتحار الحضاري.

ليس ببدع من القول

     من جهته أكد وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد الشيخ د. عبداللطيف بن عبدالعزيز آل الشيخ، أن تجديد الخطاب الديني ليس ببدع من القول؛ فلم يزل علماء المسلمين يولون مسألة الاجتهاد عنايتهم؛ لأن بالاجتهاد ينظر العالم في الأدلة وينزِّلها على الواقع بحسب الدلالات والمتغيرات، ولاسيما أن الإسلام صالح لكل زمان ومكان ولكل حال، وصلاحيته لهذه الأمور ليست من جموده بل إنما هو من التجديد الذي يفهمه العلماء.

إعمال للشرع

     وشدد آل الشيخ في كلمته على أن «تجديد الخطاب الديني هو إعمال للشرع وتدبر للخطاب، وبيان لكون القرآن خوطب به آخر الأمة كما خوطب به أولها، وفَهْمُ الخطاب في العصور المتأخرة على سنن فهم السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار الذين اتبعوهم بإحسان، وتجديد الخطاب الديني المراد به تجديد فهم الخطاب الديني؛ لأن الخطاب الديني لا يتغير؛ لأنه كلام رب العالمين».

الحفاظ على الإسلام

وفي الصدد  نفسه، يقول الدكتور نصر فريد واصل -مفتي مصر الأسبق، وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر: التجديد معناه الحفاظ على الإسلام عقيدة وشريعة.

وأضاف واصل في تصريح خاص لـ(الفرقان): إن هناك ثوابت لا يمكن تغييرها بأي حال من الأحوال، والتجديد المقصود في المؤتمر هو التجديد في الحوادث التي تستجد في أي عصر من العصور، ولاسيما عصرنا الحالي.

خلط في المفاهيم

     وتابع، هناك خلط في كثير من المفاهيم عند الشباب، مثل: (الجهاد، والمواطنة، والتكفير)، هذه أمور أراد الأزهر أن يبينها للناس، وعلى سبيل المثال مفهوم (المواطنة)، والمواطنة الآن تعني المواطنة التي معها يتحقق الأمن والسلام في الدولة الحديثة التي لا تفرق بين إنسان وآخر؛ لأن الجميع في هذه المواطنة سواء.

من يهدمون التراث

     وحول هجوم بعضهم على التراث الإسلامي بدعوى التجديد، قال واصل: الأفكار التي تهاجم تراث المسلمين هي أفكار مغلوطة، ولابد وأن يدرك شبابنا أن هناك فرقا بين الثوابت الدينية التي لا يمكن تحريفها، أو الانتقاص منها، أو الزيادة فيها في أي عصر وأي زمان، وهي في مجال العقيدة والشريعة، وبين المستجدات التي يمكننا أن نجدد الطرح فيها.

جريمة في حق الدين

     وحذر واصل من محاولة فصل الإسلام عن الحياة، مضيفًا: بعضهم يريد أن يفصل الإسلام عن المعاملات وعن المستجدات في الحياة، وأن يكون الإسلام قاصرًا على الصلاة والعبادة فقط، وهذا انحراف وتحريف لدين الله -سبحانه وتعالى-، بل هي جريمة في حق هذا الدين.

مفاهيم تحتاج إلى تصحيح

     من جانبه قال الشيخ محمد حسين -مفتي الديار الفلسطينية وخطيب المسجد الأٌقصى-: إن من المفاهيم التي تحتاج إلى تصحيح في الطرح، مفهوم المواطنة، وأن الدعوة لاحترام الوطن، وكذا احترام المواطنة هي في الحقيقة دعوة لمصلحة الوطن، ولتحقيق الاتحاد.

     وأضاف حسين لـ(الفرقان): إن المواطنة تعني تبادل العلاقة بين الإنسان وبين الوطن الذي يقيم فيه؛ فهي بمثابة امتزاج بين الإنسان وبين الدولة؛ وذلك في جميع الحقوق وكذلك الواجبات، وأن الشرع يدل على ذلك في العديد من النصوص.

أرست مبادئ  العدل

وتابع: شريعة الإسلام أرست مبادئ العدل والمواطنة التي نقصدها منذ أكثر من 1400 عام؛ وذلك قبل المواثيق الدولية؛ حيث حدد الإسلام طبيعة العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين، والإسلام هو دين الحق، ودين العدل والإنصاف.

خطاب غير واقعي

     من جهته قال الدكتور يحيى كساب -أستاذ الحديث بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر: إننا إن رفضنا الرجوع لكتب التراث، وفي الوقت نفسه طرحنا التجديد المطلوب في خطابنا؛ فسيكون الخطاب مختلًا غير واقعي؛ لأن التجديد لن يحدث بانضباط، إلا بالتزامن مع قواعد كتب التراث.

التعايش الحقيقي

وأشار كساب إلى أن التعايش الحقيقي الذي نرجوه هو الذي فعله رسول الله  صلى الله عليه وسلم في دولة المدينة المنورة، وهذا ما قد أكدنا عليه ونؤكد عليه دائما، أن دين الإسلام دين تعايش مع الآخر، وليس دين عنف أو صدام.

تعاون عربي إسلامي

     واختتم كساب تصريحه راجياً أن يكون هذا المؤتمر بداية لتعاون عربي وإسلامي، لتجديد الخطاب الديني، وتجديد الفكر الإسلامي، بما يناسب المخاطر التي تحاك للأمة، وأن يكون المؤتمر سببا في رفع الوعي تجاه هذه القضية الخطيرة التي يستهين بها بعضهم.

  

التوصيات الختامية

 ألقي شيخ الأزهر د. أحمد الطيب البيان الختامي الذي اشتمل على توصيات عدة، منها أن التجديد لازمٌ من لوازم الشريعة الإسلاميّة، لا ينفكُّ عنها، لمواكبة مستجدات العصور وتحقيق مصالح الناس.

     وأن النصوص القطعية في ثبوتها ودلالتها لا تجديدَ فيها بحالٍ من الأحوال، أمَّا النصوص الظنيَّةُ الدِّلالة فهي محل الاجتهاد، تتغير الفتوى فيها بتغير الزمان والمكان وأعراف الناس، شريطةَ أن يجيءَ التجديدُ فيها على ضوء مقاصد الشريعة وقواعدها العامة، ومصالح الناس.

صناعة دقيقة

وأن التجديد صناعة دقيقة، لا يحسنها إلَّا الراسخون في العلم، وعلى غير المؤهَّلينَ تجنُّب الخوض فيه حتى لا يتحوَّل التجديدُ إلى تبديد.

فتنة التكفير

     وحول فتنة تكفير المجتمعات، قال الطيب في بيانه الخامي: التكفيرُ فتنةٌ ابتليت بها المجتمعات قديمًا وحديثًا، ولا يقول به إلا متجرئ على شرع الله -تعالى-، أو جاهل بتعاليمه، ولقد بينت نصوص الشرع أن رمي الآخر بالكفر قد يرتدُّ على قائله فيبوء بإثمه، والتكفير حكم على الضمائر يختص به الله -سبحانه وتعالى- دون غيره؛ فإذا قال الشخصُ عبارةً تحتمل الكفر من تسع وتسعين وجها، وتحتمل عدم التكفير من وجه واحد، فلا يرمى بالكفر لشبهة الاحتمال، اعتدادا بقاعدة (ما ثبت بيقين لا يزول إلا بيقين).

خطورة الإلحاد

     وشدد الطيب على خطورة الإلحاد، مضيفًا: الإلحاد خطر يعمل على ضرب الاستقرار في المجتمعات التي تقدس الأديان، وتحترم تعاليمها، وهو أحدُ أسلحة الغزو الفكري، التي يُراد من خلالها -بدعوى (الحرية الدينية)- هدمُ الأديان، وإضعافُ النسيجِ المجتمعي، وهو سبب مباشر من أسباب التطرُّف والإرهاب، وعلى المجتمعات أن تتيقظ للآثار السلبية التي تترتب على دعوات الإلحاد، وإنكار وجود الله، وبلبلةِ أفكار المؤمنين به، كما يجب على العلماء التسلح بمنهج تجديدي في التعامل مع مخاطره، تستصحب الأدلةَ العقلية، والبراهينَ الكونية، ونتائج العلوم التجريبية الحديثة، بكونها تؤيد الحقائق الإيمانية؛ وذلك من خلال الالتقاء بالشباب والحوار معهم، والإفادة من وسائل التواصُل الحديثة في هذا المقام.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك