بعد 95 عامًا قضاها في ربوع الكتاب والسنّة – الشيخ محمد العليط في ذمة الله
بعد أن عاش حياة مليئة بالعطاء والتفاني في خدمة الدين، توفي الشيخ محمد العليط عن عمر ناهز 95 عامًا يوم الثلاثاء الماضي 14 من صفر 1446 الموافق 17 من سبتمبر 2024، مخلفًا إرثًا كبيرًا من العلم والمعرفة التي سعى لنقلها لجيل بعد جيل، فلم يكن الشيخ -رحمه الله- مجرد عالم دين عادي، بل كان شخصية استثنائية جسدت في حياته حب العلم وخدمة القرآن الكريم؛ حيث كان رمزا للاستقامة والعلم، وقد صلى عليه آلاف الناس في جامع (محمد بن عبد الوهاب) بمدينة بريدة، في حضور كبير يعكس مقدار المحبة والاحترام التي كان يحظى بها.
والشيخ (العليط) هو أحد العلماء الزهاد في مدينة بريدة، وُلد في عام 1351هـ، ونشأ في أسرة متواضعة بعد وفاة والده في صغره، واعتنت به والدته، وتولى طلب العلم، ثم تدرج وتخرج في المعهد العلمي ببريدة عام 1372هـ؛ حيث تتلمذ على يد كبار العلماء في المنطقة.طلبه للعلم ومشايخه
بدأ الشيخ تعليمه في وقت مبكر، واستمر في تعليم طلاب العلم لعقود، وكان نقيا بعيدا عن الفرق والتوجهات الأخرى، أو المصادمات والمناظرات، ومن أبرز أساتذته: الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي السعودية الأسبق، والشيخ عبدالله بن محمد بن حميد القاضي الأسبق لمنطقة القصيم، والشيخ محمد بن صالح المطوع أحد علماء بريدة المعروفين، والشيخ صالح بن عبدالرحمن السكيتي، والشيخ محمد بن صالح المطوع، هؤلاء العلماء كانوا مناراته الأولى في رحلته، ولم يتوقف الشيخ عند التعليم التقليدي، بل سعى إلى تطوير نفسه والالتحاق بمؤسسات علمية مرموقة، فتخرج في المعهد العلمي في بريدة، ثم توجه إلى الرياض؛ حيث التحق بكلية الشريعة، ليصبح من بين أبرز علماء الدين في عصره، كما كانت له مكانة مرموقة في تفسير القرآن الكريم وتعليم الفقه.رحلته في التعليم والتدريس
جلس الشيخ للتعليم مبكرًا، فبدأ بتدريس صغار الطلبة في مسجد ناصر جنوب جامع بريدة الكبير، ثم خلف شيخه العلامة عبدالله بن حميد في التدريس في الجامع الكبير بعد انتقال الشيخ إلى مكة لرئاسة شؤون الحرمين، ثم انتقل بعد عمارة الجامع الجديدة إلى مسجد الشيخ صالح المطوع شرق سوق الخضار، واستمر فيه قرابة 47 سنة. وعُرف عن الشيخ محمد العليط أنه كان يجلس في مسجد (المطوع) شرق سوق الخضار في بريدة؛ حيث يعقد ثلاث جلسات تعليمية يوميا، تبدأ من بعد صلاة الفجر وحتى بعد صلاة العشاء، وكان طلاب العلم يجلسون حوله ليقرؤوا عليه القرآن، وكتب الحديث وكتب أئمة السلف، وكان معروفًا بتواضعه وزهده؛ حيث كان يشرح بهدوء وبكلمات معدودة، ولكنها مليئة بالحكمة والنفع. وقرأ بين يديه الطلبة كتبًا متنوعة، لاسيما كتب السلف في التوحيد والعقائد، وكتب التفسير والفقه واللغة العربية، وكتب الحديث كالصحيحين والسنن والمسانيد، والمتون العلمية وشروحها، وكتب الزهد والوعظ.مؤلفاته وكتبه
واهتم الشيخ بالتأليف، وراعى في موضوعات مؤلفاته ما يحتاجه عامة الناس، فكتب في الوعظ والآداب وبعض الأحكام الفقهية وعلوم القرآن والسنن من مؤلفاته التيسير في علم أصول التفسير ومن أبرز مؤلفاته: التيسير في علم أصول التفسير، وتوضيح المنهج إلى أحكام الحج، والنصائح المفيدة في تحريم الغيبة والنميمة، ونصيحة المسلمين فيما جاء في الغش من العقوبة والتحريم، ومقتطفات من كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية، والفوائد البهية من كلام شيخ الإسلام أحمد بن تيمية، والتحذير من المسكر والنرد والورق، والتبر المسبوك من فرائد الفوائد في علم السلوك، ورسالة إلى المفتونين بالربا، واستفاد من علمه عدد كبير من طلاب العلم الذين أصبحوا بدورهم علماء ومحدثين في المملكة وخارجها، وقد ظل الشيخ على هذا المنوال حتى وفاته؛ حيث أثرى المجتمع بعلمه وعبادته، وكان مثالًا حيًا للعالم الزاهد.الصفات الشخصية للشيخ
تميز الشيخ -رحمه الله- بأخلاقه العالية وتواضعه الكبير، وكان لطيف المعشر، نقي القلب، ودائم الابتسام، علاقته بالناس كانت مبنية على المحبة والاحترام، وقد شهد له الجميع بحسن الخلق والصبر، كان يعد القرآن الكريم ليس فقط كتاب علم، بل أسلوب حياة، وقد طبق هذه الفكرة في تعامله اليومي مع الناس ولم يكن يسعى وراء الدنيا أو المناصب، بل كان همه الأول والأخير هو نشر العلم وتعليم القرآن، وكان يلقب بأنه (الشيخ الذي هرب إلى الله)؛ حيث ابتعد عن مغريات.
لاتوجد تعليقات