رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان.القاهرة/مصطفى الشرقاوي 22 أبريل، 2013 0 تعليق

بعد وصول جوتوديا للسلطة-هل ينهي مسلمو وسط أفريقيا ستة عقود من الإقصاء والتهميش؟

 

نجاح متمردي سيليكا في إسقاط بوزيزي يعزز التفاؤل باستعادة الأقلية المسلمة أرضيتها

أنصار النظام السابق يحاولون إشعال الفتنة الطائفية والتعامل الهادئ للرئيس الجديد يثير ارتياح القوى الإقليمية والدولية

مسيرة الدعوة الإسلامية حققت نجاحات ملحوظة، والدعم العربي والإسلامي يضع مسلمي البلاد على الطريق الصحيح

رموز الأقلية المسلمة يطالبون الرئيس بتبني خطاب توافقي والبعد عن المواجهة

المستعمر الفرنسي كرس سيطرة الأغلبية المسيحية على مفاصل الدولة وكرس الفقر والأمية في أوساط المسلمين

منذ استقلال وسط أفريقيا عن الاستعمار الفرنسي في ستينيات القرن الماضي، والأقلية المسلمة في البلاد -التي وصلت نسبتها إلى عدد سكان البلاد 25%، تعاني من التهميش والإقصاء والتمييز السياسي ويتم وضع «فيتو» على ارتقائها في الحياة السياسية والاقتصادية بفعل سيطرة الأغلبية الكاثوليكية على مجريات الأوضاع في البلاد، مدعومة من الاستعمار الفرنسي، الذي مكن هذه الأغلبية من فصائل الدولة وأمن لها السيطرة على المؤسسات السياسية والعسكرية والتعليمية، ليحول مسلمي البلاد إلى مواطنين من الدرجة الثالثة، يعانون الفقر والاضطهاد والتهميش.

واستمرت هذه الأوضاع لأكثر من 5 عقود كاملة حتى بداية مارس الماضي حين استطاعت قوات جبهة سيليكا التي يقودها الرئيس الحالي ميشال جوتوديا  إسقاط نظام الرئيس فرانسوا بوزيزي عبر انقلاب مسلح، شهد اقتحام عناصر سيليكا للعاصمة بانجي والسيطرة على قصر الرئاسة بشكل دفع الرئيس المخلوع للفرار وترك السلطة، رغم الدعم الذي كان يحظى به من جانب القوى الغربية وفي مقدمتها باريس وواشنطن.

تاريخ فاصل»

     ويراهن الكثير من مواطني وسط أفريقيا (المسلمون) على اعتبار تاريخ وصول ميشال جوتوديا فاصلاً فيما يتعلق بمعاناة الأقلية المسلمة التي عانت من كافة أشكال الإقصاء والتهميش، رغم النجاحات التي حققتها مسيرة الدعوة خلال الأعوام الماضية ورغم شح الإمكانيات.

     ورغم حالة الهدوء التي تعامل بها جوتوديا مع وصوله للسلطة وحرصه على النأي بنفسه عن المعايير الطائفية والقبلية، بل وتأكيده على أنه لم يصل السلطة لخدمة المسلمين أو المسيحيين؛ وإنما لنهضة وسط أفريقيا التي تعد رغم امتلاكها ثروات معدنية ونفطية إلا أنها تعد من أفقر دول العالم، وبعد وصوله للحكم واجه حملة من جانب الأغلبية الكاثوليكية حيث شككت في خلفيته الطائفية.

     بل وحذرت من اشتعال حرب دينية في البلاد  وجاءت أكثر التحذيرات على لسان رئيس الأساقفة الكاثوليكية في بانجي المونسنيور ديودونيه نزابالاينجا معبرا عن قلقه من وصول جوتوديا للسلطة قائلاً: «إننا في مواجهة قنبلة! يمكن لأي مشعوذ شرير أن يفجر المنزل. لا أريد التقليل من المشكلة». وهو ما رد عليه الرئيس الجديد بشكل غير مباشر بالقول إن هناك بعض الشخصيات من أصحاب النيات السيئة يريدون جر البلاد إلى نزاع ديني.

رسالة طمأنة:

     ولم يكتف الرئيس الجديد بذلك بل حاول توصيل رسالة طمأنة إلى جميع مواطني وسط أفريقيا باهتمامه بالملف الاقتصادي، وسعيه لتحسين أوضاع الأغلبية الفقيرة، حيث تحدث عن مراجعة عقود التعديين والنفط الموقعة في عهد الحكومة السابقة حيث كلف وزراء حكومته بالبحث فيما إذا كانت هذه العقود قد صارت في مسارها الطبيعي في ظل ما يتردد عن عمولات كبيرة تقاضاها الرئيس المخلوع ورموز حكمه.

     ورغم أجواء التفاؤل التي سادت أوضاع المسلمين بعد وصول مسلم لسدة السلطة، إلا أن هذا الانطباع الأوليَّ لا يُخفى الأوضاع شديدة السوء التي يعاني منها مسلمو وسط أفريقيا، فالأغلبية من هذه الأقلية يعيش أوضاعاً مزرية شأنها شأن أغلب مواطني البلاد، حيث ينتشر الفقر والحرمان والجهل والأمية في أوساطهم، رغم أن آلافاً من المسلمين عملوا على استغلال سيطرة رجال أعمال لبنانيين على قطاع المعادن النفيسة من ذهب وألماس عبر العمل كوكلاء لهم، وفتح جوانب لتوزيع هذه المنتجات، إلا أن جهود المسلمين لتحسين أوضاعهم الاقتصادية واجهت مقاومة من تيار معادٍ لهم داخل أوساط الحكم السابقة، حيث كانوا يضعون قيودًا على تحركاتهم المالية للمسلمين، وإلزامهم بتسجيل أنشطتهم ضمن إطار الشركات التي تقع تحت سيطرة الحكومة الكاملة، بل إن بعض هذه التيارات كانت تنظر إليهم باعتبارهم خطرًا شديدًا على الأغلبية النصرانية، بوصفهم قنابل موقوتة توشك أن تنفجر في وجه الأغلبية.

     ولا شك أن محاولات تحجيم الدور الاقتصادي للمسلمين الذين يشكلون 30% من عدد سكان البلاد البالغ 5 ملايين نسمة تنطبق بشكل كربوني على المجال السياسي، فقبل وصول الرئيس الحالي للسلطة كان الدور السياسي للمسلمين محدودًا للغاية لأسباب عديدة تتعلق أغلبها بالحقبة الاستعمارية، حيث نجح الفرنسيون في تهميش دورهم لصالح الأغلبية النصرانية، فعملوا على تكريس الأمية والجهل في أوساطهم عبر ربط المؤسسات التعليمية بالإرساليات التبشيرية، مما حدا بالمسلمين بإبعاد أبنائهم عن هذه المدارس، فهم قد يتحملون الأمية ولكنهم لا يقبلون بارتدادهم عن الإسلام.

عراقيل دعوية:

     ولا تتوقف مشاكل مسلمي وسط أفريقيا عند هذا الحد، فهناك مشكلات لا حصر لها فيما يتعلق بالجانب الدعوي، فهناك نقص حاد في أعداد الدعاة، وتفتقر أغلب المساجد للأئمة والخطباء مما يشكل على مستوى الوعي الديني لدى المسلمين، وهو أمر زاده سوءًا نقص الإمكانيات المالية التي تعاني منها مؤسسات الدعوة ومنها المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، بحيث أعجزه عن تسيير قوافل دعوية للمناطق النائية في البلاد التي تضم  تجمعات إسلامية ووثنية.

     إلا أنه -ورغم الصعوبات التي تواجه مسيرة الدعوة الإسلامية- فهناك عدد من النجاحات التي تحققت خلال الفترة الماضية، عكست قوة الإسلام الذاتية، فاعتناق ما يقرب من 125 شخص شهريًا الإسلام دون أي إمكانيات يكشف المستقبل الزاهر للإسلام في هذه البلاد، ناهيك عن اعتناق عدد من أعضاء منتخب وسط أفريقيا للمصارعة الإسلام بعد إقامتهم معسكرًا طويلاً في باكستان، وتأكيدهم أن نطقهم بالشهادتين جاء إنطلاقًا من سماحة الإسلام التي عكستها سماحة مضيفهم الباكستاني.

     بل إن هذه النجاحات جاءت ثمرة لجهود يبذلها عدد قليل من الجمعيات الخيرية الإسلامية، وفي مقدمتها (العون المباشر الكويتية) و(الندوة العالمية للشباب الإسلامي) و(مؤسسة راشد الإماراتية) و(جمعية الدعوة الإسلامية العالمية) حيث نجحت هذه الجمعيات -رغم وجودها المحدود- في تنمية الوعي الديني لقطاع كبير من المسلمين، والتصدي لحملات الجمعيات الماسونية والبهائية التي تحاول استغلال الوضع الاقتصادي الدقيق الذي يعاني منه المسلمون، لتنفيذ مخطط العبث بهويتهم الدينية.

مركز نقل:

     فيكفي في هذا المقام أن نذكر أن المنظمات التنصيرية تعد وسط أفريقيا من أهم مراكز النقل في هذه المنطقة الحساسة من القارة السمراء، حيث يعتبرونها بوابة للعمل التنصيري في كل من: الكاميرون والكونغو برازفيل المجاورة فضلاً عن التصدي لاكتساب الإسلام أرضية جديدة كل يوم، حيث تنتشر منظمات الآباء الكومبونين والكنيسة المعمدانية الأمريكية ومارتين لوثر كينج واتحاد الكنائس العالمية ومجلس الكنائس العالمي لا سيما في المناطق النائية في شمال وشرق البلاد، لتضييق الخناق على الوجود الإسلامي وحشره في الزاوية.

     ولكن الرياح أتت بما لا تشتهي السفن، ففي الوقت الذي راهنت هذه المؤسسات على التصدي للمد الإسلامي، فوجئت بنجاح قوات المتمردين الناقمين على الإقصاء والتهميش الذي عانت منه الأقلية الإسلامية، وحرمانهم من لعب دور سياسي أو تحقيق طفرة اقتصادية، وهو ما أثمر عنه وصول رئيس مسلم لسدة السلطة لأول مرة في تاريخ البلاد وتصاعد حدة المخاوف من إمكانية اشتعال حرب دينية في البلاد، وهو ما يستبعده الإمام عمر كوبلين رئيس الطائفة الإسلامية في البلاد الذي نبه إلى أهمية استمرار التعايش والتناغم الاجتماعي بين المسلمين وغيرهم في البلاد، لافتًا إلى نجاح الطرفين في التعايش طوال الخمسين عامًا الماضية سيفسر عن أنه محاولات لإشعال الفتنة.

     ونبه إلى أهمية رهان المسلمين بقوة لوصول مسلم لسدة السلطة، رغم أهميته بالقول: لا ينبغي أن نقول  قوله: فنحن جميعًا مواطنون في إفريقيا الوسطى وعلى القادة الجدد أن يدركوا أن تعاليم الإسلام لا تشجع على الانقسام ولا على عمليات السرقة والنهب التي شهدتها العاصمة بانجي في الأيام التي تلت نظام بوزيزي.

إعادة التوازن:

     وشاطره القول الشيخ إبراهيم عثمان إمام المسجد الكبير في العاصمة بانجي الذي يعتبر وصول مسلم لرئاسة الدولة فرصة لإعادة التوازن في العلاقة بين المسلمين والكاثوليك بعد عقود من هيمنة الطائفة المسيحية على كافة مفاصل الدولة، منبهًا إلى أهمية أن يتبنى الرئيس الجديد خطابًا توافقيًا حتى لا تعرقل مؤسسات الدولة التي يهيمن عليها الكاثوليك والبروتستانت مسيرته.

     ونبه إلى أهمية وجود دعم عربي وإسلامي للنظام الجديد في ظل حاجة البلاد لدعم اقتصادي يقيل البلاد من عثرتها، لاسيما أن الاهتمام العربي والإسلامي بشئوننا كانت له أثار جيدة على الأوضاع، وقللت كثيراً من خطورة المنظمات الماسونية والتنصيرية التي تملأ البلاد.

     واستبعد عثمان اشتعال أحداث عنف على أساس ديني، لافتًا إلى أن الأزمة في البلاد ليست دينية، ولكنها كانت تتعلق بتهميش وإقصاء لأحد مكونات البلاد، آن لها أن تنتهي.

     وأشار إلى أن الغرب يبحث دائمًا عن مصالحة؛ لذا سيسعى لفتح نوافذ الحوار مع النظام الجديد مادام مصالح الطرفين مصانة، وهذا ما سيعطي الرئيس جوتوديا الفرصة لبناء أفريقيا وسطى جديدة قوامها البناء والتعايش بين أبنائها.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك