رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 4 أكتوبر، 2016 0 تعليق

بعد نقض الهدنة- حلب تحترق – ما الخيار الأمـثـــل لحل الأزمة السورية؟

قتل أكثر من أربعمئة قتيل وأصيب أكثر من1500 جريح إثر غارات من الطيران الحربي الروسي والسوري بمختلف الأسلحة في الهجوم الشرس الذي لا يزال مستمرًا للأسبوع الثاني على التوالي

 عدد الأطباء المتبقين في حلب الشرقية لا يتجاوز الـ 35، وعليهم توفير العناية الطبية للمئات من المرضى في الأحياء المحاصرة والتعامل مع الأعداد المتزايدة من الجرحى فيها

 ما يجري في حلب تنفيذ صارخ لمؤامرة قذرة اسمها سياسة الأرض المحروقة وحرب عنصرية تجاه أهل السنة ومن معهم من المكونات المجتمعية الأخرى

 أمريكا ما تزال تضع الفيتو على تسليح المعارضة بالقدرات النوعية وتتنازل للروس والنظام وحلفاؤه يستخدمون الأسلحة المحرمة دوليًا ضد الشعب السوري الأعزل

 ما زالت طائرات النظام السوري والروسي تواصل غاراتها على المدينة وباتت مستشفياتها غير قادرة على التعامل مع الأعداد الكبيرة من الجرحى

 

الصور المؤلمة التي تخرج من حلب يوميًا على شاشات التلفزة التي تتصدر واجهات الصحافة تحمل عشرات الأسئلة، قد يكون أسهلها: أين ضمير العالم من هذه المذبحة؟ وقد يكون أصعبها: إلى متى ستصمد مدينة حلب في وجه هذه الهجمة من النظام السوري وحليفه الروسي؟

     أكثر من أربعمئة قتيل وأكثر من 1500 جريح في أحياء المعارضة بحلب شمالي سوريا، وذلك في إثر غارات من الطيران الحربي الروسي والسوري بمختلف الأسلحة في الهجوم الشرس الذي ما يزال مستمرًا للأسبوع الثاني على التوالي بعد انتهاء الهدنة التي توصلت إليها واشنطن وموسكو.

المضي قدمًا

     ولم تتمخض جلسة مجلس الأمن بشأن سوريا عن شيء إلا رسالة وحيدة أوصلها مندوب النظام السوري بشار الجعفري تقول: إن النظام وحليفه الروسي ماضيان في الحل العسكري حتى استعادة السيطرة على كامل حلب، ولم يوفر الطرفان جهدًا في التأكيد بأنهم يستهدفون عناصر إرهابية في أحياء حلب المحاصرة التي تسيطر عليها المعارضة.

توفير طرق آمنة

     وفي السياق ذاته طالبت منظمة الصحة العالمية واللجنة الدولية للصليب الأحمر بتوفير طرق آمنة لإجلاء فوري للمرضى والجرحى من الأجزاء الشرقية المحاصرة في مدينة حلب، وقالت متحدثة باسم المنظمة: إن عدد الأطباء المتبقين في حلب الشرقية لا يتجاوز الـ 35، وعليهم توفير العناية الطبية للمئات من المرضى في الأحياء المحاصرة والتعامل مع الأعداد المتزايدة من الجرحى فيها، وقد بدأت التجهيزات الطبية لديهم بالنفاد، فضلا عن الشح الكبير في الدم الذي يحتاجه الجرحى.

العجز عن استقبال المرضى

     وما زالت طائرات النظام السوري والروسي تواصل غاراتها على المدينة، وزادت من جراح المدينة التي ودعت مئات من أبنائها، وباتت مستشفياتها غير قادرة على التعامل مع الأعداد الكبيرة من الجرحى، وأعلنت مستشفيات المدينة عجزها عن استقبال المزيد من المصابين؛ بسبب الاكتظاظ والنقص الحاد في المستلزمات نتيجة حصار المدينة من قبل النظام، ومع كثافة الغارات وشح الإمدادات الطبية والإغاثية، باتت فرق الدفاع المدني في حلب الشرقية عاجزة عن الحركة، ولاسيما أن القصف لا يستثني المرافق الطبية ومراكز الدفاع المدني ولا حتى سيارات الإسعاف.

     وشمل القصف أحياء في مدينة حلب وقرى وبلدات في كل من ريفيها الغربي والشمالي، كما قصفت الطائرات الروسية بالقنابل الفوسفورية حيي طريق الباب والفردوس في المدينة، وبلدات بيانون وحريتان ومعارة الأرتيق بريفها، ولم تظهر بعد أي بوادر لتوقف الغارات أو تراجعها رغم الدمار الهائل الذي أحدثته، ورغم سقوط عشرات القتلى والجرحى من مختلف الأعمار وغيرهم ممن طمروا تحت الأنقاض.

(سراييفو) القرن الحادي والعشرين

     من ناحيته علق الكاتب (روجر بويز) على الحصار المروع الذي تعيشه مدينة حلب السورية بأنه (سراييفو) القرن الحادي والعشرين، وأن الغرب يتجاهله، وحذر من ضياع المدينة؛ بسبب الشلل الذي أصاب القيادة في الولايات المتحدة، ورأى أنه عندما يفيق الغرب سيكون الوقت قد فات؛ لأن المدينة ستصير خاوية على عروشها أو سويت بالأرض.

استعادة حلب

     ومنذ الأسابيع الأولى للتدخل العسكري الروسي في سوريا مطلع سبتمبر الماضي، كان نظام الأسد واضحًا في إعلانه أن استعادة حلب هي هدفه الأول، ليبدأ بعدها بشهر حملة كبيرة لاستعادة السيطرة على كامل المدينة، التي يقتسم هو والمعارضة السيطرة عليها منذ عام 2012.

مأساة وإبادة جماعية

     وتعليقًا على ما يجري في حلب قال رئيس الوزراء السوري الأسبق والمنسق العام للهيئة العليا للمفاوضات التي تمثل المعارضة رياض حجاب: إنها «مأساة وإبادة جماعية على يد روسيا والنظام السوري، وسط صمت دولي تام».

     وأضاف حجاب عبر حسابه في تويتر، ما يحدث وصمة عار على جبين الإنسانية، مطالبًا واشنطن باتخاذ إجراءات عسكرية عاجلة لحماية الشعب السوري، وإسقاط المساعدات على المناطق المحاصرة وعلى حلب من الجو.
     واستغرب حجاب من الموقف الامريكي قائلاً: «أمريكا لا تزال تضع الفيتو على تسليحنا بالقدرات النوعية لا سيما مضادات الطائرات والإدارة الحالية لا عزيمة لها، وتتنازل للروس والإيرانيين، والنظام وحلفاؤه استخدموا الأسلحة المحرمة دوليا ضد الشعب السوري الأعزل».

انهيار الهدنة

     من ناحيته أكد وزير الخارجية الأميركي جون كيري في تصريحات له خلال زيارة له إلى (كولومبيا)، أن روسيا والنظام السوري مسؤولان عن انهيار الهدنة والجهود الدبلوماسية؛ حيث إنهما يواصلان هجومهما العسكري والبحث عن تحقيق انتصار ميداني عوض التوجه صوب الحل السياسي عن طريق المفاوضات الفعالة.

     وأشار (كيري) إلى أن تطورات حلب إنما تؤكد أن روسيا والنظام ينويان السيطرة على المدينة عسكريا وتدميرها ضمن هذه العملية العسكرية القائمة.

التجويع بهدف التهجير

      لا شك أن السياسة التي يتبعها النظام السوري المجرم في المدينة المحاصرة وغيرها من المدن تسبب في عدم وصول المساعدات الإنسانية إلى تلك البلدات؛ مما أدى إلى إخلاء أكثر من بلدة سورية من سكانها، ولم تنف الأمم المتحدة أن هذه السياسة تسببت في توجيه المساعدات تجاه المناطق الخاضعة للنظام السوري، على حساب الوصول إلى مناطق سيطرة المعارضة؛ لذلك شهد عام 2015 تنفيذ 10% فقط من الطلبات، التي تقدّمت بها المنظمة لإدخال المساعدات؛ وهو ما تسبب في رفع حالات الوفاة في البلدات المحاصرة؛ بسبب الجوع ونقص الدواء، الأمر الذي دفع بعضهم إلى القول بتواطؤ الأمم المتحدة وعدم مصداقيتها في إيصال تلك المساعدات إلى المناطق المنكوبة.

     كما دفع هذا الوضع 73 منظمة سورية غير حكومية، تعمل جميعها في مناطق المعارضة، للاحتجاج في 8 سبتمبر الماضي، لما سمى في بيان المنظمات بـ«ميول الأمم المتحدة الموالية للأسد»، وأعلنت تلك المنظمات انسحابها من آلية الرقابة المشتركة، التي يديرها مكتب الأمم المتحدة في دمشق.

     وجاء في البيان الصادر عن هذا التحالف أن: «الأمم المتحدة اختارت الامتثال للقيود المفروضة من قبل الحكومة السورية، على نشاطاتها وعملياتها على الأرض، ونتيجة لذلك درجت في الأمم المتحدة ثقافة الخضوع في التعاطي مع الحكومة؛ بالتالي لم تظهر وكالات الأمم المتحدة رغبة فعلية في ممارسة أي ضغط، للوصول إلى المناطق الخارجة عن نطاق سيطرة الحكومة السورية».

      وأكد التقرير على أن الأمم المتحدة لم توصل أي مساعدات، إلى المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية، دون وجود إذن من النظام السوري، وذلك «على الرغم من وجود قرارات عدة صادرة عن مجلس الأمن معاقبة لذلك»، وذكرت المنظمات في تقريرها أن «اختيار المنظمة الدولية تقديم التعاون مع الحكومة السورية، بوصفها أولوية مطلقة على ما سواه، وبغضّ النظر عن الأثمان المدفوعة لهذا الخيار، أوصل الأمم المتحدة إلى منح حق توزيع مليارات الدولارات، من المساعدات الدولية، إلى طرف واحد فقط من النزاع؛ مما أدى إلى التأثير على مسار الصراع الدائر، بل وحتى إطالة أمده».

التناقض الأسود

      من جهتها قالت الباحثة (لارا نيلسون) تعليقًا على هذا الأمر: «يبقى التناقض الأسود هو أن المنظمة التي قامت على احترام حقوق الإنسان انحنت لرغبات نظام ارتكب أشنع جرائم الحرب، من استخدام للأسلحة الكيماوية، إلى القنابل العنقودية، إلى البراميل المتفجرة، إلى الفسفور الأبيض والنابالم، إلى التعذيب على مستوى كبير، إلى القتل الممنهج للمعتقلين، والتهجير الجماعي»، وتضيف في تقريرها الذي نشر بموقع (ميدل إيست آي): «الأمم المتحدة تتمسك بالتزامها بالعمل مع الحكومة ذات السيادة في سوريا، لكن أليس هناك نقطة تشير إلى أنه عندما تتخلى الدولة عن القيام بواجباتها، لحماية مواطنيها، فإن الحكومة فيها تخسر سيادتها؟ كما أن الحكومة مسؤولة عن 95% من القتلى المدنيين، في الحرب الأهلية السورية، لكن الأمم المتحدة توقفت عن متابعة إحصائيات الضحايا منذ سنوات».

حرب عنصرية

- أخيرًا: فإن ما يجري في هذه المدينة الصامدة، هو بدون أدنى شك، تنفيذ صريح وصارخ وفاضح لمؤامرة قذرة اسمها سياسة الأرض المحروقة بحق حلب وأهل حلب، إنها حرب عنصرية تجاه أهل السنة في حلب ومن معهم من المكونات المجتمعية الأخرى.

     كل شيء في حلب، تشتمّ منه رائحة ومشاهده الموت، بمشاركة مباشرة أو ضوء أخضر روسي، مذابح وفظائع مذهلة، ومشافٍ مدمرة، وجثث متحللة على قارعة الطرقات، وأسر تحت الأنقاض، ودماء جافة وسائلة، وتلطخ البنايات المهدمة، وثكلى وأرامل، وأيتام ومعاقون، وحصار خانق لحلب الشرقية، فمن لم تقتله القاذفات الروسية والبراميل المتفجرة، قتله الجوع والإهمال المتعمد في المخابئ وتحت الأنقاض.

     فمن يوقف هذه العربدة والهمجية الروسية ؟ من يلجم شهية روسيا والنظام لمزيد من القتل والدمار في حلب؟، من يوقف الخطوات الأحادية الروسية في حلب والأزمة السورية عموماً؟، وإلى متى يستمر تحالف الشر بين روسيا وشركائها الإقليميين في تدمير سوريا وحلب، بتواطؤ أو تخاذل أو غفلة وضعف وانكسار أمريكي؟، سمّه ما شئت؛ فالواقع يقول: إن التسوية السياسية في ظل تصعيد روسيا والنظام، أصبحت بعيدة المنال؛ مما يعني أن أهل حلب يموتون كل يوم، وكل ثانية، ليس ببطء وإنما بالعشرات، إنها بحق إبادة جماعية على مرأى ومسمع من العالم، وهو يتفرج على هذه المأساة والملهاة، لا حول ولا قوة له، أمام سطوة همجية روسية، غير أخلاقية وغير إنسانية وكأننا نعيش في العصور الوسطى وليس في القرن الحادي.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك