
بعد نصف قرن من الحكم العسكري في (ميانمار)- فـــوز المعارضــة وتهـميـش المسلمين
في الوقت الذي صوَّت فيه 30 مليون ناخب في (ميانمار) في أول انتخابات تعددية، منذ 25 عامًا، بعد نصف قرن من الحكم العسكري، حُرِم أكثر من مليون مسلم من (الروهينجا) من حق التصويت، بعد إلغاء هوياتهم، وأصبحوا محرومين من التصويت ومن الترشح، وقالت منظمات حقوق الإنسان: إن مئات الآلاف من المسلمين توجهوا إلى مراكز الاقتراع، لكنهم منعوا من التصويت؛ لأن النظام الحاكم في (ميانمار) لا يعدهم مواطنين.
احتفالات بنكهة عنصرية
وفي خضم احتفالات أنصار المعارضة في شوارع (يانغون) عاصمة (ميانمار)، بتحقيقها فوزًا كاسحًا في أول انتخابات تشريعية تعددية منذ 25 عامًا، تناسى هؤلاء أقلية مسلمة تعيش في جنوب غربي البلاد، تئن تحت وطأة الحرمان والاضطهاد، وتُمنع من ممارسة حقها الديمقراطي بعد تجريد أفرادها من مواطنتهم. وتم إقصاء أكثر من مليون من مسلمي الروهينغا من التصويت في الانتخابات التي جرت الأحد الماضي، بعدما ألغيت وثائق هوياتهم، ومنعوا من دخول مراكز الاقتراع رغم توجههم إليها منذ الصباح الباكر، واللافت أن لوائح أكبر حزبين في البلاد لم تضم أي مرشح من الروهينغا.
الخيار الأفضل للمسلمين
وبرغم هذا الحرمان إلا أن أغلب المسلمين قالوا: إن (سو تشي) هي الخيار الأفضل للمسلمين؛ لأن الحزب الحاكم متهم بدعم رابطة (ماباثا للرهبان البوذيين) التي تحرض ضد المسلمين، لذلك يُعد فوز المعارضة ضربة قوية للحزب وللرهبان المتطرفين.
وهو ما أشارت إليه (سو تشي) من قبل في مقابلة تلفزيونية إلى أن الحكومة التي سيشكلها حزبها ستحمي المسلمين، وأن الذين يدعون إلى الكراهية يجب أن يحاكموا، وتابعت زعيمة المعارضة أن التحيز والكراهية لن يختفيا بسهولة من المجتمع، ثم تابعت أثق في أن الغالبية العظمى من الناس يحبون السلام، ولا يريدون العيش في كراهية وخوف.
ضغوط بوذية
وفي هذا السياق أقر حزب الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية بزعامة (أونغ سان سو تشي)، إسقاطه المسلمين من قائمة المرشحين بسبب الضغوط من إحدى جماعات الرهبان البوذيين، فسو تشي السجينة السياسية السابقة، والفائزة بجائزة نوبل للسلام عام 1991 بفضل نضالها من أجل التغيير السلمي، والمدافعة عن الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان في بلادها، لم تستطع الحديث عن اضطهاد المسلمين في بلادها، بل حتى تجاهلت الحديث عن معاناتهم في حملتها الانتخابية نتيجة لتلك الضغوط.
استنكار اتحاد (روهينغا)
من ناحيته استنكر (اتحاد روهينغا أراكان) حرمان مسلمي الروهينغا من ممارسة حقهم في التصويت والترشيح في الانتخابات التشريعية التي جرت في (ميانمار)، وقال مدير الاتحاد وقار الدين بن مسيع الدين: إن ما أقدمت عليه حكومة (ميانمار) يعد تمييزًا عنصريًا ومواصلة للممارسات اللاإنسانية والجرائم بحق مسلمي الروهينغا في إقليم (راخين) (أراكان سابقا) الواقع جنوبي غربي البلاد.
وفي بيان صدر عن الاتحاد حذر مديره من أن استمرار مثل هذه الإجراءات سيؤدي إلى شق صف الوحدة الوطنية في (ميانمار)، منبها إلى وجود مخططات يقف وراءها الرهبان والمتطرفون البوذيون ضد المسلمين تستهدف إشعال نار الفتنة لتصفية المسلمين.
وطالب البيان حكومة (ميانمار) بإعادة حقوق المواطنة إلى( الروهينغا) والسماح لهم بمزاولة جميع حقوقهم الأساسية، كما دعا المجتمع الدولي إلى نصرة المستضعفين والضغط على حكومة (ميانمار) لإنهاء أنواع التمييز العنصري ضد مسلمي (الروهينغا).
إقرار بالهزيمة
من ناحية أخرى أقر الحزب الحاكم في (ميانمار) بخسارته في الانتخابات، وقال الأمين العام لحزب التضامن والتنمية (هتاي) أو لوكالة رويترز: «لقد خسرنا.»
وقد نزل أنصار (سو تشي) إلى الشوارع للاحتفال في هذه الانتخابات التي أنهت سنوات من الحكم الديكتاتوري لتنتقل بالبلاد إلى الديمقراطية، وقال الناطق باسم الحزب (وين هتين): «نحن نفوز بأكثر من 70 بالمئة من المقاعد في كل البلاد.
ممارسات عنصرية
ومن الجدير بالذكر أن الحكومة ذات الأغلبية البوذية مارست سياسات عنصرية ضد مسلمي (الروهينغا) منذ فترة طويلة، وحرمتهم من حق الحصول على الجنسية بدعوى أنهم مهاجرون بنغاليون غير شرعيين؛ بينما يقول الروهينغا: إن وجودهم في بورما يعود إلى مئات السنين، وفي العامين الأخيرين تعرض مسلمو (الروهينغا) لاضطهاد الأغلبية البوذية بتواطؤ من الحكومة والجيش؛ مما أدى إلى مقتل الآلاف وهجرة عشرات الآلاف.
الكيل بمكيالين
في الوقت الذي يتغنى الغرب ويرحب بأول انتخابات تعددية تجري في (ميانمار) منذ أكثر من ربع قرن، وفي الوقت الذي يتدخل فيه في بلدان كثيرة بحجة فرض الديمقراطية المزعومة، غض الطرف تمامًا عن معاناة المسلمين في (ميانمار)، ولم يسلط الضوء على تلك المعاناة، وأن هذه الانتخابات وهذه الديمقراطية أقصت أكثر من مليون شخص بتهمة أنهم (مسلمون)؛ حيث صرح (جون كيري) معقبًا على نتائج تلك الانتخابات قائلاً: «نحن نشجع القادة السياسيين في البلاد للعمل معا بروح الوحدة الوطنية والإصلاح الديمقراطي للبحث عما هو أفضل لهذا البلد».
وكذلك قال (ألكسندر جراف لامبسدورف) -رئيس بعثة المراقبين من الاتحاد الأوروبي التي سمح لها للمرة الأولى بحضور انتخابات في (ميانمار)-: إن عمليات التصويت جرت بنظام وسلاسة، دون الإشارة أيضًا لغياب المسلمين عنها.
كما أكد نائب مدير مكتب آسيا في منظمة (هيومان رايتس ووتش) على أنه لم يتم رصد أي مخالفات أو تلاعب في الانتخابات، ونحن نتساءل ألا يعد غياب مسلمو ميانمار البالغ عددهم ١٫٣ مليون نسمة من إجمالي سكان (ميانمار) البالغ ٥١ مليون نسمة، أزمة إنسانية وسياسية في هذه الانتخابات؟!
لاتوجد تعليقات