رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان.القاهرة/مصطفى الشرقاوي 26 أغسطس، 2013 0 تعليق

بعد معركة رئاسية قوية – العرب والطوارق يحددون مستقبل الدولة في مالي

يراهن الكثيرون من أبناء مالي على الرئيس المنتخب الجديد إبراهيم أبو بكر كيتا لطي صفحة الخلافات التي مزقت البلاد بين ثلاث عرقيات، هم: الأفارقة السود، والطوارق، والقبائل العربية المتمركزة في شمال البلاد التي شهدت تمردًا مسلحًا على السلطة بعد الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس أحمد توماني توريه عام 2012، ولعب فيه مقاتلون منتمون لتنظيم القاعدة دورًا رئيسيًا -بشكل- أسهم في خروج شمال البلاد -الذي يشكل معقلاً للعرب والطوارق- عن سيطرة الدولة، وهدد وحدة البلاد، ومهد لتدخل فرنسي، أسهم في بسط سيطرة قوات تابعة للمستعمر السابق وجنود بعثة إرساء الاستقرار التابعة للأمم المتحدة.

صراعات مسلحة

     وقد شهدت البلاد طوال الفترة السابقة -ولا سيما في شمالها الذي يعد معقلا للحضارة العربية والإسلامية ولا سيما في حاضرته تومبوكتو- صراعات مسلحة هددت مظاهر هذه الحضارة من مساجد ومصاحف ومخطوطات نادرة وكتاتيب وغيرها، إلى أن استطاعت القوات الفرنسية إلحاق الهزيمة بمقاتلين ينتمون للقبائل العربية وبعض مقاتلي الحركة الأزوادية، بشكل أجبرهم على الرحيل والفرار لبلدان مجاورة، مراهنة على معاودة مقاتلة الفرنسيين وفقًا لأسلوب حرب العصابات وهو الرهان الذي لم يفلح بعد تبرؤ الحركة الوطنية الأزوادية وحركة وحدة أزواد منها ودعمها جهود القوات الفرنسية في تطهير الشمال المالي من العناصر المنتمية للقاعدة.

     وقد أسهمت هذه المواقف في توتر الأوضاع بشدة بين القبائل العربية والطوارق من جهة، وبين الأفارقة السود المتمركزين في وسط البلاد وجنوبها، وتفاقم الانقسام في البلاد بشكل عرض أمنها ووحدتها للخطر قبل أن تقدم القوات الفرنسية على حسم الأمر، وتفرض حالة من الاستقرار، وتمهد السبيل لعقد انتخابات بإشراف دولي بدت -بحسب كثيرين- حرة وشفافة، رغم ما أثير عن تجاوزات حدثت هنا وهناك، إلا أنها لم تقدح في نزاهة هذه الانتخابات التي أسفرت عن وصول الرئيس الجديد إبراهيم أبو بكر كيتا لسدة السلطة، بعد أن شغل في السابق منصبي رئيس الوزراء ووزير الخارجية، ولقي هزيمتين في استحقاقات انتخابية رئاسية سابقة قبل أن يتغلب على خصمه سوميلا سيسي بأغلبية كبيرة، وينهي أكثر من عام ونصف من الفوضى في هذا البلد الواقع في غرب أفريقيا.

تحديات ضخمة

     ولعل فوز كيتا بالرئاسة -وبفارق كبير- يعد أسهل جولات المعركة، فمن وصل إلى قصر الرئاسة في العاصمة بامكو يواجه عددا من القنابل الموقوتة التي تهدد بانتهاء شهر العسل بينه وبين ناخبيه في ظل الثقة الكبيرة التي حظي بها إذا لم يستطع أن يكتب نهاية لهذه الأزمات، وفي مقدمتها المصالحة الوطنية في ظل وصول التوتر مداه بين الأفارقة السود والطوارق الأمازيغ والقبائل العربية، لا سيما أن مناخًا من التوتر يحكم العلاقة بين الأطراف الثلاثة، لا سيما مع تأييد الأفارقة للحملة الفرنسية، وتراجع الطوارق عن دعم القبائل العربية، وتبرؤهم من الأعمال التي تورطت فيها جماعات مرتبطة بالقاعدة بشكل فاقم بين الشكوك بين الأطراف المختلفة في ظل ما تردد عن تورط القوات الفرنسية في أعمال تطهير عرقي في صفوف العرب.

مصالحة ضرورية

     ولاشك أن ملف المصالحة الوطنية سيكون على رأس الملفات التي يجب علي كيتا التعاطي معها بشكل إيجابي وسريع، عبر الدعوة لجلسات مكثفة بين الفرقاء؛ للعمل على التوصل لتسوية الخلافات بين الطرفين؛ لتعيد اللحمة الوطنية على أساس وحدة البلاد واستقرارها وتنوعها بعدّها أهم ميزات هذا البلد الإفريقي الذي يبلغ عدد سكانه أكثر من 14 مليون نسمة، يدين معظمهم بالإسلام وهي قاعدة يمكن البناء عليها؛ لاستعادة البلاد ما فاتها ولا سيما أن أكثر من 600 ألف مالي قد تركوا مدنهم وقراهم ويحتاجون للعودة بعد أن تحولوا إلى لاجئين، وهي النقاط التي كانت واضحة جدًا في خطاب الرئيس كيتا خلال حملته الرئاسية.

     ولعل ما يمكن أن يوفر فرصة للرئيس الجديد أنه يتمتع بقدرات خاصة، قلما تتوفر في أي رئيس إفريقي، فالخطيب المفوه الذي يبدأ أحاديثه دائما بآيات من القرآن الكريم وأحاديث السنة النبوية يبدو قادرًا على جمع شتات عرقيات مالي المختلفة؛ فإن الهوية الإسلامية لو أحسن توظيفها يمكن أن تصهر هذه العرقيات في بوتقة واحدة، وهو أمر لا يبدو سهلاً، لا سيما أنه لم يفلح في دول عديدة، ولكن الرئيس الجديد الذي يجيد الموازنة بين الأصالة والمعاصرة يستطيع توظيف هذه المرجعية لتحقيق توليفة تستطيع إنقاذ سفينة الوطن من الغرق.

وضع أمني هش

     ولا تتوقف التحديات التي تواجه الرئيس الجديد عند هذا الحد، فالوضع الأمني الهش في البلاد والانهيار الذي أصاب الجيش بعد انقلاب 2012 تفاقم من الضغوط عليه وهي مهمة يجب أن يضعها الرئيس المنتخب في مقدمة أولويات إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية والعسكرية؛ لاستعادة هيبة الدولة المالية ولا سيما أن حدود البلاد المترامية مع عدد من دول الجوار تشكل صداعًا لجميع الحكومات في مالي؛ لأن منطقة الغرب الإفريقي تعد من معاقل تنظيم القاعدة، وبالتالي فإن إعادة التوازن للأجهزة الأمنية سيقنع القوى الغربية والإقليمية بأن هناك سلطة قوية ينبغي دعمها في باماكو، وهذا ما سيعزز مصداقية النظام الجديد أمام الشركاء الإقليميين والدوليين.

     ويستطيع كيتا -الذي يطلق عليه لقب الرجل الحديدي في أوساط السياسيين الماليين وداخل حزبه الاتحاد من أجل مالي- أن يقوم بهذا الدور؛ فالكل يذكر تعامله القاسي مع أزمة اضطرابات المعلمين في مالي قبل بداية الألفية؛ حيث تبنى إجراءات قاسية، وعطل الدراسة، وهو حسم يستطيع أن يوفر فرصة للبلاد لالتقاط أنفاسها والعمل علي هيكلة مؤسساتها حتى يكون قادرًا على استعادة الأمن والاستقرار والاستثمارات الأجنبية في بلد يعد الأفقر في العالم؛ نتيجة عدم وجود موارد نفطية، أو طفرات استثمارية تستطيع إقالة اقتصاد البلاد من عثرته.

دعم إقليمي ودولي

     وفي ظل هذه الملفات والأوضاع المعقدة التي تواجه الرئيس المالي ورغم قتامة الموقف السياسي والاقتصادي فإن هناك شيئا يدعو للتفاؤل في هذا الصدد، كما يقول الدكتور هاني رسلان رئيس وحدة الدراسات الإفريقية بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، منها الدعم الأمريكي والغربي وفي مقدمته الفرنسي؛ حيث رحبت وزارة الخارجية الأمريكية بانتخاب أبي بكر كيتا؛ متعهدة بالتعاون وتقديم كافة أشكال الدعم للرئيس المنتخب، وهو ما تكرر على لسان الرئيس الفرنسي فرنسوا اولاند الذي تعهد بزيارة باماكو، وحضور حفل تنصيب كيتا وهو موقف شاطره فيه وزير خارجيته لوران فابيوس.

     ولم تتوقف أشكال الدعم بحسب الدكتور رسلان عند هذا الحد فهناك إشارات دعم قوية ظهرت من دول إفريقية، ومنها: نيجيريا وكوت ديفوار بل وعربية، مثل: الجزائر وليبيا اللتان تعهدتا بتقديم كافة أشكال الدعم للرئيس الجديد، وهو أمر يبدو إيجابيًا، لا سيما أن الجزائر وطرابلس الغرب كانت تتبني موقفًا متحفظًا من العملية العسكرية في مالي، وهو أمر يبدو أنه تغير خلال الفترة الحالية بشكل قد يفتح الباب أمام تطبيع العلاقات بين باماكو والعواصم الإقليمية، واحتمالات ضخ معونات واستثمارات في عروق الاقتصاد المالي المتداعي.

     غير أن رسلان يرى أن الدعم الإقليمي والدولي للرئيس الجديد لا يبدو كافيًا وحده؛ فالمصالحة الوطنية تبدو ضرورية إذا كانت هناك إرادة سياسية لاستعادة هيبة الدولة، فحالة الشكوك والاحتقان بين عناصر الجسد المالي من أفارقة وعرب وطوارق تبدو مهمة جدًا؛ لتطبيع الوضع في مالي بجعلها مقدمة لاستعادة الأمن والاستقرار وتحفيز ملايين الماليين علي طي صفحة الماضي، وتدشين شراكة وطنية تستطيع التصدي لحالة الفوضى التي ضربت البلاد منذ وقوع الانقلاب.

استعادة الثقة

     والملاحظ في هذا السياق أن نجاح أبي بكر كيتا في تحقيق المصالحة سيذلل كثيرًا من العقبات في إطار مساعيه؛ لإعادة الاستقرار والهدوء للبلاد، والعمل على توثيق صلة مالي مع دول الجوار، لا سيما النيجر وتشاد والجزائر فإن التعاون المثمر بين البلدان الثلاث ضروري للتصدي لجماعات الإرهاب الراغبة في استغلال حالة الترهل الأمني، وضعف الرقابة على الحدود؛ للقيام بهجمات وهو ما يتطلب -ليس فقط التعاون الإقليمي- بل ضمان استعادة الثقة بين الدولة المالية وبين قبائل العرب والطوارق في الشمال.

تجربة فريدة

     وتأتي أهمية هذه الثقة بجعلها السبيل الوحيد لقطع الطريق على القاعدة لاستعادة أرضيتها في الشمال، والعمل على البناء على الاتفاق الذي وقعته الفصائل الأزوادية في بوركينافاسو المجاورة، وسمح بإجراء الانتخابات في شمال البلاد بشكل آمن، مما شجع عددا كبيرا من مواطني الشمال للمشاركة في الاستحقاق الرئاسي، ودعم أبي بكر كيتا في هذا الاستحقاق، لعله ينقذ البلاد من الفوضى التي عانت منها منذ الانقلاب العسكري، ويعيدها مرة أخري إلى المسار الديمقراطي الذي شهدته خلال عصر الرئيس المالي الأسبق البروفسور ألفا عمر كوناري؛ حيث تخلي كوناري عن السلطة بعد ولايتين رئاسيتين شهدت خلالهما البلاد استقرارًا يأمل أن تستعيده خلال المرحلة المقبلة.

     ولكن الدكتور محمود أبو العينين عميد معهد الدراسات الإفريقية يربط بين عودة الاستقرار للبلاد وبين أجواء المصالحة والهدوء واستعادة البلاد للسيادة عبر تخفيف حدة الوجود الفرنسي في شمال البلاد واستبداله بقوات حفظ سلام إفريقية؛ لأن استمرار الوجود العسكري الفرنسي قد يعرقل مساعي المصالحة لتحفظات مواطني شمال البلاد من العرب والطوارق.

     ونبه أبو العينين إلى أهمية وجود دعم عربي لمالي خلال المرحلة القادمة ولا سيما من قبل الجزائر وليبيا؛ لأنهما يتمتعان بصلات وثيقة مع حكومات باماكو المتعاقبة؛ حيث لا ينبغي ترك البلاد أسيرة للفقر والإرهاب، بل يجب انتشالها ووضعها على الطريق في ظل ما تتمتع به من وضع استراتيجي ووجود حدود مترامية لها مع دول الجوار.

     وعد وصول كيتا -الذي يتمتع بالقوة الكفيلة القادرة على بسط الاستقرار وتوليفة ثقافية إسلامية فرانكفونية- قد يشكل حلا وسطا لإخراج البلاد من أزمته، ولا سيما الأمنية والاقتصادية في ظل خبرته الاقتصادية التي اكتسبها خلال عمله بصندوق التنمية الأوروبية، وإشرافه علي مشروع تنمية شمال مالي، وتمتعه بصلات قوية مع قبائل الشمال بشكل يؤكد أننا قد نكون على موعد مع استعادة الاستقرار السياسي والأمني في هذا البلد.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك