رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 23 أكتوبر، 2012 0 تعليق

بعد سنوات من الكفـاح المسلح.. (مورو) تتمتع بالحكم الذاتي

وقّعت الحكومة الفلبينية، وجبهة مورو الإسلامية، الاثنين الماضي، اتفاق الإطار الذي يضع أسس السلام الدائم والنهائي في جزيرة (مينداناو) الفلبينية ووقع (مارفيك ليونين)، ممثلاً عن الحكومة، ومهاجر إقبال، كبير المفاوضين في جبهة مورو، اتفاق الإطار بحضور الرئيس الفلبيني (بنينو أكينو)، ورئيس الجبهة الحاج مراد إبراهيم، ورئيس الوزراء الماليزي نجيب تون رزاق.

 

     ويقضي هذا الاتفاق الذي طال انتظاره، والذي يأتي بعد 15 عامًا من المحادثات، بإنشاء منطقة جديدة تتمتع بحكم ذاتي، على أن تكون البداية بخارطة طريق، لإنشاء المنطقة التي يطلق عليها اسم (بانجسامورو)، الواقعة في المناطق التي تقطنها أغلبية مسلمة في جنوب البلاد، بحيث يتم الانتهاء من تنفيذ الاتفاق، قبل نهاية فترة رئاسة أكينو في 2016، ويأتي هذا الاتفاق بعد مفاوضات طويلة جرت بين الحكومة وجبهة تحرير (مورو) الإسلامية لإنهاء صراع استمر نحو 40 عامًا في جنوب البلاد وأسفر عن مقتل أكثر من 120 ألف شخص.

     وجدد أمين عام منظمة التعاون الإسلامي أكمل الدين إحسان أوغلو الذي شهد التوقيع موقفه الداعم لتحقيق سلام شامل ودائم لشعب (بانجسامورو) الذي عانى طويلاً وتحمل تضحيات جسيمة، مثنيًا على الدور المهم الذي قامت به ماليزيا والذي مهد الطريق لإبرام الاتفاق، وشدد على ضرورة أن يكون هذا الاتفاق الإطاري خطوة أولى نحو إيجاد حل عادل ودائم وشامل في منطقة مينداناو المسلمة.

تفاصيل الاتفاق

     ووفقا لما جاء في تفاصيل الاتفاق، المكون من 13 صفحة، فسوف يتم إنشاء لجنة مكونة من 15 عضوًا، مهمتها الدخول في تفاصيل المبادئ المثبتة في الاتفاق الإطاري، على أن تقوم خلال عامين بصياغة هذه التفاصيل، ضمن قانون خاص لإنشاء الإقليم الجديد، على أن يقوم الثوار المسلمون، خلال هذه المدة بتنفيذ برنامج تدريجي لحل وحداتهم العسكرية،  وفقًا لنص الاتفاق.

نهاية لأزمة ثقة

     الانفراجة التاريخية الجديدة، لاقت ترحيبا كبيرًا من قبل مسلمي مورو، وأعرب غازي جعفر، نائب رئيس حركة تحرير مورو للشؤون السياسية، عن سعادته البالغة بالاتفاق، وأعرب عن شكره للرئيس أكينو، مشيرًا إلى أن الجماعة تشعر بالسعادة؛ لأن هذا الاتفاق طرح حلاً للصراع، الذي عاق النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية في (مينداناو).

     فيما رأى محللون أنه على الرغم من وجود عقبات كثيرة، فإن هذا الاتفاق يمثل انفراجة في الثقة بين الحكومة وانفصاليي جبهة مورو الإسلامية للتحرير، كما أنه يضفي الصبغة الرسمية، على الهدنة في جزيرة مينداناو، التي تقطنها أغلبية مسلمة.

     وينتظر أن تمهد هذه الاتفاقية، الطريق لسلام نهائي ودائم في مينداناو، الإقليم الذي يشمل خمس مناطق تقطنها أغلبية مسلمة.

أسس وشروط

     الرئيس الفلبيني، الذي أراد وضع تصور نهائي للمشكلة التي تؤرق نظامه، أكد أن هذا الاتفاق يعيد كل الجماعات الانفصالية السابقة إلى الحظيرة، وأن جبهة مورو الإسلامية، لن تطمح لدولة منفصلة بعد الآن، وأكد ضرورة استغلال موارد الإقليم المعني بقوله: «يعني هذا أن الأيدي التي حملت البنادق في الماضي، ستلقيها من أجل حرث الأرض وبيع المحصول، وإدارة محطات العمل وإتاحة الفرصة لمواطنين آخرين».

     لكنه أكد، أن الحكومة الفلبينية ستستمر في ممارسة سلطاتها، في الدفاع والأمن، والسياسة الخارجية والسياسة النقدية، وصك العملة والدفاع عن المواطنة، والحقوق الوطنية في بانجسامورو، مشيرًا إلى أن الدستور والقانون الفلبينيين، سيحكمان المرحلة الانتقالية في (بانجسامورو)، تأكيدًا لمفهوم وحدة الأمة الفلبينية، بجميع ثقافاتها المختلفة وأطيافها،  ووعد أكينو سكان بانجسامورو الجديدة بالحصول على نصيب عادل ومتساو من الضرائب والعائدات، وأشار إلى أنه بحسب الدستور ستقوم لجنة انتقالية بصياغة القانون الأساسي لإقامة منطقة بانجسامورو، مضيفًا أن اللجنة ستبحث عملية التشريع الكاملة في البرلمان، ودعم قانون يجسد قيم أهالي المنطقة وتطلعاتهم.

رحلة طويلة من المفاوضات

     دخلت الجبهة الإسلامية منذ عام 1997 في مفاوضات سرية مع الحكومة الفلبينية، إلا أن هذه المفاوضات لم تسفر عن شيء في فترة حكم (جوزيف استرادا) وانتهت بحملة عسكرية واسعة شنها الجيش الفلبيني عام 2000 على معاقل الجبهة.

     وبعد وفاة مؤسس الجبهة (سلامات هاشم) عام 2003، وتولي (الحاج مراد إبراهيم) قيادة الجبهة، بدأت الجبهة في التخلي عن المطالبة بالاستقلال التام عن الفلبين، وأخذت تركز على الخطاب الدبلوماسي، وبدأت في طرح خيارات أخرى منها -كما جاء على لسان غزالي جعفر أحد قيادات الجبهة النظام الفيدرالي، أو حكم ذاتي قوي على خلاف الحكم الذاتي الحالي، أو الدعوة لاستفتاء ينظم بإشراف الأمم المتحدة ومنظمة المؤتمر الإسلامي.

     واتفق توجه الجبهة الإسلامية هذا مع سعي رئيسة الفلبين (جلوريا أرويو) التي تولت الرئاسة عام 2001 للتوصل لحل نهائي للمشكلة، وأدى هذا إلى إطلاق عملية تفاوض جادة بداية من عام 2005 بوساطة من منظمة المؤتمر الإسلامي التي تعترف بالجبهة الإسلامية ممثلا لمسلمي الفلبين، ومن عدد من الدول الإسلامية على رأسها ماليزيا.

     وانتهت المفاوضات إلى التوقيع بالأحرف الأولى عام 2008 على اتفاقية تمثل تطورًا كبيرًا في الحكم الذاتي الممنوح للمسلمين ليرقى إلى مرتبة قريبة من الفيدرالية؛ حيث نصت الاتفاقية على توسيع المناطق التي يحكمها المسلمون، ومنح القادة السياسيين المسلمين الحق في الحصول على الريع المستفاد من الموارد الغنية للمنطقة، وحق جباية الضرائب، وحق التمثيل الخارجي في القضايا التي تخص المسلمين، على أن تبقى الأمور السيادية الأخرى بيد الحكومة المركزية، في مقابل إعلان الجبهة عن استعدادها للتخلي عن مطالبتها بدولة إسلامية مستقلة.

     وكان من المقرر التوقيع على الاتفاقية في (كوالالمبور) في الخامس من أغسطس 2008، إلا أن عددًا من السياسيين المسيحيين من جنوب الفلبين قدموا اعتراضًا على الاتفاق لدى المحكمة العليا؛ ما أدى إلى إصدارها أمرًا بتوقيف الاتفاق مؤقتاً قبل يوم واحد فقط من التاريخ المزمع لتوقيع الاتفاق، وفي أكتوبر 2008 أصدرت المحكمة العليا حكما يقضي بأن الاتفاق غير دستوري بدعوى أنه يؤدي إلى استقلال نهائي للأقلية المسلمة في جنوب البلاد.

مورو – لـمحة تاريخية

     (مورو) هو الاسم الذي أطلقه المحتلون الإسبان على مسلمي الفلبين الذين ظلوا منذ ذلك الحين يستخدمونه للتعريف بأنفسهم، ويتركز مسلمو الفلبين في الجنوب في جزر مينداناو وسولو، وتمثل مناطقهم أكثر بقليل من ثلث مساحة الفلبين.

     وقد دخل الإسلام الفلبين منذ أوائل القرن الرابع عشر على أيدي التجار والدعاة المسلمين، ونشأ حكم إسلامي في عدد من الجزر الجنوبية، وأدت مقاومة المسلمين للاحتلال الإسباني إلى الانحسار التدريجي للحكم الإسلامي، ثم قام الاستعمار الأمريكي بضم الجنوب المسلم إلى الشمال قبل أن يمنح الفلبين استقلالها عام 1946.

     وقامت الحكومة الفلبينية بتوطين الآلاف من المسيحيين في الجنوب؛ ما أدى إلى تحول المسلمين فيه إلى أقلية تمثل حوالي 20% من السكان بعد أن كانوا يمثلون 98% بداية القرن العشرين، هذا فضلاً عن فقدان عدد كبير من المسلمين لأراضيهم نتيجة لقانون صدر عام 1936 تملكت الدولة بموجبه أراضي المسلمين ثم وزعتها على المستوطنين، وهكذا بعد أن كان المسلمون يمتلكون كل أراضي مينداناو أصبحوا اليوم ينتشرون على 17% فقط من أراضي أجدادهم.

     كما كون المستوطنون المسيحيون في الجنوب تنظيمات مسلحة بدأت باستهداف المسلمين؛ ما أدى في النهاية إلى تأسيس المقاومة الموروية عام 1968 للمطالبة باستقلال شعب مورو عن الفلبين، ومنذ ذلك الحين تقاتل جبهة مورو الإسلامية، التي يبلغ قوامها 12 ألف مسلح، من أجل إقامة دولة إسلامية مستقلة في مينداناو.

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك