رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: محمد زاهد جول 10 أكتوبر، 2016 0 تعليق

بعد زيارة ولي العهد السعودي لتركيا- ما محددات العلاقات التركية الخليجية وآفاقها؟

من المميزات الأساسية لعاصفة الحزم هي العلاقة التركية السعودية التي يمكن أن تتخذ نموذجًا ومعلمًا من معالم السياسة السعودية نحو تركيا بإيجابياتها وسلبياتها

عاصفة الحزم تعد حربًا دفاعية عن الجزيرة العربية أولاً، وحربا دفاعية عن الشعب اليمني ثانياً، وحربا دفاعية إسلامية ضد التطرف الطائفي الذي تشنه بعض دول الجوار ضد السنة ثالثاً

 

 

كانت عاصفة الحزم السعودية في اليمن علامة بارزة في التاريخ السياسي السعودي والخليجي المعاصر، وهي كذلك علامة بارزة في محددات السياسة السعودية الخارجية ودوافعها وآفاقها، ولاسيما في اتخاذ القرار العسكري الحتمي الذي يدافع عن الأمن القومي السعودي والخليجي والعربي في منطقة الجزيرة العربية دون تردد، سواء وافقت أمريكا على ذلك أم لم توافق.

     ومن المميزات الأساسية المتعلقة بعاصفة الحزم هي العلاقة التركية السعودية؛ فهذه الحلقة علامة مميزة لطبيعة العلاقة بين السعودية وتركيا، يمكن أن تتخذ نموذجًا ومعلمًا من معالم السياسة السعودية نحو تركيا، بإيجابياتها وسلبياتها أيضاً؛ فهي تعطي صورة نموذجية عن طبيعة محددات السياسة السعودية الايجابية نحو تركيا، وتحديدًا في مرحلة الحاجة الماسة للدعم التركي العسكري والسياسي والأمني والاستخباراتي؛ فالعلاقة الإيجابية تكون متبادلة بين الدولتين.

حرب دفاعية

     لقد دخلت القوات المسلحة السعودية والخليجية حربًا دفاعية في اليمن بتاريخ 26/3/2015 بعد ستة أشهر من الانقلاب الحوثي على الحكومة الشرعية في اليمن بتاريخ 21/9/2014، فكانت عاصفة الحزم حربًا دفاعية عن الجزيرة العربية أولاً، وكانت حربا دفاعية عن الشعب اليمني ثانياً، وحربا دفاعية إسلامية ضد التطرف الطائفي الذي تشنه بعض دول الجوار ضد السنة في جنوب الجزيرة العربية ثالثاً، وهذا العدوان الطائفي في اليمن يمثل تهديدًا سياسيًا للأنظمة السياسية العربية أيضاً، وكانت السعودية تظن أن أمريكا سوف تمنع هذا التهور والعدوان الطائفي والسياسي والعسكري، ولكنها اكتشفت أخيرا تخلي أمريكا عن حماية الأمن القومي السعودي؛ مما اضطرها للتحرك سريعا واتخاذ قرار الدخول في حرب دفاعية في اليمن، شاركت فيها دول مجلس التعاون الخليجي المهددة بالعدوان الطائفي معها، فيما أطلقت عليه عاصفة الحزم.

ذخيرة غير كافية

     وبعد هجوم التحالف العربي المباغت على مقار القوات الحوثية تبين للجيش السعودي أن الذخيرة المستعملة لم تكن فعالة بالدرجة الكافية، وعند ذلك احتاجت السعودية وبطريقة مستعجلة إلى الذخائر التي تناسب أسلحتها الأمريكية؛ حيث إن أمريكا لم تبد تجاوبا سريعا مع حاجة السعودية لهذه الذخائر، فلم تجد السعودية غير الحكومة التركية لتلبية حاجتها لهذه الذخائر، وهذا فتح باب تعاون وثقة كبير بينهما.

زيارات متبادلة

     وهكذا توالت زيارات المسؤولين السعوديين لأنقرة في الأسابيع الأولى لعاصفة الحزم؛ لأن السعودية بأمس الحاجة إلى هذه الذخائر؛ حيث أيدت الحكومة التركية عاصفة الحزم أولاً، لقناعتها بصحة هذا الدور العربي الدفاعي في اليمن، بالرغم مما يربط تركيا مع إيران من علاقات اقتصادية كبيرة، وثانيا بحكم استعداد الحكومة التركية تلبية المطالب السعودية بالمساعدات التركية اللوجستية والاستخباراتية، وهو ما أعلنت عنه الحكومة التركية في بياناتها العلنية والرسمية في ذلك الوقت.

تعبير صادق

     هذا الموقف التركي هو تعبير عن موقف صادق مع دولة صديقة، لم تتأخر الحكومة التركية فيه عن تلبية المطالب السعودية، وقد أعقب ذلك التعاون العسكري زيارات متبادلة بين الزعيمين التركي أردوغان والسعودي الملك سلمان، أسفرت عن توقيع عشر اتفاقيات تعاون استراتيجي في الأيام الأخيرة من عام 2015، ولكن يبدو أن وصفها بالتعاون الاستراتيجي كان من باب التفاؤل أو سابقا لأوانه؛ لأنها كانت تركز على التعاون في مجال التصنيع العسكري بين البلدين، وربما كانت ملياراتها العشرة هي لشراء أسلحة وذخائر تركية لمواصلة عاصفة الحزم في اليمن، ونقول: ربما كان وصفها بالاتفاقيات الإستراتيجية سابقا لأوانه؛ لأن أقصى ما بلغته اتفاقيات التعاون بين البلدين الموقعة عند زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن نايف بتاريخ 29/9/2016 هو توقيع مذكرات تعاون في مجال العمل والموارد البشرية والتدريب، وتبادل المعلومات والوثائق، فهل توقيع مذكرات تعاون في مجال العمل والموارد البشرية والتدريب كانت أهم من الاتفاقيات الإستراتيجية السابقة؟

زيارة مجاملة

     لذلك لعل من الأفضل وصف هذه الزيارة الأخيرة بزيارة مجاملة، أو إعادة تجديد علاقات السعودية مع تركيا بعدما قيل عن تراجع هذه العلاقة في الشهرين الماضيين، أي بعد الانقلاب الفاشل، وهذا يتطلب أو يفرض البحث عن محددات الموقف السعودي من العلاقة مع تركيا عمومًا.

ضعف الثقة

     وبعضهم يعيد ضعف الثقة السعودية من تركيا بسبب الصراعات التاريخية الوهابية مع الدولة العثمانية، وغيرها، ولكن وبالنظر إلى وجود علاقات قوية بين تركيا ودولة قطر وهي دولة محافظة قد ينفي حجة اختلاف الأنظمة السياسية فقط، والتركيز أكثر على المواقف الحقيقية السعودية من تركيا ومن نظامها السياسي الديمقراطي، وحزبها الحاكم حزب العدالة والتنمية، الذي يتطلع للعب دور مؤيد ومساند لشعوب العالم ودوله التي تتطلع للإصلاح، وبلوغ مستوى الدول الحديثة والديمقراطية والمتقدمة، وهذا يفتح بابا جديدا من المنافسة بين الدولتين على رعاية الشعوب الإسلامية، فيما يطلق عليه بعضهم صراع نفوذ خفي بين الدولتين، على شراكة بعض الدول العربية أو الإسلامية أو الإفريقية أو العالمية، بل ربما تنافسا على صداقة الدول الغربية أيضاً.

 

التنافس بين الدول الرئيسة

     وأيا كانت الحقيقة في الأسباب السابقة فإن السبب الذي تجاهله الكثيرون هو التنافس بين الدول الرئيسة في دول مجلس التعاون الخليجي الست نفسها، ولاسيما التنافس بين السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة؛ فهذه الدول الثلاث تظهر اهتماما متميزا في أداء دور سياسي على الساحة العربية والإسلامية والدولية، وترغب أن تكون مستقلة عن غيرها من دول الخليج قبل غيرها، كما تظهر هذه الدول رغبة بقيادة محاور دولية، أو المشاركة فيها وهي مستقلة عن بعضها بعضاً، وعليه فلماذا لا تكون المواقف السعودية والقطرية والإماراتية من تركيا هي أحد أبعاد الاختلاف السعودي التركي، أو الإماراتي التركي مثلاً؟

التعامل بحساسية

     فإذا كان الأمر كذلك فإن الحكومة التركية مطالبة أن تتعامل بحساسية مع اعتبارات الدول الخليجية من بعضها بعضاً؛ فهي عندما تحسن علاقاتها مع قطر وتوقع اتفاقيات إستراتيجية معها، عليها أن تأخذ في الحسبان الموقف السعودي والموقف الإماراتي وغيره خليجيًا وعربيًا، وكذلك الحال بالنسبة لتحسين العلاقات مع دولة الإمارات، أي أن الحكومة التركية مطالبة أن تأخذ هذه الحساسية بين الدول الخليجية والعربية بعين الاعتبار، وعليه فإن العلاقات العربية العربية هي أحد محددات العلاقات العربية مع تركيا، وهي أحد محددات العلاقات التركية الإسرائيلية أيضاً منذ عقود.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك