رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: القاهرة: د. أحمد عبدالحميد 13 يوليو، 2015 0 تعليق

بعد تصعيد الجماعات التكفيرية لعملياتها في سيناء ضد الجيش- من يجني ثمار هذا الصراع؟!

سيناء أو أرض الفيروز كما يطلق عليها هي تلك المنطقة الواقعة على الحدود الشمالية الشرقية لمصر، وتبلغ مساحتها حوالي 60 ألف كم مربع، وبرغم كون مساحتها لا تتجاوز 6% من مساحة مصر وعدد سكانها لا يتجاوز المليون ونصف من عدد السكان الإجمالي لمصر البالغ قرابة التسعين مليوناً؛ إلا أن هذه البقعة كانت وما تزال في قلب الأحداث وساحة صراع لا يتوقف، نظراً للبعد الديموغرافي والسياسي والاقتصادي الذي تمثله بالنسبة لمصر والمنطقة كلها.

إهمال تاريخي لسيناء وأهلها

      نالت سيناء قدرا كبيرا من الإهمال، وكان يُنظر لأهلها نظرة دونية, وشكًا دائما في ولائهم، فأبناء سيناء لا يدخلون الجيش ولا الشرطة ولا السلك الدبلوماسي، ولا يتولون مناصب كبيرة في الدولة، فضلا عن انعدام الخدمات والمشروعات الاقتصادية، بل والغياب الكامل للأمن والقانون في المنطقة الشمالية، وغياب أبسط حقوق أهل سيناء من حق التملك للأراضي التي يعيشون عليها، هذه الحالة من التوتر والشك انعكست على علاقة أهالي سيناء بالدولة المصرية للدرجة التي جعلت للمنطقة قانونها وأعرافها ومحاكمها الخاصة التي يقوم عليها شيوخ القبائل وحكماؤها

وقد طالب أهل سيناء بحقوقهم المهدرة واستعادة كرامتهم المفقودة على أيدي أجهزة الأمن التي طالما تعاملت معهم على أنهم جسد غريب عن بقية البلاد؛ حيث توسعت في عمليات اعتقالهم ولاسيما بين عامي 2004 -2006 بعد سلسلة التفجيرات في طابا وشرم الشيخ بجنوب سيناء.

مجتمع على هامش القانون

     وكشأن كل المجتمعات الإنسانية فيها الصالح والطالح؛ فإن بعض أهل سيناء لجأ إلى تجارات غير مشروعة مثل تجارة المخدرات والسلاح والتهريب و تسهيل الهجرة غير الشرعية، بل وفي بعض الأحيان القيام بعمليات خطف واحتجاز للسائحين وبعض العاملين في أجهزة الأمن للمطالبة ببعض الحقوق ولاسيما الإفراج عن بعض المعتقلين والمحكوم عليهم في قضايا مختلفة، وعادة كان يتم تسوية هذه الأمور بطريقة عرفية خارج إطار القانون بمشاركة أجهزة الدولة التي يفترض أن تقوم بتطبيق القانون لا رعاية الخارجين عليه.

نشأة الجماعات التكفيرية في سيناء

     في هذه الظروف الاستثنائية الطويلة مثَّل الجزء الشمالي من سيناء مأوى للخارجين على القانون والفارين من أحكام مشددة كشأن كل المناطق النائية البعيدة عن أعين أجهزة الأمن، ولكن الذي زاد الطين بلة هو لجوء الآلاف من العناصر التكفيرية المسلحة إلى الاختباء بجبال سيناء وكهوفها بل وببعض قراها هربًا من الملاحقة الأمنية داخل مصر، أو استقرارًا فيها بعد جولة في عدد من ساحات المعارك خارجها قادمين من أفغانستان والشيشان والصومال والسودان وغيرها من البلاد التي سافر إليها الشباب المصري وغيره بغرض الجهاد، ولكن بعد توقف القتال في هذه البلاد أو تغير الخريطة السياسية بها أصبح هؤلاء الشباب مطلوبين للعديد من الأجهزة الأمنية حول العالم، وأصبحت سيناء هي المستقر الآمن لهم لطبيعتها الجبلية شديدة الوعورة، ولوجود حاضنة شعبية قوية.

     وهكذا تشكلت في سيناء مجموعات جهادية جديدة، قامت فيها العناصر المدربة في هذه المجموعات  تدريب الوافدين الجدد الراغبين في الجهاد أو الباحثين عن ملجأ آمن يقيهم من الملاحقات الأمنية، وتكونت عقيدة قتالية عند هذه المجموعات على تنوع خلفياتها الفكرية، ولم تتجاوز أعداد هذه المجموعات الأربعة آلاف حتى يومنا هذا ولكن تأتيهم إمدادات مالية وعسكرية كبيرة وتشير خلفياتهم الفكرية وسابق علاقاتهم إلى طبيعة الجهات الداعمة لهم ولكن على أية حال ظلت العمليات التي تقوم بها هذه المجموعات موجهة إلى اليهود فحسب ولاسيما عمليات تفجير أنابيب الغاز الواصلة عبر سيناء إلى إسرائيل.

ظهور جماعة أنصار بيت المقدس

وكانت الجهة الوحيدة التي تعلن مسؤوليتها عن مثل هذه الأحداث من أطقوا على أنفسهم (تنظيم أنصار بيت المقدس) الذي يقال: إنه نشأ على خلفية جماعة التوحيد والجهاد التكفيرية بسيناء. 

     وقد طور التنظيم عملياته بعد ذلك إلى استهداف الجنود والضباط المصريين على الحدود مابين مصر وغزة بل والقيام بعمليات في العمق الداخلي المصري تحت دعوى أن النظام المصري حليف موالٍ لإسرائيل، ويعينها بغلق الأنفاق والمعابر؛ مما يضيق على أهل فلسطين، ويزيد صعوبة مهمة المجموعات القتالية التي تواجه إسرائيل.

     كانت نقطة التحول الأهم في عمليات تنظيم أنصار بيت المقدس إطلاق صواريخ عدة من سيناء على إسرائيل، ثم تفجير عدد من أنابيب الغاز، ثم استهداف 17 جنديا مصريا من قوات حرس الحدود وذلك في النصف الأخير من عام 2012م الذي حمل لمصر أول رئيس مصري منتخب بعد الثورة وهو الدكتور محمد مرسي المنتمي لتنظيم الإخوان المسلمين؛ مما أوقعه في مأزق سياسي وشعبي كبير فمن جهة هو متعهد بحفظ بنود معاهدة السلام مع إسرائيل، ومن جهة هو مطالب بالأخذ بالثأر للجنود القتلى، ومطالب بحفظ شعبيته داخلياً، وكذلك صورته بوصفه قائداً أعلى للقوات المسلحة، ومن جهة أخرى فقد كان المتوقع من أول رئيس إسلامي في مصر تقريب المسافات مع حماس والاصطفاف معها في خط المواجهة مع إسرائيل بحسب ما جاء في أدبيات وفاعليات حركة الإخوان المسلمين منذ الأربعينيات حتى سمحت لهم الظروف بتولي سدة الحكم في مصر.

     كان التصرف تقليدياً مشابهاً لقرارات الرئيس المعزول مبارك، وذلك بغلق الأنفاق وهدمها وغلق المعابر بصورة شبه كاملة وتجريد عملية عسكرية في سيناء هي الأضخم منذ معاهدة السلام وتم إطلاق (النسر) اسماً للعملية العسكرية، وأسفرت العملية عن مقتل المئات من العناصر التكفيرية في سيناء إلا أنها لم تخل من تجاوزات بحق أهل سيناء أنفسهم؛ حيث كان المسلحون يتترسون في بيوت الأهالي، بل إن بعض الأهالي أنفسهم كانوا يقومون بحماية بعض المسلحين الأمر الذي زاد من صعوبة مهمة الجيش والمخابرات الحربية المصرية.

     النتيجة النهائية لهذه العملية برغم ضخامتها هو شعور الجميع بعجز الرئيس السابق د. مرسي وعدم قدرته على إنهاء هذا الملف بطريقة مرضية لأي من الأطراف، ولم يشفع له على المستوى الشعبي إقالة محافظ سيناء ومدير أمنها ومدير المخابرات العامة وقائد الحرس الجمهوري وإجراء تغييرات عدة بالأجهزة الأمنية والسيادية، ولم يهنأ الدكتور مرسي كثيراً بعد هذه الخطوة؛ إذ جاءت عملية خطف 7 جنود مصريين في رفح لتوجه ضربة شديدة له وللجيش ولاسيما مع ظهور فيديو للجنود يتوسلون للسلطات المصرية بتنفيذ شروط الخاطفين بالإفراج عن عدد من القيادات التكفيرية المعتقلة، وبعد مدة طويلة أثارت ضيق الجميع تم تسوية الأمر بمعرفة شيوخ القبائل والإفراج عن الجنود المختطفين.

تصعيد متبادل بين الجيش والجماعة

     لم تتوقف عمليات تنظيم بيت المقدس بل ازدادت وتيرتها ونوعيتها ولاسيما بعد عزل د. مرسي في يوليو 2013 وتولي المشير السيسي، ولاسيمامحاولة اغتيال وزير الداخلية السابق اللواء محمد إبراهيم، ليس هذا فحسب؛ بل أعلن تنظيم بيت المقدس ولاءه للدولة الإسلامية المزعومة في العراق وسوريا وغير اسمه إلى (ولاية سيناء)؛ الأمر الذي رفع سقف التحدي للرئيس السيسي الذي تولى الحكم في البلاد خلفاً للدكتور مرسي مع وعود عريضة بالقضاء على الإرهاب.

تناقض غريب

     العجيب في الأمر أن المجموعات التكفيرية في سيناء قبل إعلان ولائها للبغدادي أمير الدولة الإسلامية وبعده، كانت تكفر النظام المصري بأكمله وعلى رأسه د.مرسي، بل وتكفر جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين بزعم قبولهم جميعاً بالعمل السياسي واتخاذ الأساليب الديموقراطية الحديثة، وسبب العجب هنا هو ما اعتاد تنظيم ولاية سيناء على إعلانه عقب القيام بعملياته ضد الجيش المصري من أنه يقوم بهذه العمليات انتقاماً من الجيش والنظام المصري بسبب تجاوزاته في حق الإخوان رجالاً ونساء ولاسيما بعد عملية فض رابعة وما تبعها من ملاحقات أمنية لأعضاء الجماعة وحدوث تجاوزات بحق أفرادها.

تحول خطير في مسار الجماعة

     التحول الثاني لتنظيم ولاية سيناء هو الدعوة إلى استهداف القضاة بعد مقتل ثلاثة من القضاة في سيناء مع إعلان التنظيم مسؤوليته عن ذلك، ثم كان الحادث الأكبر باغتيال النائب العام المصري المستشار هشام بركات، وبالرغم من عدم إعلان التنظيم مسؤوليته رسمياً عن الحادث إلا أن أصابع الاتهام توجهت إليه تلقائياً ولاسيما مع إعلان الكثير من المحللين الأمنيين أن عملية الاغتيال تحمل بصمات التنظيم المعروف سابقاً باسم أنصار بيت المقدس، بعد ذلك بساعات تم الهجوم على عدد من الكمائن الأمنية للجيش المصري ومواقع تمركزه؛ مما أدى إلى مقتل العشرات من الجنود والضباط المصريين فيما يعد تصعيداً خطيراً من جانب التنظيم الأمر الذي جعل الجيش المصري يقوم بأكبر عملية من نوعها في سيناء مصحوباً بعدد هائل من المدرعات والآليات والطائرات الأباتشي في حملة واسعة النطاق أكبر من العملية السابقة نسر التي أعقبها عمليات إخلاء لأهالي منطقة رفح والشيخ زويد وعمل منطقة حدودية عازلة بعمق كبير داخل الأراضي السيناوية وهو الأمر الذي أثار ضيق الأهالي سابقًا بسبب ترحليهم عن بيوتهم ومزارعهم وعدم كفاية التعويضات التي صرفها لهم الجيش للانتقال بحياتهم إلى موضع آخر.

     العملية الأخيرة للجيش المصري يبدو أنها في غاية الشدة والعنف على ما يبدو من الإعلانات اليومية التي يقوم بها المتحدث العسكري، وتفيد بمقتل المئات يومياً من أعضاء التنظيمات المسلحة وكذلك هدم أماكن تمركزهم وآلياتهم وأسلحتهم والاستيلاء عليها وتدميرها، التغير الجديد هو أن زعماء القبائل والعشائر السيناوية أعلنت هذه المرة وقوفها الكامل مع الجيش المصري في عملياته العسكرية بل والدفع بأبنائهم لمعاونة الجيش في هذه العمليات، وهو ما يعد تحولاً أساسياً في العلاقة بين أهالي سيناء من جهة والجهات الأمنية من جهة أخرى والتي كانت تواجه صعوبات عديدة في السابق في الحصول على المعلومات الاستخباراتية الدقيقة؛ مما يجعل مهمتها شبه مستحيلة لاسيما مع الطبيعة الصخرية والوعورة الشديدة للأماكن التي يختبئ فيها المسلحون

قانون مكافحة الإرهاب وتبعاته

     على جانب آخر طالب الرئيس المصري المنظومة القضائية بالتعجيل في إصدار تعديلات على قانون الإجراءات الجنائية وقانون مكافحة الإرهاب، وهو ما يشير إلى أن الدولة نفد صبرها في التعامل مع هذا الملف، فلا مجال للمناورات السياسية هنا، وهناك قدم ثقيلة ستوضع في الساحة، للدرجة التي أرعبت الصحفيين المهددين بعقوبات مشددة في حال نشرهم معلومات مغلوطة أو خرق منع النشر في بعض القضايا، الجانب الأخطر هو أن هذه التعديلات على القوانين المذكورة موجهة بالدرجة الأولى ضد من تجري بشأنهم محاكمات في المحاكم المصرية بتهم الإرهاب وغيره ومن أبرزهم القيادات الإخوانية لا سيما المرشد العام والرئيس السابق د.مرسي، وهو ما ينذر بتصعيد شديد من قبل النظام المصري في مواجهة جماعة الإخوان، التي بدورها أدانت حادثة اغتيال النائب العام.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك