رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: حاتم محمد عبد القادر 12 يوليو، 2011 0 تعليق

بعد الربيع العربي الأسرة من يحكمها .. قوانين الأرض أم تشريعات الإسلام-«الخلع» في مصر يحتاج إلى إعادة نظر في تطبيقه حتى يتوافق مع الشريعة بدقة

 

 

لم يكن مؤتمر بكين للسكان الذي انعقد منذ أكثر من 15 عاماً مجرد مؤتمر انعقد لعدة أيام في العاصمة الصينية بكين ليتوقف الأمر عند الحديث عنه إعلامياً، لعرض ومناقشة قوانين خاصة بالأسرة تريد منظمة الأمم المتحدة فرضها على جميع دول العالم مهما كانت معتقدات وديانات هذه الدول وتقاليدها وثقافاتها.

 

ولكن هناك متابعات دورية وعلى مدار العام من خلال المنظمة الأممية ولجنة مركز المرأة التابعة لها وبمعاونة منظمات المجتمع المدني المنتشرة في دول العالم وللأسف في الدول الإسلامية والعربية تنشط هذه المنظمات الممولة من دول الغرب لنشر هذه الثقافات التي تتعارض مع قوانين الشريعة الإسلامية.

فما زالت المنظمة الأممية ولجانها وتابعوها لا يألون جهداً في تنفيذ مخططاتهم لمسخ الهوية الإسلامية، وتدور هذه المحاولات علناً وليس سراً ؛ حتى لا يتهمنا أحد بأننا واقعون تحت تأثير نظرية المؤامرة، حين نبرز وقائع هذه المؤامرة بالأدلة واعترافات أصحابها تحت دعاوى المساواة بين الرجل والمرأة ومحاربة التمييز بينهما والعنف ضد المرأة ... إلخ.

وبعد التغييرات العربية الأخيرة وبخاصة في مصر وتونس فإننا نتوقع أن تتغير القوانين المتعلقة بالأسرة والتي خالفت فيها القوانين الشريعة الإسلامية مخالفة صريحة؛ مما أدى لتشتيت الأسرة

و تشريد الأولاد وضياع قوامة الرجل وولايته على زوجته وأولاده، فأصبحت الزوجة في حل من أمرها والأولاد أيضاً، فقد اتفق الجميع على الرجل الذي كلف من رب العالمين بالرعاية والحفاظ والمسؤولية الكاملة عن النفقة والمسكن والرعاية الصحية والتعليم وكل شؤون الحياة مزيلاً هذا الهم عن المرأة، وفي ذلك تكريم لها ما بعده تكريم.

والآن وبعد هذه الأحداث التي من المفترض تصورنا أنها تحمل معها الخير الكثير، فلا شك أن أول ما ينظر إليه هو حال الأسرة .. فماذا يحكم الأسرة، قوانين الأرض أم قوانين السماء؟!

من يطلع على أحوال وقوانين الأسرة في كل من مصر وتونس خلال الحقب الزمنية الأخيرة يتبين له مخالفات صريحة في أغلبها لشرع الله فيما يتعلق بالحقوق والواجبات بين الرجل وزوجته وأولادهما أيضاً.

قانون الخلع

ففي مصر تمكنت المرأة بسبب المدعو (المجلس القومي للمرأة) من إحكام السيطرة على الرجل وفرض سيطرتها بعد أن أقر مجلس الشعب قانون الخلع، وبالطبع روجوا أنهم أخذوا القانون من الشريعة الإسلامية، وصحيح أن الخلع في الشريعة الإسلامية، له ضوابط وحدود ولكن ما يحدث في هذا الزمان أن الخلع يطلب لأسباب غير التي أقرتها الشريعة الإسلامية، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن الخلع زمن تنفيذه أسرع من الطلاق، فلا يستغرق سوى 6 أو 8 أشهر أو سنة على الأكثر، فكان حيلة أسرع للمرأة المصرية، والأهم من ذلك كله أنه أوجب على القاضي تنفيذه بغض النظر عن أي شيء؛ لأن القاضي كان لا يطلق إلا بصعوبة شديدة وخصوصاً إذا نتج عن الزواج أطفال، فكان ينظر بعيداً إلى مصلحة الصغار وحتى لا تشتت الأسرة.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد أعطى قانون الأسرة المصري كامل الحق لحضانة الأم لأطفالها حتى سن الخامسة عشرة للولد ثم يخير بعدها بين الإقامة مع أبيه أو أمه  والبنت حتى تتزوج.

كما جعل الولاية التعليمية للأم وممنوع على الأب أن يقترب من مدرسة ابنه أو يتابعه ويقوم على شؤونه أو يقترب منه، فليس له أي حق سوى رؤية أسبوعية لمدة 3 ساعات في إحدى الحدائق العامة أو مقر الحزب الوطني (المنحل)، وليس للجد أو الجدة أو الأعمام أو العمات أو الإخوة من الأب حق رؤية الصغير الذي بينه وبينهم صلة رحم.

أما تونس فقد حرمت قوانينها تعدد الزوجات في مخالفة صريحة للشريعة الإسلامية، وفتحت الباب واسعاً للخيانة الزوجية حتى ولو علم الطرف الآخر، مادمنا عطلنا ما أحله الله وبقانون، فلا ينتظر سوى المحرمات.

القوانين الهدامة للأسرة

كل هذا ومازالت القوانين الهدامة للأسرة المسلمة تُحاك وتُصاغ في منظمة الأمم المتحدة وقد رصدت لها الأموال الطائلة وتطوَّعت منظمات مدنية لتنفيذ أجندتها ومعها الهيئات الرسمية وغير الرسمية لتضمين مناهج التعليم في بلادنا لهذه الثقافات، وفي هذا وجدنا أناساً من المتأثرين بالفكر الغربي وعناصر نسائية من المتشدقات بمسألة حق المرأة وتمكين المرأة ... إلخ وللأسف منهن زوجات رؤساء دول كن يقمن بأنفسهن على هذه المشروعات بالوكالة لترسيخ مفاهيم الجندر والشذوذ في بلادنا.

ولعل أبرز وقوف ضد ذلك موقف الأزهر الشريف من مؤتمر القاهرة للسكان في عام 1994 وكان شيخ الأزهر وقتها فضيلة الإمام الأكبر الشيخ جاد الحق علي جاد الحق (رحمه الله) الذي هاجم بشدة هذا المؤتمر رافضاً لكل ما جاء به من مقررات، وقد دوى هجوم الأزهر

وانتقاده في العالم كله مما أحرج الحكومة حينها، ومن وقتها لم يقترب هذا المؤتمر من عتبات القاهرة مرة أخرى.

ولكن لم تتوقف الجهود والمساعي، بل ظلت دكاكين وبوتيكات حقوق الإنسان والمنظمات الممولة من الخارج والمرتبطة بالمنظمات الأممية ساعية للترويج لمسألة المساواة التامة بين الرجل والمرأة في كل الحقوق والواجبات، حتى في الأعمال المنزلية، وفي حقوق العمل لدرجة الدعوة لأن تعمل المرأة بالأعمال الحرفية مثل النجارة أو قيادة السيارات النقل أو الميكانيكا وغيرها.

العلماء الربانيون همهم الأول هو تحقيق العدل والطموح إلى تحصيل المصالح وتكميلها وإلغاء المفاسد وإبعادها عن المجتمع المسلم وهذا سبيلهم لم يحيدوا  عنه، وحتى في مسألة التغيير في العالم العربي لهم وجهة نظر (ولكن ليس مجالها الآن) وعلى أية حال ففي السطور التالية ننقل لكم كلاماً رسمياً مما جاء في آخر اجتماع للجنة مركز المرأة بالأمم المتحدة  بمناسبة مرور خمسة عشر عامًا على المؤتمر العالمي الرابع للمرأة، والذي شارك فيه ائتلاف المنظمات الإسلامية والذي ضم ثماني مشاركات من مصر والأردن وماليزيا ولبنان.

وفي هذا الاجتماع تم مناقشة مدى التزام الحكومات بتنفيذ وثيقة بكين والتعرف على العقبات التي واجهت الحكومات في تطبيقها، واقتراح الحكومات للتغلب على تلك العقبات. وقد أجمعت معظم التقارير على أن العقبات تتمثل –غالبًا- في الأديان والقيم والثقافات.

وثيقة بكين

وبالطبع عندما حاولت حكومات الدول الإسلامية تمرير وثيقة بكين كان لا بد من إيجاد أكثر من ألف عقبة وليس عقبة واحدة بعد أن نعرف أن التالي كان هو المطلوب:

• الإلحاح الشديد على ضرورة تقديم خدمات الصحة الإنجابية للمراهقين، والتي تشمل التدريب على استخدام وسائل منع الحمل، ثم توفير تلك الوسائل لهم بالمجان أو بأسعار رمزية، ثم تقنين الإجهاض للتخلص من الحمل غير المرغوب.

• الإصرار على تطبيق مساواة الجنَدر، بما يعني إلغاء كافة الفوارق بين الرجل والمرأة، سواء الفوارق في الأدوار أو الفوارق في التشريعات، خاصة على مستوى الأسرة، كما يشمل المصطلح الاعتراف بالشواذ ومنحهم كافة الحقوق من باب المساواة بين (الأنواع المختلفة).

• الاستنكار الشديد لاختصاص النساء برعاية المنزل والأطفال والزوج، وتسميته (بالتقسيم الجندري للعمل داخل الأسرة والمطالبة بالقضاء على ذلك التقسيم، ومن ثم إلزام الرجال (إلزامًا قانونيًّا) باقتسام كافة الأعمال المنزلية مع النساء، وذلك بحجة أن النساء فقيرات بسبب قيامهن بالأدوار غير مدفوعة الأجر، بينما الرجال أغنياء بسبب قيامهم بالأعمال مدفوعة الأجر!! كذلك لينمو الأطفال منذ الصغر وقد ارتبطت في أذهانهم أن رعاية الأسرة والمنزل ليست من اختصاص النساء!! وقد تم التركيز هذا العام على فقر المرأة واستخدامه كمدخل يسرع من تحقيق المساواة التامة التي تسعى الى تحقيقها هيئة الأمم المتحدة وذلك عن طريق دفع المرأة دفعًا للخروج من المنزل واقتحام سوق العمل مع الرجال لكي تعمل عملاً (مدفوع الأجر)، وفي المقابل إجبار الرجال على اقتسام الأعمال المنزلية مع النساء، ومن ذلك اقتسام إجازة رعاية المولود، ومحاولة تطبيق ذلك عن طريق القانون. ولا يخفى على عاقل ما لهذا الأمر من أثر خطير على الأسرة؛ حيث سيؤدي إلى إلغاء قوامة الرجل في الأسرة، كما سيؤدي إلى صرف المرأة عن مهمتها الرئيسية في الأسرة وهي تربية أبنائها ورعاية بيتها.

• المطالبة الصريحة والملحة بالتساوي المطلق في التشريعات الخاصة بالأسرة: في الزواج، والطلاق، والميراث، وسائر أحكام الأسرة. وتعد هذه وسيلة ملتوية للالتفاف على التحفظات التي وضعتها الدول على اتفاقية سيداو، وذلك بإعادة صياغة البنود المتحفظ عليها في شكل بنود جديدة في الوثائق السنوية الجديدة.

التمكين السياسي للمرأة!

وقد كان التركيز واضحًا هذا العام على التمكين السياسي للمرأة، وذلك بزيادة أعداد النساء في البرلمانات كهدف رئيسي لا بد من تحقيقه خلال العام القادم. وعلى التوازي، هناك الإصرار على تمكين المرأة اقتصاديا واعتباره وسيلة.

وحول هذا يقول أ.د/ عبدالغفار هلال، المفكر الإسلامي والأستاذ بجامعة الأزهر : بعد هذا الربيع العربي وحوادثه سيحكم الأسرة الإسلام ؛ لأن بقية الشريعة التي ينتظر فيها أن تبقى هي نظام الأسرة؛ لأن الشريعةأبعدت عن مجالات كثيرة، لكن لا يجوز بأي حال من الأحوال استمرار التغييرات التي طرأت على قوانين الأحوال الشخصية التي قامت بها قرينة الرئيس السابق وشركاؤها ومن التف حولها من النسوة اللاتي كن يردن إفساد الحياة الزوجية ، فما كثرت حالات الطلاق وتشريد الأسر إلا من باب هذه التغييرات والتعديلات التي أدخلت على قانون الأسرة، فمثلاً ما أسموه، بالخلع قضية من قضايا الفقه لكن بشروط وهذه الشروط أضاعوها، فمثلاً من المفترض في قانون الخلع في الإسلام أن يؤخذ رأي الزوج ولا ينفذ إلا بموافقته، وهذا ما جاء في قصة المرأة التي جاءت الرسول [ تخبره بأنها لا تحب زوجها ولا تريده، وقالت: إني أكره الكفر في الإسلام، فقال [: أتردين عليه حديقته، فقالت: نعم، فقال للزوج أتقبل حديقتها؟» فقال الزوج نعم أقبل الحديقة، ولكن القانون هنا ألغى موافقة الزوج.

ولكن ما حدث في هذا الربيع العربي يبشر بالرجوع إلى شرع الله.                          

أما أ.د/ عبدالحليم عويس، الأستاذ بجامعة الأزهر فيقول: أنا أرى أن القوانين الأرضية الآن تقترب جداً من قوانين السماء، على عكس ما حاوله النظام السابق الذي وقع على قوانين الأسرة الدولية التي تسمح بزواج الرجل من الرجل والمرأة من المرأة فينتشر اللواط والسحاق بين الناس، إلا أن طبيعة الشعب المصري رفضت ذلك؛ لأنها على فطرة سليمة، حتى النصارى منهم رفضوا ذلك؛ لأن النصرانية نفسها ليس فيها لواط ولا سحاق.

 والحكومة الآن تنصت للشعب كله مهما اختلفت طوائفه، ولا يمكن أن تمرر مثل هذه القوانين مرة أخرى وسنكون لها بالمرصاد، مهما حاولت القلة الباقية التي ما زالت تنعق بمزيد من الحرية والحقوق لأخلاقيات يحرمها الإسلام وترفضها الفطرة السليمة.

خاتمة:

إن الحرب على الإسلام ستستمر ومهما كانت الأنظمة واختلفت، فلا يتصور أحد أن ثورة هنا أو ثورة هناك بمقدورها أن تغير الأحوال في يوم وليلة ؛ لأن هناك إشكالية ما زالت باقية، وهي أن الأنظمة والقوى الخارجية التي كانت تدعم وتحمي الأنظمة التي أسقطتها انتفاضة بلادها هي نفس القوى التي يتعاون معها القائمون بهذه الانتفاضات ويطلبون منها الدعم والتعاون .. ولكن يبقى الأمل في أن تظهر قوى متسلحة بالإسلام حتى تتصدى لمحاولات القضاء على هويتنا وأصوليتنا، على يقين من أن قوانين السماء هي الغالبة والباقية بعون الله تعالى.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك