بعد الحادث الإرهابي الذي استهدف المسلمين في نيوزيلندا – الإرهاب لا ينحصر في دين أو جنس أو جنسية
تؤكد الأحداث العالمية أن الإرهاب لا ينحصر في دين، أو جنس، أو جنسية، أو عرق بعينه؛ فالإرهاب القائم على انحراف فكري وهو ما نطلق عليه التطرف، نشاهد نماذجه موجودة في الفئات السابق ذكرها كافة.
ولعل أهم الجرائم الإرهابية التي وقعت في الآونة الأخيرة هو ما ارتكبه الإرهابي الأسترالي اليميني المتطرف (برينتور تارنت) يوم الجمعة 15مارس 2019 من جرم أدى لقتل 50 مصلياً من المسلمين داخل مسجدين بمدينة (كرايست تشيرش) بنيوزيلاندا، وأصاب العشرات أيضاً مستخدماً بندقية رصاص، ومرتدياً خوذة ونظارة وسترة عسكرية، وفككت الشرطة عبوات ناسفة عُثر عليها في سيارته، وأدانت رئيسة وزراء نيوزيلندا (جاسيندا أرديرن) الحادث في أول تعليق رسمي على الهجوم، ولكنها لم تعده عملاً إرهابياً!!
تفاصيل الحادث
استيقظ الإرهابي يوم الجمعة باكرًا، وارتدى زيًّا عسكريًّا، ثم حمل سلاحه، وثبت كاميرا فوق رأسه، وتوجه إلى أكبر مسجدين في مدينة (كرايست تشيرتش) بجزيرة (ساوث آيلاند) في نيوزيلندا، وقدّم عرضًا استثنائيًّا ومباشرًا لمتابيعيه على موقع (فيس بوك) -مدته 17 دقيقة-، وهو يفتح النار على المصلين الذين فرقتهم الطلقات بين أروقة المسجد، حاصدًا أرواح نحو 40 مُصليًا ممن طالته فوهة بندقيته التي كُتبت عليها عبارات: أهلًا بكم في الجحيم، هنا معركة فيينا التي خسرتها الدولة العثمانية، وكانت نهاية توسعها في أوروبا، هنا توقف تقدم الأندلسيين في أوروبا.
الإرهاب الغربي
وكما ذكرنا أن الإرهاب ليس كما يروج له على أنه إرهاب إسلامي فقط؛ فقد ارتكتب الميليشيات الإرهابية الغربية العديد من الجرائم الإرهابية، ومن ذلك اليمين المتطرف في أوربا وأمريكا؛ فهذا اليمين لا يقبل الآخر، وقد ارتكب هؤلاء المتطرفون العديد من الجرائم الشائنة التي لا تقل وحشية عما تفعله الجماعات الإرهابية، ونشير بإيجاز لجانب من هذه الجرائم.
استهداف مقر الحكومة النرويجية
(أندرس بريفك) 32 سنة، نرويجي، التحق عام 1999 بحزب (التقدم) اليميني المتطرف، ثم تركه عام 2006 لانفتاح الحزب على التعددية الثقافية، وفي 22 يوليو 2011 قتل بريفك (8) أشخاص وجرح (209) في أوسلو بعد أن استهدف مقر الحكومة النرويجية بتفجير قنبلة، ثم قتل (67) وجرح (33) مشاركاً في مخيم صيفي لشباب ينتمون للحزب الحاكم بجزيرة أوتويا، وحكم عليه بالسجن 21 عاماً.
الهجوم على كنيسة (بساوث كارولينا)
(ديلان رووف أمريكي) (21 سنة)، هاجم يوم الأربعاء 17 يونيو 2015 كنيسة في الثامنة مساء تقريبا بالتوقيت المحلي لمدينة (شارلستون) بـ(ساوث كارولينا) وقتل تسعة من المصلين أصحاب البشرة السمراء رمياً بالرصاص، وحُكم عليه بالإعدام.
قتل 11 يهوديا بولاية بنسلفانيا الأمريكية
(روبرت باورز)، أمريكي، 48 سنة، قتل 11 يهوديًا في كنيس يهودي بولاية بنسلفانيا الأمريكية في 27 أكتوبر 2018، وحُكم عليه بالإعدام.
تنقية بلادهم
وجدير بالذكر أن جانبًا من هؤلاء اليمينيين المتطرفين يرون ضرورة تنقية بلادهم من كل ما هو غير أبيض البشرة، لتعود خالصة لهذا الجنس وحده، وآخرين يدعون لإخراج اليهود والمسلمين من بلادهم، ومنهم أيضًا - تارانت- من ينادي بعودة تركيا إلى ما وراء البسفور (أي تخرج من أوروبا) مع أخذ الثأر مما فعله السلطان محمد الفاتح قبل مئات السنين عندما توجه بجيوشه فأسقط بيزنطة.
كنيسة آيا صوفيا
وتعهد الإرهابي بأن كنيسة آيا صوفيا ستعود لأصحابها، وسيزال المسجد الذي أقيم فيها؛ ولقد كانت إشارة التوعد والتهديد بالقوة التي رسمها (تارانت) بأصابعه وهو يَمثُل أمام قاضى التحقيق أبلغ من أي حديث؛ فالرجل مقتنع بما اقترفت يداه، ولا يشعر بالندم، بل يحسب أن له مهمة مقدسة، هذه هي سمات الشخصية اليمينية المتطرفة.
قراءة في أبعاد الحادث
وذكر بعض الخبراء والمحللين السياسيين أن هذا الحادث يعطي أبعادا لابد من الانتباه لها وهي:
- أولا: درجة الرعب التي تعيشها الثقافة الغربية من اضمحلال هويتها أمام موجات اللاجئين التي تضرب بلادهم منذ 2012م.
- ثانيا: كيف طالت تداعيات الحرب الدائرة بالشرق الأوسط بلادا تبعد عنها آلاف الأميال، وتفصل بينها بحار ومحيطات.
- ثالثا: تأثير الخطاب العنصري العرقي المتزايد بتلك الدول وكيف جاء تأثيره؟ وكيف يستغله اليمين المتطرف؟
- رابعا: مدى نفوذ اليمين المتطرف المتصاعد الذي جاء رد فعل على موجات اللاجئين التي ضربت تلك البلاد، وهددت أمنها مباشرة، حتى شاهدنا كيف أن دولة مثل السويد كانت أكثر دول العالم أمانًا تعاني الأَمَرَّينِ.
فحادث نيوزيلندا الإرهابي يدق جرس إنذار صريح تجاه شكل المستقبل بين المجتمعات الغربية والجاليات المسلمة به، وكيف باتت الثقافة الغربية تستشعر الخطر على هويتها من اللاجئين، وكيف يستغل ذلك اليمين المتطرف؟
قال الدكتور إبراهيم أبومحمد -مفتي أستراليا ونيوزلندا-: إن الحادث الإرهابي الذي وقع في نيوزلندا، الجمعة الماضي، حالة شاذة؛ حيث إن الشعب النيوزلندي محترم، والجالية المسلمة متعايشة مع جميع الديانات الأخرى، عموما يوجد تعاون بين الجالية المسلمة في أستراليا مع جميع مجتمعات القارة، مضيفًا أن «العلاقة بين الجالية المسلمة وبين المجتمع النيوزلندي محترمة للغاية، وما حدث لن يؤثر عليها رغم أنه أشبه بالزلزال؛ فالمجتمع النيوزلندي يتسم بالتلاحم».
وتابع: لابد أن نتعاون مع المجتمعات الأخرى؛ لتكوين ثفافات مختلفة ولا يجوز أن يكون التطرف جزءا من هذا التكوين؛ فالتطرف خطر على المجتمعات كلها، ويؤثر بالسلب على أي مجتمع، ولاسيما النازية الجديدة التي بدأت في الظهور مؤخرا؛ لأننا نواجه مرضا واحدا، ولابد أن ننفتح عليها لمواجهة ذلك المرض.
لاتوجد تعليقات