رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 24 يناير، 2016 0 تعليق

بسبب العجز عن وقف انتهاكات الميلشيات الطائفية واستمرار الدعم الإقليمي ديالى العراقية تشهد إبادة عرقية

لم يوقف رحيل المالكي مسلسل الإبادة العرقية ضد المحافظة، ووصلت لأوجها وقت سيطرة تنظيم الدولة عليها

ما يجري في ديالي امتداد لما شهدته منذ عام 2013 ضمن مخطط إبادة طائفية وتغيير ديمغرافي ضد سكانها من العرب السنة

الحكومة عمدت إلى عدم تسليح العشائر السنية في ديالي والمحافظات الأخرى، مقابل تسليح المليشيات الطائفية ليتسنى لهم إحداث تغيير ديمغرافي كما يحلو لهم من دون أي مقاومة تذكر

اعتبر محللون أن ما تشهده محافظة ديالي في العراق من انتهاكات على أيدي المليشيات الطائفية يمثل إبادة عرقية  وتهجيراً قسرياً بحق سكان المدينة؛ لفرض واقع ديمغرافي جديد، وتشهد محافظة ديالي، تزايدًا كبيرا في الجرائم التي ترتكبها الميليشيات الطائفية المدعومة من جهات إقليمية بحق سكان المدينة منذ تحريرها من أيدي تنظيم (داعش) العام الماضي، لاسيما في منطقة المقدادية التي شهدت خلال أسبوع حرق 9 مساجد وعشرات المنازل والمحلات التجارية وقتل المئات من سكانها، ويتهم سكان المدينة الحكومة المركزية في العراق بـ(العجز) عن وقف المليشيات عن ممارساتها، والتواطؤ أحيانًا في السماح للمليشيات باقتحام المدينة.

موقع استراتيجي

     تعد ديالي هي المحافظة العراقية الأقرب لإيران، وتقطنها أغلبية سنية، ومع ما تمثله المحافظة من عمق استراتيجي، فإن خبراء يشيرون إلى دعم إقليمي لتحركات الميليشيات الطائفية من أجل إحكام السيطرة على المحافظة الاستراتيجية بالنسبة لها؛ حيث أكدوا على أن ما تشهده المحافظة، يستهدف فرض واقع ديمغرافي جديد يجعل من المحافظة التي يعد موقعها الجغرافي موقعًا استراتيجيًا لكونه «أقصر الطرق إلى بغداد»؛ وحلقة وصل جغرافي آمنة تصلها بالعاصمة العراقية.

بداية القصة

قبل عام واحد من الآن وتحديدًا في الخامس والعشرين من يناير الماضي، استعادت الحكومة العراقية محافظة ديالي بالكامل من سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ومباشرة بعد هذا التحرر عاودت المليشيات الطائفية عملياتها في المحافظة.

     وهناك ميليشيات عراقية عدة تقف خلف عمليات القتل والخطف والتهجير في ديالي، وفقا لما تشير إليه التقارير؛ حيث تُحكم هذه الميلشيات المقدر عددها بالآلاف سيطرتها على مناطق متعددة من ديالي علنياً؛ حيث قامت بتفجيرات عدة ضخمة وقع ضحيتها العشرات من القتلى، فضلا عن عمليات الإعدام والاغتيالات وتهجير السكان المحليين وتفجير مساجدهم، وأحيانا بقتل المشايخ والأئمة والخطباء، ومنهم الشيخ عبدالرحمن الدليمي الذي قتل بعد (أن رفض تعليمات الحشد الشعبي بإغلاق مسجده وعدم إقامة صلاة الجمعة فيه).

     وقد تم توثيق عدد من المجازر أبرزها مجزرة مسجد (مصعب بن عمير)، التي قتل فيها70  عراقيًا أثناء صلاة الجمعة، وحرقت منازل الأهالي في منطقة (سبع البور) شمال غرب بغداد، وسجلت لها جريمة وصفت بالإبادة الجماعية في جامع سارية، وفجرت مقهى في بلدة المقدادية، راح ضحية الانفجار أكثر من 60  قتيلا وجريحاً أثناء مشاهدتهم مباراة لكرة القدم.

كما تقوم الميلشيات بحملة اغتيالات تستهدف المثقفين والصحفيين من أبناء المحافظة، آخر جرائمهم ضد الصحفيين، قتل مراسل ومصور لفضائية الشرقية بعد اختطافهما من قبل مسلحين يستقلون سيارات حكومية ويرتدون زي الحشد الشعبي.

حرق المساجد

     وقامت هذه الميلشيات بإحراق مساجد عديدة في ديالي وتفجيرها، مثل مسجد (القادسية)ومسجد (المقدادية الكبير) ومسجد (الأورفلي) ومسجد (العروبة) ومسجد (القدس) ومسجد (مثنى الشيباني)، بل تمنع الصلاة في مساجد السنة ولاسيما صلاة الجمعة، وقد فجرت في ليلة واحدة تسع مساجد في محافظة ديالي، وهي مساجد تتبع ديوان الوقف السني في العراق.

عجز أم تواطؤ؟

بينما يظهر الحال وكأنه عجز من قبل الحكومة العراقية عن حفظ أمن العراقيين في ديالي، تُتهم أطراف الحكومة العراقية بالتواطؤ مع المليشيات الطائفية التي تقف وراء الجرائم في السنوات الماضية، وتسببت في مقتل آلاف السكان، وتهجيرهم.

سكوت الحكومة المركزية

     فالدلائل على أن الحكومة العراقية تقوم بتسهيل مهام هذه الميلشيات واضحـة، فمسلحو الميلشيات يستخدمون سيارات سوداء تحمل لوحات تسجيل حكومية عند تنفيذ جرائمهم، وتتم عمليات بيع أملاك المهجرين بأسعار بخسة على مرآي الدوائر الحكومية، التي تقول لمشايخ ووجهاء المحافظة الذين يستنجدون بها: إن لديها قيوداً تحول دون تحركها، وهي ترى جرافات الميلشيات تدمر أراضي ديالي.

     ولم يوقف رحيل رئيس الوزراء السابق مسلسل الإبادة العرقية في المحافظة، ووصل لأوجه وقت سيطرة تنظيم الدولة عليها؛ إذ تحججت المليشيات الطائفية لتسويغ عملياتها الإجرامية بأنها تحارب التنظيم، وتزايد التواطؤ الحكومي حتى بعد تحرير المحافظة من قبضة تنظيم الدولة؛ إذ لم يتًمكن النازحون من العودة إلى ديارهم بديالي، وصمتت بكل وضوح عن عمليات التهجير التي تبعت خروج تنظيم الدولة من المحافظة.

عدم تسليح العشائر

    ومن الدلائل القوية على هذا التواطؤ، كما يقول أحد أعضاء مجلس شيوخ محافظة ديالي: إن الحكومة عمدت إلى عدم تسليح العشائر في ديالي والمحافظات الأخرى، مقابل تسليح المليشيات الطائفية تحت مسمى (الحشد الشعبي)، ليتسنى لهم إحداث تغيير ديمغرافي كما يحلو لهم من دون أي مقاومة تذكر، متهمًا الحكومة العراقية بـ«الوقوف خلف مخطط تقسيم المحافظة وإقصاء بعض أبناء المنطقة منها».

     ويوثق مركز (بغداد لحقوق الإنسان) قيام السلطات المحلية في محافظة ديالي بتجريف أكثر من (160)  دونماً من البساتين الزراعية المملوكة لأبناء عشائر المنطقة، خلال الأشهر الثلاث الماضية، فضلا عن منع أهلها من بيع محاصيلهم من البساتين أو محاصيل الخضروات، وتعرض عدد منهم لجرائم القتل والخطف والسرقة على يد المليشيات الطائفية، وأضاف بيان المركز: «إن السلطات الحكومية في محافظة ديالي استخدمت وسائل جديدة بوصفها أداة لجرائم الاستهداف الطائفي، وآخر تلك الوسائل والأدوات تجريف مساحات شاسعة من بساتين أبناء العشائر هناك وتحديدا في قرية (المخيسة) بقضاء المقدادية، فضلاً عن استمرار جرائم الخطف والقتل والتهجير والقصف ضد المدنيين وسط تجاهل القضاء العراقي دعاوى أصحاب الحق الشخصي ضد المتهمين بتلك الجرائم».

امتداد للإبادة الطائفية

     من جانبه أكد مؤيد الونداوي -المستشار في المركز العراقي للدراسات الإستراتيجية- على أن ما يجري في محافظة ديالي امتداد لما شهدته المحافظة منذ عام   ضمن مخطط إبادة طائفية وتغيير ديمغرافي ضد سكانها، لفرض واقع جديد في المحافظة على أيدي المليشيات الطائفية، مشيرًا إلى عزل محافظ ديالي وتعيين محافظ طائفي بدلاُ منه للمرة الأولى.

     وأكد الونداوي أن الميليشيات الطائفية هي المسيطرة على أرض الواقع في ديالي ولا سلطة للحكومة عليها، كما أشار إلى ضلوع الأكراد في عمليات تهجير بعض سكان المحافظة من العرب لهدف السيطرة على مناطق هي في نظر الأكراد متنازع عليها كمنطقة (خانقين) وغيرها.

الدفع إلى النزوح

     من جانبه، يؤكد أستاذ التاريخ ياسين الجبوري، أن «هناك خطة ممنهجة تتبعها الميليشيات لدفع الأهالي للنزوح عن مناطق تعد خالية من الإرهاب في ديالي، كمناطق (بلدروز) ومركز قضاء (المقدادية) ومدينة (بعقوبة)، يتم ذلك عبر عمليات الخطف والاغتيال المنظم لشريحة الشباب، حتى بلغ معدل القتل في المقدادية وحدها من 7 إلى 10 حالات يوميًا»، ويوضح د.الجبوري أن «هذه حالات يوثقها الحراك الشعبي، ويرفعها لنواب ديالي دون جدوى، ودفع ذلك الكثير من العوائل للمغادرة خوفًا؛ حيث لا جهات أمنية يتم اللجوء إليها، في ظل سيطرة الميليشيات التي باتت السلطة الأمنية شبه الوحيدة في المحافظة».

المخرج من الأزمة

     وحول مستقبل الأوضاع في منطقة ديالي، أقر الونداوي أنه لا أفق للخروج من الأزمة الحالية في ظل غياب التمثيل الحقيقي للعرب السنة في العراق، وعدم وجود برامج حقيقية للمصالحة، واستمرار تدمير مدن  العرب السنة على أيدي قوات التحالف والجيش العراقي والميليشيات الطائفية بحجة محاربة داعش، وضعف الحكومة وما تعانيه من انهيار اقتصادي، معتبراً أن تطور الأوضاع في العراق مرتبط بتطورات الملف السوري.

تطهير طائفي

أخيرًا وباختصار، فإن ما يجري في ديالي هو تطهير طائفي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فماذا يمكن أن نسمي قتل الأهالي على الهوية، وتدمير المساجد على يد الميليشيات الطائفية؟

     إنه دون ريب إبادة طائفية بحت، ودفع أو إجبار للأهالي على الخروج، شاؤوا أم أبوا، بطريقة أو بأخرى، لكي يتم تهيئة المحافظة تدريجيًا وتحويلها إلى جغرافية طائفية بامتياز، لتسهيل الأمر للوصول إلى بغداد بسهولة، فضلا عن تأمين مساحة لا بأس بها لتأمين الحزام الحدودي.

لابد من فزعة

     من هنا فإن هذه الإبادة الطائفية لابد له من فزعة إقليمية، قبل أن تكون دولية، باعتبار أن ما يجري هو أقرب إلى أن تكون إبادة جماعية، الأمر الذي يخالف كل القوانين الدولية، بالتالي يتطلب تدخلاً دوليًا سريعًا، وإن أي مماطلة في ذلك، ستكون نتيجتها استمرارًا للجريمة، وانتقالها إلى محافظات أخرى على الخط الحدودي مع إيران، ولا تنتهي حتى يكتمل الحزام الحدودي، وتتحول كل المحافظات إلى محافظات طائفية موالية لإيران، تعمل جميعًا على أن تكون حزامًا دفاعيًا أو خط الدفاع الأولي لإيران ضد كل ما يمكن أن يكون خطراً محتملاً عليها.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك