رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 13 أبريل، 2017 0 تعليق

بركة الوقف… بئر عثمان بن عفان رضي الله عنه أنموذجا

بئر عثمان - رومة - من أوائل الأوقاف الخيرية في الإسلام؛ التي يصل نفعها لعموم المسلمين، عن ثمامة بن حزن القشيري قال: شهدت الدار حين أشرف عليهم عثمان فقال: أنشدكم بالله وبالإسلام: هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قدم المدينة وليس بها ماء يستعذب غير بئر رومة، فقال: «من يشتري بئر رومة فيجعل فيها دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة»؟ فاشتريتها من صلب مالي فجعلت دلوي فيها مع دلاء المسلمين.«صحيح النسائي» للألباني، حديث رقم: (3610).

     وعثمان بن عفان رضي الله عنه اشترى بئر رومة- ذكر ابن عبد البر أن بئر رومة كانت ركية ليهودي يبيع من مائها للمسلمين. انظر: (الاستيعاب في معرفة الأصحاب) لابن عبد البر، (ص 545) -على الشرط الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم  ، وهو: «أن يجعل فيها دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة». فجعلها وقفاً عامّاً للناس كافة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم   وما بعده من العصور، ما دام عين البئر قائماً، وأن يشتريها من صلب ماله، ويجعلها مباحة للناس كافة بدون تمييز، ولا يمنع الناس من الاستفادة من مائها بعد تملكها.

     وكان توفير مياه الشرب للناس من أوائل أهداف الوقف الإسلامي، وقد تمثل ذلك في بئر رومة من وقف عثمان رضي الله عنه. ثم عمت أوقاف مياه الشرب في جميع المدن والقرى في طول بلاد المسلمين وعرضها، حتى أن ظاهرة بيع مياه الشرب انعدمت تماماً في البلاد الإسلامية؛ فقد تتابع المسلمون جيلاً بعد جيل يوقفون الآبار والأراضي والبساتين والدور وأعمال الخير والبر.

      ومن بركة وقف بئر رومة الذي يقع في أسفل وادي العقيق، قريبة من مجتمع الأسيال، في براح واسع من الأرض، واليوم نجدها شمال المدينة المنورة، وتعرف ببئر عثمان، وما يزال الماء فيه عذباً رقراقاً إلى يومنا هذا، ومعروف عند أهل مدينة رسول الله [ ببئر عثمان بن عفان رضي الله عنه، وهو من أشهر المعالم الوقفية التي بقيت عبر العصور الإسلامية.

ووصفها العديد من العلماء مثل: الشيخ العباسي -من علماء القرن العاشر- في «عمدة الأخبار» (ص 265) بقوله: «قلت: والبئر بجانب مسجد القبلتين، وبقرب البئر بناء يشبه حصناً منهدماً، ويقال: إنه كان ديراً لليهود.

وفي أطراف هذه البئر آبار أخرى كثيرة، ومزارع، وهي قبلي الجرف وآخر العقيق، وبقربها اجتماع السيول، وبينها وبين مسجد القبلتين: بستان لحاكم المدينة.

بئر لم يجف ماؤه

لأكثر من 1400 سنة مرت على شراء الصحابي الجليل عثمان بن عفان لبئر رومة شمال غربي المسجد النبوي في المدينة المنورة، ولا تزال البئر حتى اليوم تروي سكان المدينة بمائها، وتسقي نخيلهم وأشجارهم.

     وبدأت قصة البئر حينما أخذت المدينة المنورة، تزدهر بعد هجرة النبيصلى الله عليه وسلم   لها، وجد المسلمون أن أحد أعذب مياه المدينة بئر تقع في منطقة العقيق الأصغر تسمى بئر رومة، كما وجدوا أن مياه المدينة تجف كلها إلا بئر رومة، لكن الوصول إلى البئر لم يكن سَهْلاً؛ إِذْ كان على من يريد أن يشرب منها أن يدفع لمالكها، وهو أمر لم يكن في متناول كثير من سكان المدينة النبوية آنذاك، حديث الرسول صلى الله عليه وسلم  : «من يشتري بئر رومة وله الجنة»؟ دفع عثمان بن عفان رَضِيَ اللَّهُ عَنْه للمسارعة بشرائها، وجعلها وقفاً عامّاً يستطيع الجميع الشرب منه مَجَّانَاً

     خلال سنوات البئر الطويلة ظلت منبعاً لسكان المدينة وزوارها، وفي بعض السنوات عانت من الإهمال، وفي عصر الدولة السعودية قامت الدولة بالاهتمام بها، واستصلاح الأرض التي تقع فيها البئر، والاستفادة منها في زراعة النخيل، وتوزيع ثمره على المحتاجين، ليستمر وقف الصحابي الجليل حتى يومنا هذا في عام 1372هـ استأجرت وزارة البيئة والمياه والزراعة (وزارة الزراعة والمياه سابقاً) البئر ومزرعتها من وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد (أوقاف المدينة سابقاً) قبل 35 عاماً حينما كانت تسمى الأولى وزارة الزراعة، وبدأت في الاستفادة من مياه بئر الصحابي الجليل، وزرع المنطقة المحيطة بها حتى وصل عدد النخيل المزروع إلى أكثر من 15500 نخلة على مساحة تقارب 100 ألف متر.

     وبِحَسَبِ وزارة البيئة والمياه والزراعة، فإن فتحة البئر الأصلية تم إغلاقها، ويتم الاستفادة من مياه البئر عبر فتحة أخرى، كما تشير المعلومات ذاتها إلى أن عمق البئر يقدر بحوالي 37 متراً، كما أن قطرها يصل إلى 4 أمتار تَقْرِيبَاً، ويبلغ مستوى الماء 29 متراً تَقْرِيبَاً والبئر كما تصفها معلومات الوزارة مطوية بالحجارة، وتوجد فيها غرفة لمضخة كانت توجد قديماً في عام 1438هـ، ولا يَزَال «شرط الواقف» سارياً.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك