رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 1 نوفمبر، 2021 0 تعليق

براءة دعوة الإمام محمد ابن عبد الوهاب من الإرهاب والتطرف الحلقة الثانية

بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر حاول خصوم الدعوة نسبة الحدث الإرهابي للدعوة السلفية التي قام بها الإمام محمد بن عبد الوهاب، والذي حملهم على إلصاق التهمة بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب أن خمسة عشر من التسعة عشر الذين نفذوا العملية الإرهابية من المملكة العربية السعودية التي تدرس كتب الإمام محمد بن عبد الوهاب في مدارسها وهم نتاج تلك المدرسة الفكرية.

والرد على هذه الشبهة من وجوه:

- أولا: اختيار العدد مراد وله أبعاد سياسة لا تخفى على كل عاقل.

- ثانيا: أن من نفذ العمل وخطط له هي جماعة القاعدة وهي من أعداء دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ورموزها الدينية، وهي قد نفذت أعمالها الإرهابية في السعودية قبل أمريكا.

ثوابت الدين والإسلام الخالص

- ثالثا: أن المجتمع السعودي ينطلق من ثوابت الدين والإسلام الخالص النقي، وكتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب تدرس فيه وتعلم ما يقارب من ثلاثة قرون من الزمان، ولم يأت منهم إرهاب أو تعد أو ظلم للآخرين، بل كان المجتمع أكثر تمسكا بالإسلام قبل سنوات عديدة، وكانت الجنسيات المختلفة تأتي إلى هذه البلاد وتلقى منهم كل الترحيب والإكرام، وشركة أرمكو تعمل في السعودية من أكثر من ستين سنة لم يحدث لأحد من العاملين فيها اعتداء من قبل المواطنين الذي هم يتعلمون من كتب الشيخ ورسائله، فأين مكمن الخلل؟

والجواب واضح أن هذا الفكر الإرهابي الإجرامي دخيل علينا، وتولد خارج هذه البلاد عبر الجماعات والتنظيمات السرية.

أوائل من ندد بتلك الأعمال الإرهابية

- رابعا: إن علماء هذه البلاد هم أكثر الناس فهما وتعمقا في فهم دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وهم أوائل من ندد بتلك الأعمال الإرهابية، ويستوي في ذلك العلماء الذي يشغلون مناصب رسمية وغيرهم من العلماء وطلبة العلم.

     يقول الكاتب الصحفي عثمان الرواف في جريدة الشرق الأوسط: «وإذا أردنا أن نحكم على الوهابية وأن نكون منصفين وموضوعيين في حكمنا عليها، فلا يمكن أن نصدر حكمنا من خلال ما يقال عن الأعمال الإرهابية لتنظيم القاعدة الذي يقوده أسامة بن لادن، ولكن ينبغي أن نحكم عليه من خلال مواقف رجال الدين والعلماء في السعودية، فهم الذين يجسدون أفضل تمثيل في الوقت الحاضر لحركة الشيخ محمد بن عبد الوهاب.

     ولقد عبر هؤلاء العلماء عن شجبهم القوي والواضح لأحداث التفجير التي حدثت في أمريكا يوم الثلاثاء؛ حيث قال الشيخ صالح اللحيدان (رئيس مجلس القضاء الأعلى السعودي): إن ما حدث في أمريكا هو عمل وحشي منكر لا يقره الإسلام، كما قال الشيخ عبد العزيز آل الشيخ (مفتي عام المملكة العربية السعودية): أن التفجيرات التي وقعت في الولايات المتحدة، وما كان من جنسها من خطف الطائرات أو ترويع الآمنين أو قتل أنفس بغير حق ما هي إلا ضرب من الظلم والجور والبغي، وإن مثل هذه التصرفات محرم ومن كبائر الذنوب.

     وكما أننا لا نستطيع أن نحكم على الوهابية، من خلال تصرفات بعض المتطرفين السعوديين فإننا لا نستطيع بالمقابل أن نربط تصرفاتهم هذه بالعقيدة الدينية للدولة التي كانوا ينتمون إليها. فالواقع الرسمي والديني والاجتماعي في المملكة العربية السعودية يعكس حقيقة مغايرة تماما للادعاء والافتراء».

لم يعرفوا بالعلم والتتلمذ على العلماء

- خامسا: أن هؤلاء الذين نفذوا تلك العمليات لم يعرفوا بالعلم والتتلمذ على علماء هذه البلاد، بل هم كانوا من أبعد الناس عن التمسك بالدين، ثم تحولت حياتهم فجأة نتيجة مواقف عاطفية معينة ثم تبنتهم تلك الجماعات الإرهابية لتنفيذ أجندتها.

أمور لا يقرها علماء هذه الدعوة

- سادسا: أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر تقوم على أمور لا يقرها علماء هذه الدعوة منها: الانتحار وتسمية ذلك العمل استشهادا في سبيل الله، وقد خرجت فتاوى من الشيخ ابن باز وابن عثيمين وهيئة كبار العلماء بحرمة هذا العمل، وكانت هذه الفتاوى قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر بسنوات.

ومنها: الغدر والخيانة، فالإسلام يحرم الغدر والخيانة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (المائدة:1)، وهؤلاء دخلوا أمريكا بعقد وميثاق، وهي ما يسمى بالفيزا فيجب عليهم احترام ذلك العهد والميثاق.

تربوا على الأفكار المنحرفة

- سابعاً: أنهم ممن تربى على فكر تنظيم القاعدة وجماعة التكفير والهجرة والتنظيمات المتطرفة فهؤلاء نتيجة واضحة لفكر تلك الجماعات المتطرفة التي كانت أول معاركها داخل بلاد المسلمين.

تعرض الكويت للغزو العراقي

- ثامنا: قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر بعشر سنوات تعرضت الكويت للغزو العراقي؛ مما استدعى الاستعانة بالقوات المتعددة الجنسيات، ومن جملتها القوات الأمريكية إلى المملكة العربية السعودية، وكانوا يتنقلون في البلاد بحرية، ولم يتعرضوا لحوادث تفجير أو اغتيال فما الذي غير الموقف مع تقارب الزمان؟ مما يدل على أن تلك الأفكار دخيلة على المجتمع.

والمظالم تجاه المسلمين

- تاسعا: إن مثل هذا الاتجاه تأسس في ساحات المعارك وليس في دور التعليم، والمظالم التي تكالبت على المسلمين صعدت هذا الاتجاه ودفعته إلى مزيد من الاتساع والتنظيم وإلى مزيد من الالتزام والتضحية، لذلك لم يكن قادة هذه التنظيمات من نتاج الجامعات الدينية.

المنهج الوسطي المعتدل

- عاشرا: من الإضاءات المشرقة للمنهج الوسطي المعتدل الذي تتبناه السلطة السياسية في السعودية، الذي هو من ثمار دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب الإصلاحية، ما نراه منتشرة اليوم في منهج المراكز الإسلامية في الغرب الذي أسهمت السعودية في دعمه وتشجيعه، إن مثل هذه المراكز الإسلامية منتشرة منذ سنوات طويلة في أوروبا وأمريكا، وكانت تعمل وفق القوانين المعمول بها، وكانت محل ترحيب ولم تكن مصدرة لأي إزعاج، وكان المسلمون يقدرون لهذه المجتمعات استضافة هذه المراكز والسماح لها بالعمل، إنها تجربة كافية لإثبات حسن النوايا وتأكيد الالتزام بالأخلاق الفاضلة والقوانين المرعية.

الإسلام وبراءته من التطرف والإرهاب

     وهنا نؤكد حقيقة مهمة: هي أن الإسلام لا يمكن أن يولد التطرف ولا أن يقر مخالفة السلوك الفاضل، أما حصول الغلو والتطرف من بعض الأفراد أو بعض الفرق فهو يحصل في كل الأديان والمذاهب، وقد عانى المسلمون من الغالين المتطرفين رغم قلتهم منذ الصدر الأول للإسلام، واضطر المسلمون إلى قتال أولئك المتطرفين الذين كانوا يعرفون باسم (الخوارج)، تعبيرا عن تمردهم على الإجماع الإسلامي وخروجهم عن الاعتدال، وبذلت خلال العصور جهود متواصلة نظرية وعملية لاجتثاث الأساس الفكري لظاهرة الغلو، كما حاربتهم الدولة الإسلامية دون هوادة، وهي ظاهرة تختفي إذا استقامت أحوال المسلمين، لكنها تعاود الظهور وقت هزائم المسلمين وانكساراتهم؛ حيث يجد التطرف فرصة لتجديد ذاته، لكنه يظل محصورا في فئة محدودة وسط محيط الاعتدال، فالغلو نشاز فكري وعملي وسط الإجماع الإسلامي، ونسبة التطرف والغلو في المجتمعات غير الإسلامية أكثر بكثير من نسبتها في المجتمعات الإسلامية.

مبادئ الإصلاح الديني والأخلاقي

     لقد تأسست دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب على مبادئ الإصلاح الديني والأخلاقي، في ضوء منهج الخالق الذي يعلم ما يصلح للخلق، فكان من ثمارها أن قضت على إرهاب الأفراد والقبائل، وأقامت بمؤازرة من السلطة السياسية السعودية نظاما أقر السلم بدل الاقتتال، وأشاعت الوئام بعد الخصام، لقد كانت دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب بمبادئها وإجراءاتها نقلة حضارية هائلة، أقامت من القبائل المتناحرة مجتمعا متحضرا يسوده الإخاء والنظام.

الدعوة الإصلاحية

     والدعوة الإصلاحية، سارت على هذا الأصل الأصيل فلم تكن كما هو معلوم دعوة سرية، لها رموز وطقوس لا يعرفها إلا الخاصة، ولا يدركها إلا فئات معدودة من الناس، بل كانت واضحة المقصد، بينة المسلك، أهدافها معلومة، وغاياتها معروفة، وعليه فإن الدعوة إلى الله لابد أن تكون علنية واضحة كالشمس في رابعة النهار، وهذا الذي سار عليه أئمة الدعوة الإصلاحية فدعوتهم امتازت بالوضوح والعلانية في أمور عدة:

أولا: في معتقدها

فهي تعتقد ما اعتقده السلف في التوحيد، سواء كان ذلك في توحيد الربوبية أم الألوهية أم الأسماء والصفات، بل وفي سائر مسائل الاعتقاد، وأبواب الإيمان.

ثانيا: في منهجها

     فهي تسير على منهج واضح بين كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك»، فمنهجها قائم على فهم السلف الكلي للكتاب والسنة، على ضوء أصولهم المعروفة وقواعدهم المعلومة، فلا ابتداع لديهم، ولا خروج عن سبيلهم {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (النساء: 115).

ثالثا: في دعوتها

فهي دعوة عامة شاملة، ليس فيها أي نوع من أنواع السرية، أو أي إطار من أطر التخصيص بل هي للكل ومع الكل، كما هي دعوات الأنبياء، والمصلحين السائرين على النهج السوي المقتفين لآثار منهج النبوة.

رابعا: في مصدر تلقيها

فهذه الدعوة مصدرها وموردها الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة والسير عليهما في كل مسألة أو نازلة، على حسب الوسع والطاقة.

هذه أبرز معالم الوضوح والعلانية في تلكم الدعوة المباركة والانتظام بسلكها، والاتصال بحبلها والركون إليها {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} (الإسراء: 81).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك