رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: اللجنة العلمية في الفرقان 20 يونيو، 2023 0 تعليق

بدع القبور أنواعها وأحكامها (5) – حكم تزيين القبور وتجميلها

جاءت شريعة الإسلام بالتوحيد الخالص من شوائب الشرك، وسدت كل ذريعة ووسيلة تفضي إليه، ومن ذلك البدع المستحدثة في القبور من البناء عليها واتخاذها مساجد، ولقد حذر النَّبي - صلى الله عليه وسلم - المسلمين من هذه البدع الجاهليَّةِ، مِثل البِناءِ عَلى القُبورِ ورَفعِها؛ فعن جابر بن عبدالله - رضي اله عنه - أنه قال: «نَهَى رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُجَصَّصَ القَبْرُ، وَأَنْ يُقْعَدَ عليه، وَأَنْ يُبْنَى عليه»، من هنا كان استعراضنا لهذا البحث للشيخ: صالح بن عبدالله العصيمي وهو بعنوان: (بدع القبور أنواعها وأحكامها)، لبيان تلك البدع التي انتشرت بين المسلمين، وليست من الإسلام في شيء.

يعد تشجير المقابر، من البدع الحادثة التي انتشرت في بعض البلدان الإسلامية، فيلجأ إلى زراعة الأشجار داخل المقابر لأهداف مختلفة، منها:

(1) تزيين المقبرة وتجميلها

       تزيين المقبرة وتجميلها ينافي الحكمة الشرعية في القبور، فالقبور ليست مكاناً للمترفين، ولا مأوى للمتنزهين، وإنما هي دار للمتعظين، وتزيين المقابر وتجميلها يؤدي لأن يفتن الناس بها وبأصحابها؛ حيث نجد من المسلمين اليوم من يحرصون على تزيين القبور، ويجعلونها مجالاً للتظاهر والتفاخر، ويمضي بعضهم في الشطط حتى يقيم الضريح على القبر إظهاراً للميت بأنه من أولياء الله.

       بـل نجـد مـن الأغنياء من يتباهى بتزيين المكان المعد لدفنه، أو المكان الذي دفن فيه والده أو قريبه؛ حيث يجعل بعضهم المكان الذي فيه قبور أقاربه تحفة من البناء والحدائق الغناء لا مثيل لها؛ حيث يقومون بترصيع الفسيفساء، والأحجار الكريمة على جدران المقبرة، ويقومون بوضع الرخام الضخم الباهظ الثمن في أراضيها، ولا شك أن فعل هؤلاء الأغنياء قد جاء الإسلام بتحريمه؛ لأن فيه إسرافاً ووضع الأموال في غير موضعها، وفيه مخالفة لجوهر الإسلام، وحكمة المقبرة، فشمخت القباب والأضرحة في أنحاء العالم الإسلامي، وسابقت المآذن، وأقيمت الموالد؛ ولذا عرف المستعمرون والمحتلون هذه النقطة من الضعف، فعنوا بتشييدها، وهذا يدل دلالة أكيدة على مخالفة هذا الفعل لأصل الإسلام وروحه، وسوف ألقي بإذن الله مزيــداً من التفاصيل في الفصل الخامس.

(2) وضع الأشجار في المقابر بغرض شرعي

       حيث يعتقد بأن الأشجار الرطبة، والزهور تؤدي إلى التخفيف على الأموات، مستدلين بما رواه ابن عباس -رضي الله عنهما-؛ حيث قال: «مرَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - على قبرين فقال: إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير ثم قال بلى، أما أحدهما فكان يسعى بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله، قال: ثم أخذ عوداً رطباً فكسره باثنتين، ثم غرز كل واحدٍ منهما على قبر، ثم قال: لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا».

القول بالخصوصية هو الصواب

       وقد علق الشيخ ابن باز -رحمه الله- على هذا الحديث بقوله: «القول بالخصوصية هو الصواب؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يغرز الجريدة إلا على قبور علم تعذيب أهلها، ولم يفعل ذلك لسائر القبور، ولو كان سنة لفعله بالجميع، ولأن الخلفاء الراشدين وكبار الصحابة لم يفعلوا ذلك، ولـو كــان مشروعاً لبادروا إليه. أما ما فعله بريدة فهو اجتهاد منه، والاجتهاد يخطئ ويصيب، والصواب مع ترك ذلك كما تقدم،

       وخلاصة القول -من خلال استعراض أقوال أهل العلم-: إن تشجير المقابر أو وضع الزهور على القبور بدعة، ما أنزل الله بها من سلطان، ويشتد إثمها ويعظم وزرها إذا صاحبتها نية التخفيف عن الميت؛ فربما وضعت على قبر رجل أمن من عذاب القبر، يأتيه من نعيم الجنة وريحها، وربما وضعت على قبر من يسـام سـوء العذاب، يعرض على النار غدوا وعشيّاً، فمن أنبأ واضع الزهور والأشجار عن حال من في القبور؟

        إن هذه البدعة مستوردة من اليهود والنصارى الذين يضعون على قبور موتاهم الزهور والورود. أما جعلها سنة عمن بُعِثَ رحمة للعالمين، فدونها ودون الحق خرط القتاد.

(٣) وضع قفل على سور المقبرة

        يلحظ من يزور المقابر -وبالذات قبور الصحابة أو من يسمون بالأولياء- وجود بعض الأقفال على شبابيك وأسوار المقبرة، وذلك يعود إلى اعتقاد الزائر أنه بفعل هذا يربط بين قلبه وبين الميت طالما أن القفل لا يزال موجوداً بمكانه، وبعضهم يجعلها من باب الذكرى التي تذكر الميت بزائره، ولا شك أن هذا منكر عظيم، نتج عن اعتقاد الجهال بأن هؤلاء الأموات يملكون النفع والضر؛ فلذا ربطوا فيما يظنون بين قلوبهم وبين قلوب الأموات بهذا الفعل الشنيع، وهذه البدعة لم أرها دونت في كتاب، وإنما شاهدتها بعيني في مقبرتي البقيع والشهداء، واستفسرت من القائمين عليها عن العلة، والله أعلم.

(٤) أكل العيدان الموجودة في المقبرة

       بلغ هوس عباد القبور، منتهاه، وذلك عندما وصل اعتقادهم إلى أن كل ما في القبور قد حلت به البركة من جراء وجوده في قبور الصحابة أو الصالحين، ويلحظ ذلك من يقوم بزيارة مقبرة البقيع؛ حيث ترمي الرياح بقطع من الأخشاب الصغيرة إلى ساحة المقبرة، وتقع على بعض القبور، وما إن يرها مفتون إلا ويبادر بأخذها، ثم يقوم بمصها أو لعقها أو علكها أو مضغها أو تقبيلها باعتقاد نفعها أو برجـاء بركتها ودليله: أنه لو لم تكن مباركة ونافعة لم توجد في المقبرة، ولا شك بأن هذه من البدع المحدثة والمحرّمات الظاهرة، والمخالفات البينة التي لا أصل لها في الإسلام.

(٥) وضع الطيب على القبور

        يلجأ بعضهم إلى وضع الطيب على القبور، ويلجؤون لذلك مبالغة في خداع الزوار، وحرصًا على تكرار زياراتهم، واستنزافًا لأموالهم، فبعض حراس المقابر أو خدام الأضرحة يضعون الأطياب والعطورات على القبور، فيتوهم الزائر بأن هذه الرائحة مصدرها هذا القبر فيعتقد فيه، ويستغل الحارس أو الخادم أو البواب الفرصة، ويعرض على الزائر خدماته من خلال قيامه بالتوسط له عند صاحب الضريح أو ساكن القبر؛ ليقضي حوائجه مقابل مبلغ يدفعه الزائر لهذا الحارس، وهكذا يخدع عوام المسلمين، وتضيع عقيدتهم، وتهدر أموالهم مقابل؛ فإلى الله المشتكى.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك