بدع القبور أنواعها وأحكامها (4) صفة البدع داخل القبر
جاءت شريعة الإسلام بالتوحيد الخالص من شوائب الشرك، وسدت كل ذريعة ووسيلة تفضي إليه، ومن ذلك البدع المستحدثة في القبور من البناء عليها واتخاذها مساجد، ولقد حذر النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - المسلمين من هذه البدع الجاهليَّةِ، مِثل البِناءِ عَلى القُبورِ ورَفعِها؛ فعن جابر بن عبدالله - رضي الله عنه - أنه قال: «نَهَى رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُجَصَّصَ القَبْرُ، وَأَنْ يُقْعَدَ عليه، وَأَنْ يُبْنَى عليه»، من هنا كان استعراضنا لهذا البحث للشيخ: صالح بن عبدالله العصيمي وهو بعنوان: (بدع القبور أنواعها وأحكامها)، لبيان تلك البدع التي انتشرت بين المسلمين، وليست من الإسلام في شيء.
وكنا قد تحدثنا في الحلقة الماضية عن صفة البدع داخل القبور وتوقفنا عند بدعة وضع المصاحف أو غيرها من الكتب مع الميت في قبره، وقلنا: إنَّها من البدع التي ما أنزل الله بها من سلطان.
ولا تجعلوا في لحدي شيئاً
ولعل مما يستأنس به في تحريم وضع المصاحف أو غيرها من الكتب مع الميت في قبره، ما أوصى به أبو موسى حين حضــره الموت فقال: إذا انطلقتم بجنازتي فأسرعوا المشي، ولا يتبعني مجمر، ولا تجعلوا في لحدي شيئاً يحول بيني وبين التراب، ولا تجعلوا على قبري بناء، وأشهدكم أنني بريء من كل حالقة، أو سالقة، أو خارقة، قالوا: أو سمعت فيه شيئاً؟ قال: نعم، من رسول الله - صلى الله عليه وسلم . فهذا الصحابي الجليل، يوصي بألا يجعل في لحـده شـيء.
انتشار البدع التي توضع مع الأموات
ومما عمت به البلوى في بعض الأمصار تجاوز الوصف؛ حيث انتشرت بعض البدع التي توضع مع الأموات في قبورهم، منها:
(١) أنه إذا مات الميت، يؤخذ من ملابسه ثوب، ويوضع فيـه مـن شـعره أو شعرها الذي يأتي بعد التميشط، ويوضع تحت رأس الميت في قبره.
(2) ذبح جاموس أو غيره، ثم يؤتى بدم هذه الذبيحة، ويوضع مع الميت في قبره.
(3) جعل وسادة أو نحوها تحت رأس الميت في القبر.
(٤) في بعض البلدان إذا مات عندهم الميت يأخذون ثلاث طينات، ويجعلون الأولى تحت خده الأيمن، والثانية تحت فخذه، والثالثة تحت كعبه.
(5) وضع الحناء مع الميت في القبر.
(٦) في بعض البلدان إذا توفي الميت، ومضى على وفاته أربعون يومًا، تقوم الأسرة بزيارة القبر من نساء وولدان، فيقومون بفتح القبر، ومعهم حبوب وذرة ينشرونها على الميت، وما كان الصحابة يفتحون القبر إلا لحاجة، كأن ینسی العمال بعض أدوات الدفن، أو سقوط شيء له قيمة، أما عدا ذلك فلا يجوز.
(7) أخذ حفنة من تراب القبر، وقراءة القرآن عليها، ثم حثوها على كفنه حتى لا يعذب في قبره.
(8) وضع قطيفة مع الميت في قبره.
دفن الميت في تابوت أو دفنه بجانب طفل تفاؤلاً به
الأصل أن يدفن الإنسان في الأرض كما هي السنّة؛ حيث لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا عن أصحابه أنهم دفنوا ميتاً في صندوق، وإنما الدفن في التوابيت من سنن النصارى، وليس من سنن الإسلام، قال ابن قدامة: «ولا يستحب الدفن في تابوت؛ لأنه لم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أصحابه، وفيه تشبه بأهل الدنيا والأرض أنشف لفضلاته»، وقال النووي: «يكره أن يدفن الميت في تابوت إلا إذا كانت رخوة، أو ندية. وهذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة، وأظنه إجماعاً».
وقيل في حاشية رد المحتار: ولا بأس باتخاذ تابوت ولو من حجر أو حديد له عند الحاجة كرخاوة الأرض»، كما قال شارحه: «إلا في أرض رخوة فيخير بين الشق واتخاذ التابوت، ومثله في النهر، ومقتضى المقابلة أنه يلحد، ويوضع التابوت في اللحد، لأن العدول إلى الشق لخوف انهيار اللحد كما صرح به في الفتح، فإذا وضع التابوت في اللحد أمن انهياره على الميت فلو لم يمكن حفر اللحـد تعـين الشق ولم يحتج إلى التابوت إلا إن كانت الأرض ندية يسرع فيها بلاء الميت. قال في الحلية عن الغاية ويكون التابوت من رأس المال إذا كانت الأرض رخوة أو ندية، مع كون التابوت في غيرها مكروهاً في قول العلماء قاطبة» وقد يقال: «يوضع التابوت في الشق إذا لم يكن فوقه بناء لئلا يدمس الميت في التراب، أما إذا كان له سقف أو بناء معقود فوقه كقبور بلادنا ولم تكن الأرض ندية ولم يلحـد فيـكــره التابوت».
وقد سئلت اللجنة الدائمة في المملكة العربية السعودية عن حكم هذه المسألة، فأجابت بعدم الجواز. وممن رأى عدم الجواز الشيخ عبد الله الجبرين، ونص على بدعيته.
ليس من عادة أهل الإسلام
ومما سبق يتبين لنا أن الدفن في التابوت ليس من عادة أهل الإسلام، ولا يجوز إلا في حالات مستثناة، كأن يموت الميت وهو في سفينة، وسوف يتأخر وصولهم للساحل، فلا بأس هنا أن يوضع في تابوت، وكذلك عند نداوة الأرض، أو عندما يكون الميت في بلاد الكفر والقانون يمنع الدفن ويتعسر نقله؛ إما لصعوبة النقل، أو لغلاء التكاليف، حيث أنه في بعض بلاد الغرب توجد قوانين تلزم بأن يدفن الميت في صندوق.
دفن الميت بجانب طفل تفاؤلاً
من البدع اعتقاد بعض الناس أن الدفن بجوار الأطفال مفيد، ويتفاءلون في دفن موتاهم عندما تكون قبورهم مجاورة لقبور الأطفال، وقد سئل الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - سؤالاً هذا نصه: بعض من يموت لهم ميت يحرصون أن يدفنوه بجانب طفل، ويتفاءلون بذلك بأن له مزية، ما حكم هذا الشيء؟
فقال رحمه الله: هذا الشيء لا أصل له، والإنسان في قبره يعذب أو ينعم، بحسب عمله لا بحسب من كان جاراً له، فلذلك لا أصل لهذه المسألة إطلاقاً، فالإنسان في الحقيقة في قبره يعذب أو ينعم بحسب أعماله، سواء كان جاره من أهل الخير أم من غير أهل الخير؛ فموقع القبر وجماله ومن بجواره لا يغير من عذاب الله شيئا، بل المانع من العذاب هو تقوى الله والعمل الصالح، أما الفرار من العذاب بمثل هذه الخرافات، فهذا تلبيس إبليس وتدليسه والله المستعان على ما يصفون.
حكم الدفن في الصناديق
- وجه سؤال للجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عن وجود قانون في بعض الدول الغربية يوجب دفن الشخص بصندوق فما حكم هذا؟
فردت اللجنة إن تيسر أن يدفن الميت المسلم بلا تابوت ولا صندوق فهو السنة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينقل عنه ولا عن أصحابه -رضي الله عنهم- أنهم دفنوا ميتاً في صندوق، والخير إنما هو في اتباعهم، ولأن دفن الميت في صندوق تشبه بالكفار والمترفين من أهل الدنيا، والموت مدعاة للعبرة والموعظة، وإن لزم الأمر ولم يتم الموافقة على دفنه إلا بذلك فلا حرج، لقوله -تعالى-: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج}، وقوله: {وَلَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}.
لاتوجد تعليقات