رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: اللجنة العلمية في الفرقان 30 مايو، 2023 0 تعليق

بدع القبور أنواعها وأحكامها (2) المخالفات خارج القبر

جاءت شريعة الإسلام بالتوحيد الخالص من شوائب الشرك، وسدت كل ذريعة ووسيلة تفضي إليه، ومن ذلك البدع المستحدثة في القبور من البناء عليها واتخاذها مساجد، ولقد حرص النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلى تحذير المسلمين من هذه البدع الجاهليَّةِ، مِثل البِناءِ عَلى القُبورِ ورَفعِها؛ فعن جابر بن عبدالله - رضي الله عنه - أنه قال: «نَهَى رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُجَصَّصَ القَبْرُ، وَأَنْ يُقْعَدَ عليه، وَأَنْ يُبْنَى عليه»، من هنا كان استعراضنا لهذا البحث للشيخ: صالح بن عبدالله العصيمي وهو بعنوان: (بدع القبور أنواعها وأحكامها)، لبيان تلك البدع التي انتشرت بين المسلمين، وليست من الإسلام في شيء.

      وكنا قد تحدثنا في الحقلة الماضية عن تعريف القبر وصفته الشرعية، واليوم نتحدث عن نوع آخر من البدع والمخالفات المنتشرة التي تحدث خارج القبر.

(1) التفريق بين قبر الرجل والمرأة

      إن من الأمور التي لم تثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ ما يفعله بعض العوام بأن يفرقوا في علامة القبر بين الرجل والمرأة، حتى يعرف أن هذا قبر رجل، وهذا قبر امرأة؛ فيضع على قبر الرجل حجرين، وعلى قبر المرأة حجراً واحداً، فهذا لم ترد به السنة، وليس بمشروع، وليس له أصل، بل العلماء يتنازعون في مسألة تعليم القبر كما مر معنا، فضلا عن تخصيص المرأة بعلامة والرجل بعلامة، وممن نص على عدم التفريق بين علامة قبر الرجل وعلامة قبر المرأة الشيخ ابن عثيمين -رحمه رحمه-؛ حيث قال: «إن هذا التفريق ليس بمشروع، والعلماء قالوا: إن وضع حجر أو حجرين، أو لبنة أو لبنتين، من أجل « العلامة على أنه قبر لئلا يحفر مرة ثانية، لا بأس به. وأما التفريق بين الرجل والمرأة في ذلك فلا أصل له».

(2) الكتابة على القبر

      من المصائب والبدع التي بليت بها الأمة، الكتابة على القبور مع ورود النهي الصريح عن ذلك؛ حيث ورد عن جابر -]-: أنه قال: «نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبنى على القبر أو يزاد عليه أو يجصص»، زاد سليمان بن موسى: «أو يكتب عليه»، وقد اختلف العلماء في حكم الكتابة على القبور:

القول الأول: كراهية الكتابة على القبور

سواء اسم صاحب القبر أم غيره، وهذا قول جمهور العلماء، وحملوا النهي الوارد في الحديث على الكراهية.

القول الثاني: بجواز الكتابة

      وبه قال الأحناف: لا بأس بالكتابة على القبر إن احتيج إليها؛ حتى لا يذهب الأثر ولا يمتهن؛ لأن النهي -وإن صح- فقد وجد الإجماع العملي بها، فقد أخرج الحاكم النهي عنها من طريق، ثم قال: هذه الأسانيد صحيحة وليس العمل عليها، فإن أئمة المسلمين من المشرق إلى المغرب مكتوب على قبورهم، وهو عمل أخذ به الخلف عن السلف، كما ذهب الأحناف إلى أن الكتابة بغير عذر لا تجوز. وقد رد الذهبي -رحمه الله تعالى - على الحاكم بقوله: «ما قلت طائلاً، ولا تعلم صحابيا فعل ذلك، وإنما هو شيء أحدثه بعض التابعين فمن بعدهم ولم يبلغهم النهي».

القول الثالث: تحريم

الكتابة على القبر

وهو قول المالكية: وقول ابن القيم -رحمه الله- ونهي عن الكتابة عليها.

    وقول الشوكاني -رحمه الله-: «وتحريم الكتابة على القبور، وظاهره عدم الفرق بين كتابة اسم الميت على القبر وغيرها»، وسئل الشيخ عبد الله أبا بطين، عن كتابة اسم الميت على القبر فقال: «داخل في عموم النهي عن الكتابة على القبور»، وقال المعلمي -رحمه الله-: النهي عن الكتابة لم يرد إلا في الروايات التي عنعن فيها ابن جريج، وهو مدلس، ولكن يؤخذ النهي عنها من الأحاديث بطريق القياس، وقال العلامة ابن باز -رحمه الله-: «لا يجوز أن يكتب على قبر الميت، لا آيات قرآنية، ولا غيرها لا في حديدة ولا لوح ولا في غيرهما...».

القول الراجح: الكتابة

 على القبر لا تجوز

      والقول الراجح هو أنَّ الكتابة على القبر لا تجوز؛ لحديث جابر المتقدم، سواء كان بذكر اسم الميت أم غيره، ولا يصح ما ذهب إليه بعض أهل العلم من استثناء كتابة اسم الميت؛ حيث قال الشوكاني: «وقد استثنت الهادوية رسم الاسم فجوزوه، لا على وجه الزخرفة، قياسًا على وضعه - صلى الله عليه وسلم - الحجر على قبر عثمان كما تقدم، وهو من التخصيص بالقياس، وقد قال الجمهور به».

(3) رفع القبر

    السنة عند بناء القبر ألا يرفع أكثر من شبر، وأما الزيادة على القدر المأذون فيه فمحرم؛ لأنه من أخطر الوسائل الموصلة إلى الشرك، ولذا أمر الصحابي الجليل علي بن أبي طالب بإزالتها، فعن الأسدي عن علي قال: «أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا أبي هياج تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته». قال الشوكاني: قوله: «ولا قبرًا مشرفًا إلا سويته: فيه أن السنة أن القبر لا يرفع رفعًا كثيرًا من غير فرق بين من كان فاضلاً ومن كان غير فاضل، والظاهر أن رفع القبور زيادة على القدر المأذون فيه محرم، وقد صرح بذلك أصحاب أحمد وجماعة من أصحاب الشافعي ومالك». وقال في المغني: ويكره البناء على القبر، وتجصيصه والكتابة عليه؛ لما روى مسلم في صحيحه قال نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه وأن يبني عليه».

      وقال النووي: يستحب ألا يزاد القبر على التراب الذي أخرجه منه، قال الشافعي -رحمه الله تعالى-: «وإنما قلنا أنه يستحب ألا يزاد لئلا يرتفع القبر ارتفاعاً كثيراً».

(4) التجصيص

      ومن البدع التي انتشرت تجصيص القبور، وذلك بطليها بالجص ويشمل زخرفتها أو صبغها بالألوان مع ورود النهي الصحيح الصريح؛ وذلك لما رواه مسلم عن جابر - رضي الله عنه - قال: «نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن تجصيص القبور». وفي رواية: نهى عن تجصيص القبر».

     قال القرطبي في شرح مسلم: «التجصيص: هو البناء بالجص، هو القص والقصة، والجصاص، والقصاص واحد، فإذا خلط الجص بالرماد، فهو الجيار».

أقوال العلماء في تجصيص القبر

      تتابع العلماء بالتحذير منه، فعنون له مسلم في صحيحه في باب (النهي عن تجصيص القبر والبناء عليه)، وكذلك فعل ابن ماجه، ولما سئل مالك رحمه الله عنها قال: «أكره تجصيص القبور، وقال الشافعي -رحمه رحمه الله-: «أحب أن لا يجصص، ولم أر قبور المهاجرين والأنصار مخصصة»، ونهى أبو حنيفة عن تجصيص القبور، كما نقل ذلك تلامذته»، وقال الإمام ابن حزم: «ولا يحل أن يجصص القبر»، ونهى عمر بن عبدالعزيز أن يبنى على القبو بآجر، كذلك أوصى الأسود بن يزيد فقال: «لا تجعلوا على قبري أجراً»، وقال ابن القيم: «ورد النهي عن تجصيص القبر »، وقال إمام الدعوة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه رحمه-: ولا يجوز تجصيصه».

(5) وضع الستور على القبر

      إن من البدع التي انتشرت هي كسو القبور بالأقمشة الفاخرة تشبهاً ببيت الله -عزوجل-، وهذا لا شك مظهر من مظاهر الشرك؛ لأنه يفضي إلى تقديس القبور وتعظيمها، ويقاس على ذلك وضع الأعلام والأقشمة على التوابيت في الجنائز الرسمية تعظيماً لها وإعلاء من شأنها؛ وهذه كلها من الأمور التي نهى عنها الرسول - صلى الله عليه وسلم - وجاء الإسلام بتحريمها، فها هي قبور أصحاب الرسول -[-، وقبل ذلك قبره، ما وضع عليها شيء من هذا، بل ها هو الرسول -صلى الله عليه وسلم - يبين أن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين؛ فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: أخذت نمطاً فسترته على الباب، فلما قدم فرأى النمط عرفت الكراهية في وجهه، فجذبه حتى هتكه أو قطعه وقال: إن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين».

      قال النووي -رحمه الله-: عند تعليقه على الحديث: «وأما قوله -صلى الله عليه وسلم - حين جذب النمط وأزاله: إن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين فاستدلوا على أنه يمنع من ستر الحيطان وتنجيد البيوت بالثياب، وهو منع كراهة تنزيه لا تحريم، هذا هو الصحيح.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ومن المحرمات العكوف عند القبر، والمجاورة عنده وسدانته وتعليق الستور عليه كأنه بيت الله الكعبة».

خَدَمَة الأضرحة زين لهم الشيطان

      فالتعليل في الحديث إيماء إلى أن هذه الستور خلقت لينتفع بها الأحياء، فاستعمالها في ستر الجماد تعطيل وعبث ولكن خَدَمَة الأضرحة زين لهم الشيطان ذلك؛ ليفتح لهم بابا من الارتزاق الخبيث، فتراهم إذا احتاجوا لتجديد ثوب التابوت لكل عام أو إذا بلي أوهموا العوام أنها بها من البركة ما لا يحاط به، وأنها نافعة في الشفاء من الأمراض، ودفع الحساد وجلب الأرزاق، والسلامة من كل المكاره والأمن من جميع المخاوف، فتهافت عليها البسطاء، وهان عليهم بذل الأموال في الحصول على اليسير منها، وكيف تقع البركة وهذه الستور على ما عهدت، وبناء القبور على ما علمت ورفعها وتزيينها على ما سمعت!».

وسيلة إلى هدم الإسلام

      وقال محمد بن إسماعيل الصنعاني رحمه الله: «فإن هذه القباب والمشاهد التي صارت أعظم ذريعة إلى الشرك والإلحاد، وأكبر وسيلة إلى هدم الإسلام وخراب بنیانه، غالب بل كل من يعمرها هم الملوك والسلاطين والرؤساء والولاة، إما على قريب لهم، أو على من يحسنون الظن فيه من فاضل أو عالم أو صوفي أو فقير أو شيخ كبير، ويزوره الناس الذين يعرفونه زيارة الأموات من دون توسل ولا هتف باسمه، بل يدعون له ويستغفرون حتى ينقرض من يعرفه أو أكثرهم، فيأتي من بعدهم فيجد قبراً قد شيد عليه البناء، وأسرجت عليه الشموع، وفرش بالفراش الفاخر، وأرخيت عليه الستور، وألقيت عليه الأوراد والزهور، فيعتقد أن ذلك بيده النفع أو دفع ضرر ويأتيه السدنه يكذبون على الميت بأنه فعل وفعل، وأنزل بفلان الضر وبفلان النفع، حتى يغرسوا في جبلته كل باطل، والأمر ما ثبت في الأحاديث النبوية من لعن من أسرج على قبور وكتب عليها، وبنى عليها، وأحاديث ذلك واسعة معروفة، فإن ذلك في نفسه منهي عنه، ثم هو ذريعة إلى مفسدة عظيمة».

 

بدعة شنيعة منكرة

       سئل الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله- عن كسو القبور بالأقمشة الفاخرة وتزيينها قال: «وهي بدعة شنيعة منكرة باتفاق الأئمة، لم تكن موجودة في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا في عهد الصحابة والتابعين، ولم يؤثر فيها شيء عن أئمة المسلمين لا الأئمة الأربعة ولا غيرهم وهم على كشفها كانوا أقوى، وبالفضل لو كان فيها أحرى، وإنما وجدت هذه البدعة أول ما وجدت في أثناء القرن السادس من فعل بعض السلاطين، وقد نص أهل العلم على إنكارها وتحريمها حالما وجدت».

 

 

العلَّة في تحريم تجصيص القبور

- أن ذلك مباهاة واستعمال زينة الدنيا في أول منازل الآخرة، ولا حاجة للميت بها.

- أن فيه نوعاً من الخيلاء، والخيلاء محرمة إلا في حالات، وليس الموت منها.

- إضاعة للمال بلا فائدة بل إنها جالبة للمضرة.

- أنها وسيلة وذريعة للشرك، ولذا نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنها.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك