بحضور 26٪ من الناخبين وتراجع كبير للإسلاميين- الانتخابات المصرية… نتائج وتحليلات
العزوف الجماهيري الواضح عن المشاركة، انعكس في صورة اللجان الخاوية من الناخبين، وكذلك انعكس على الأرقام الرسمية
برغم ما نال حزب النور من جراح نتيجة الممارسات غير الشريفة التي مورست ضده، إلا أن قياداته ما زالت تعبر عن رغبتها في الاصطفاف الوطني
أكثر من 135 عامًا من التاريخ البرلماني المصري، تعاقبت فيها على البلاد 32 هيئة نيابية تراوح عدد أعضائها ما بين 75 عضوًا و 458 عضوًا، أسهموا في تكوين تاريخ مصر وسياساتها ومواقفها الدولية وقراراتها الداخلية، ومن بين هذه النظم والهيئات حظيت الانتخابات البرلمانية الأخيرة بالنصيب الأكبر من اهتمام الباحثين والمراقبين كونها الانتخابات النيابية الأولى التي تأتي بعد أحداث 30 يونيو 2013 وحل البرلمان السابق لها الذي استحوذ الإسلاميون على أغلبيته، في حين لم يحصلوا إلا على 2٪ فقط من مقاعد هذا المجلس.
خريطة الأحزاب السياسية
وقد جاءت نتائج تلك الانتخابات مخيبة لظنون كثير من المراقبين والخبراء، وهذا ما بدا واضحًا من خريطة الأحزاب الفائزة بالانتخابات، التي تصدرها حزب المصريين الأحرار الذي جاء في المركز الأول، بـ 65 مقعدًا في المجلس، يليه حزب مستقبل وطن في المركز الثاني بـ50 مقعدًا، وحزب الوفد: 45 مقعداً، وحماة وطن: 17 مقعدًا، وحزب الشعب الجمهوري: 13 مقعدًا، وحزب المؤتمر: 11 نائبًا، حزب النور: 12 نائبًا، حزب المحافظين: 6 مقاعد، وحزب الحركة الوطنية: 5 مقاعد، وحزب السلام الديمقراطي: 5 مقاعد، والحزب المصري الديمقراطي: 4 مقاعد، وحزب الحرية: 4 مقاعد، وحزب مصر بلدي:3 نواب، وحزب مصر الحديثة:3 مقاعد، وحزب التجمع: مقعد واحد.
هل اهتم المصريون بالانتخابات؟
وعلى الرغم من الزخم الكبير الذي أخذته تلك الانتخابات، إلا أن هذا الاهتمام لم ينعكس بالقدر ذاته على الشارع المصري الكبير في ظل دعوات واسعة لمقاطعة الانتخابات من بعض الجهات فضلا عن حالة الإحباط العامة المسيطرة على الشارع المصري وعلى الأخص القطاعات الشبابية، ولاسيما أن هذا البرلمان يأتي بعد انتخابات 2011 التي شهدت إقبالاً جماهيريًا تاريخيًا غير مسبوق في التاريخ المصري إلا أنه بعد حل هذا البرلمان بقرارات سيادية تراجعت الحماسة الشعبية للمشاركة كثيرًا شعورًا بالإحباط وعدم جدوى المشاركة أو أهمية الصوت الانتخابي وتأثيره.
انعكاسات سلبية
هذا العزوف الجماهيري الواضح عن المشاركة، انعكس في صورة اللجان الخاوية من الناخبين، وكذلك انعكس على الأرقام الرسمية التي تعلنها اللجنة العليا للانتخابات ولجانها الفرعية، والتي جاءت لتعيد إلى الأذهان الأرقام الانتخابية في مصر قبل 25 يناير التي لم تتعد المشاركة فيها نسبة الـ5% على أحسن التقديرات مع اختلاف زيادة النسبة في هذه الانتخابات من 15-20% حسب الأرقام الرسمية المعلنة - التي يعترض عليها الكثيرون-، وذلك نتيجة حرص بعض الاتجاهات السياسية والكتل التصويتية على الحشد للتصويت ربما لوجود قناعة كبيرة عند هذه الاتجاهات بعد وجود تزوير للأصوات داخل الصناديق أو عدم وجود تلاعب في الأرقام النهائية للاقتراع؛ وهو الأمر الذي يكاد يتفق عليه كل من شارك في هذه الانتخابات الأخيرة. إن العملية الانتخابية تمت إجرائياً بطريقة تخلو من المخالفات داخل اللجان.
المرحلة الثانية
كانت انتخابات المرحلة الثانية امتدادًا لممارسات المرحلة الأولى من الحشد الطائفي للكنيسة، وتدخل المال السياسي بشراء الأصوات بطريقة واسعة معلنة وموثقة بالصوت والصورة في كل الدوائر الانتخابية بلا استثناء؛ الأمر الذي أتاح الفرصة لعدد كبير من أعضاء الحزب الوطني السابق الذين كانوا يوصفون (بالفلول) قبل سنتين وما زالوا، فضلا عن فوز عدد كبير من رجال الأعمال ومنهم متهم بالفساد الصريح كالتهرب الضريبي وسرقة أراضي الدولة وغيرها من المخالفات، فضلا عن فوز عدد من الملفوظين شعبيًا والموصوفين بخروجهم الدائم عن الآداب العامة والسلوك السوي، أو من يعدهم القطاع العريض من الشعب مجموعة من الحواة أو المهرجين الذين ساهموا في إفساد عقول قطاعات ليست بالهينة من الشعب، مثلما حدث مع الإعلامي الشهير الذي حاز على أكبر عدد من الأصوات الانتخابية في العملية كلها، والذي كان ومازال مادة للسخرية والتندر على صفحات التواصل الاجتماعي والأحاديث الشعبية بطول البلاد وعرضها نظراً للطريقة التي يقدم بها نفسه ومحدودية إمكانياته وتقلبه السياسي الدائم الذي يعزوه المطلعون إلى كونه أداة في يد بعض الجهات الحريصة على توجيه الرأي العام وتحريكه.
مفارقات سياسية
ومن المفارقات الملفتة للنظر في هذه الانتخابات أن سامح سيف اليزل - وهو ضابط مخابرات سابق وشريك في شركة خدمات أمنية عالمية، وظهر في الواجهة بوصفه مهندساً لقائمة (في حب مصر) والمعروفة بتبعيتها لأجهزة الدولة- خرج ليعلن في المرحلة الأولى من الانتخابات أن بعض أعضاء قائمته - والمنتمين إلى حزب المصريين الأحرار التابع للملياردير النصراني نجيب ساويرس- خطر على الدولة المصرية، وأن كثيرًا من مرشحي الحزب لم يكن يحق لهم المشاركة في العملية السياسية ولاسيما أن أغلبهم ينتمون إلى الحزب الوطني المنحل، وتم استقطابهم من قبل ساويرس لزيادة فرصته وحصته في البرلمان سعياً لرئاسة الحكومة وتشكيلها بعد حصوله على الأغلبية البرلمانية كما أعلن هو أكثر من مرة حرصه على ذلك.
مخاوف النظام وآماله.
على أي الأحوال فإن البرلمان الحالي تم تكوينه وفقًا للإرادة السياسية الرسمية التي كانت ترغب في إيجاد قائمة موحدة يشارك فيها الجميع، وتفوز بنتيجة البرلمان بالتزكية توفيرًا للوقت والأموال والمجهودات الكبيرة التي تم إهدارها، هذه الصورة تم رفضها من قبل أكثر المهتمين بالعمل السياسي؛ نظرًا لأنها تعارض بالأساس فلسفة تكوين المجلس التشريعي المراقب على الأجهزة التنفيذية والممثل النيابي للشعب بتنوعه وهو ما أجهض الفكرة التي كان يفترض أن يقوم على تنفيذها الدكتور الجنزوري السياسي والتنفيذي الشهير.
طرح غير مقبول
الطرح نفسه برغم قابليته للأخذ والرد إلا أنه غير مقبول سياسيًا وخارجيًا على الأقل من جانب الدول المهتمة بالشأن المصري التي تربطها بها اتفاقيات سياسية وأمنية واقتصادية وتريد تفعيلها، أو لها مصالح اقتصادية وسياسية تخشى عليها وتريد أن تجد الضمانة للحفاظ عليها ممثلة في وجود دولة يقوم عليها نظام ذو شكل معترف به دولياً يمنع استبداد أي من السلطات أو تغولها.
تحالف دعم الدولة
وعلى المستوى الداخلي فإن هناك مئات من القوانين والقرارات الرئاسية التي تم إصدارها في المرحلة الانتقالية التي أعقبت 3 يوليو، ويراد لهذه القوانين والقرارات أن تأخذ الطابع الدستوري والقانوني الكامل بإقرار مجلس النواب لها أو تعديله إياها، وهي الوظيفة الأساسية التي يراد لهذا المجلس الجديد القيام بها، ولكن يبدو أن الرغبة الرسمية في تمرير هذه القوانين جعلت الأمور تسير على النحو المشار إليه سابقًا وهو ما عبر عنه سامح سيف اليزل بأنه بصدد إنشاء (تحالف دعم الدولة) من أعضاء البرلمان الحاليين من الحزبيين والمستقلين لإيجاد ضمانة لتمرير المواقف والقرارات محل النزاع وعدم الاتفاق، وهو أيضا ما عبر عنه محمد بدران الرئيس الشاب لحزب (مستقبل وطن) بأنه سوف يتم إقرار هذه القوانين والقرارات أولاً لضيق الوقت، ثم يمكن أن تتم مناقشتها بعد ذلك.
بين الشكل والمضمون
نستطيع القول بأن المليارات التي أنفقت وملايين ساعات العمل الرسمية والشعبية كلها ذهبت تصب في البحث عن الشكل وترسيخه بغض النظر عن المضمون، وهو الأمر الذي رصدته العديد من الهيئات والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية في الداخل والخارج، وهو الأمر الذي يثير التساؤل بمستقبل العلاقات السياسية الخارجية بالنظام المصري، ومدى عَدِّ البيئة المصرية آمنة وصالحة للاستثمار ولاسيما بالنسبة لرأس المال الأجنبي الذي لا يغامر بالاستثمار في أماكن مضطربة سياسياً واجتماعياً؛ مما يؤثر على جدوى هذه الاستثمارات وضمان أمنها.
فرقاء سياسيون ولكن متفقون
ربما هذا الأمر الأخير هو ما أشار إليه الدكتور ياسر برهامي -النائب الأول للدعوة السلفية بمصر- وهو أن مشاركة حزب النور ودعم الدعوة السلفية له في هذه الانتخابات يأتي بدرجة كبيرة استشعارًا من قيادات العمل السلفي بأهمية استكمال شكل الدولة وعبورها لهذه الفترة الانتقالية لإتاحة الفرصة لإقامة اقتصاد واستثمار قوي في البلاد لسد حاجة المصريين وخروج البلاد من كبوتها الاقتصادية.
وبرغم ما نال حزب النور من جراح نتيجة الممارسات غير الشريفة التي مورست ضده، إلا أن قياداته ما زالت تعبر عن رغبتها في الاصطفاف الوطني للشعب المصري للخروج من أزمته، كما عبر عن ذلك الدكتور يونس مخيون رئيس الحزب وعدد كبير من قياداته، إلا أن هذا الشعور المتسامي لم يمنع من ظهور المرارة في تصريحات قيادات الحزب تجاه ما حدث من ممارسات وسياسيات للدرجة التي عبر عنها الدكتور مخيون: بأن هناك من طبخ هذه الانتخابات وخرجت طبخته (حمضانة) على حد تعبيره، وأن هناك ما هو أفضل وهو ما يستحقه المصريون الذين لا يرضون الاستخفاف بهم.
آراء مؤيدة
هذا الرأي لم ينفرد به قيادات حزب النور، بل عبر عنه الكثيرون بطرائق مختلفة ممن هم مختلفون أيديولوجياً مع الحزب السلفي لأبعد مدى كالدكتور نور فرحات أستاذ القانون الدستوري الذي عبر عن رفضه لهذه الممارسات بقوله: «أرادوها انتخابات بلا سياسة، وأرادها الشعب سياسة بلا انتخابات».
وتابع: «لم يتعلم أحد الدرس، فلينعموا إذاً ببرلمان سامح سيف اليزل وأحمد الفضالى ومصطفى بكرى». وأضاف: «وهنيئًا بمهندسي التشريعات التي صممت مجلسًا على مقاس الحكومة، وأظن أن الدولة سعيدة بهذه النتيجة رغم أنها تظهر غير ذلك».
وقال: إن «قائمة في حب مصر هي قائمة الدولة حتى لو أنكر القائمون عليها هذه الحقيقة الواضحة للجميع»، معربًا عن تعجبه مما أعلنه أعضاء هذه القائمة حول اعتزامهم دعم الدولة داخل البرلمان، وأوضح «وظيفة البرلمان الأساسية هي المراقبة والتشريع وليست تأييد الدولة، لكننا للأسف في مصر نجد 120 عضوًا في البرلمان يعلنون تخليهم عن مهمتهم الأساسية من أجل دعم الرئيس والحكومة».
نستطيع القول بأن ما حدث قد حدث في هدوء، وقابل الأيام ستكشف جدوى هذه السياسات التي رفضها أكثر المصريين، بل وعدها بعضهم استنساخ لتجربة نظام مبارك السابق في استئناس المعارضة والإهدار المتكرر لخيارات الشعب ورسم مسارات قسرية دون مراعاة التوافق المجتمعي، والتهميش المتعمد لتيارات إصلاحية طالما عرفت بانحيازها لمصلحة الوطن مع إعطاء قبلة الحياة مرة أخرى لقطاعات طالما عرفت بالفساد المالي والسياسي.
لاتوجد تعليقات