رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: أسامة شحادة 5 يناير، 2015 0 تعليق

بالعلم والتفكير السليم ندفع الكفر والتكفير

في أمسية لطيفة مع عدد من أساتذة الجامعات وغيرهم، تناولنا مواضيع كثيرة، لكن من أبرز ما طرح فيها من قضايا وهموم، كان موضوع ما يعاينونه في واقع الشباب والشابات، وما يتعرضون له من شبهات وإغراءات وفتن، تستقطب أعدادا كبيرة منهم. وهي دائرة تزيد اتساعاً كلما اتسعت دائرة علاقاتهم بوسائط الاتصالات والتواصل الاجتماعي الإلكتروني خاصة.

     وهذه الشبهات والإغراءات والفتن التي يتعرض لها الشباب والشابات تُكَوِّن مروحة واسعة جداً؛ تبدأ بالكفر والإلحاد وإنكار وجود الله عز وجل، وتمر بعبادة الشيطان واللاأدرية والشك وأمثالها من الأفكار الهدامة، لتنتقل في أحيان كثيرة إلى مساحة الشهوات، من الإباحية، والانفلات، والمخدرات، والخمر، والتسيب الأخلاقي، كما قد تنتقل إلى الجهة المقابلة لهذا التفريط والإفراط؛ من التشدد والغلو إلى التكفير فالقتل والتفجير.

     وقد سمعنا من عدد من الأساتذة قصصا واقعية لبعض طلبتهم أو أبناء أصدقائهم، عرضوا فيها مآسي وكوارث أضاعت مستقبل هؤلاء الشباب، ودمرت حياتهم، وجلبت لأسرهم التعاسة والهمّ. والسبب هو تورط شاب أو شابة من العائلة في إحدى هذه الطامات.

     وكان هناك اتفاق على أن هذه الظاهرة السلبية تصيب جميع شرائح الشباب والشابات، سواء من ناحية التحصيل الدراسي، أم الوضع الاقتصادي والاجتماعي للشباب وعائلاتهم، فضلاً عن قربهم أو بعدهم عن الدين والتدين.

     بعد ذلك، انتقلنا في الحديث إلى مربع البحث عن حل، وعدم البقاء في مربع المشكلة وتشخيصها، وهو المربع الذي يستغرق فيه كثير من الناس حتى يغرق فيه، ويبقى يدور حول المشكلة من دون أي خطوة للبحث عن حل، وهو ما ينتج عنه نفسية سلبية يشع منها الإحباط والتذمر، وتصبح مع الأيام عائقا في طريق أي محاولة لحلّ المشكلة!
في مربع حل المشكلة طُرحت نقطتان:

     الأولى، هي العلم؛ فالجهل هو الأساس الأول لتورط غالب الشباب والشابات في كثير من الأفكار والأديولوجيات والسلوكيات الهدامة، ويقع جانب من المسؤولية عن هذا الجهل على الشباب والشابات، ولاسيما طلبة الجامعات؛ لأن سنهم ودراستهم تحتمان عليهم الوعي والتعلم، والجزء الأكبر من المسؤولية يقع على عاتق الأسرة والمدرسة اللتين يفترض فيها أن ترعيا هؤلاء الشباب والشابات وتعلمانهم، لكن هل هذا هو الواقع؟

     ومظاهر الجهل تجدها عند الشباب والشابات من خلال كره بعضهم أو كثير منهم للقراءة والمطالعة! واقتصار علاقتهم بالكتاب على ذاك المقرر، بل وعلى الصفحات والأسطر المقررة للامتحان، وهذه العلاقة السيئة بالكتاب نشاهدها الآن يومياً على أبواب المدارس مع موسم امتحانات الفصل الأول؛ حيث تمتلئ الشوارع القريبة من المدارس بصفحات الكتب الممزقة.

     ومن مظاهر الجهل، أيضا، عند الشباب والشابات، ضعف الثقافة العامة والدينية على وجه الخصوص لديهم، مع تدني مستوى اهتمامات ومتابعات الشباب والشابات للبرامج الجادة والرصينة في وسائل الإعلام.

     ومن هذه المظاهر كذلك سيطرة أخبار اللاعبين والممثلين على حواراتهم. كما أن برامج الشعوذة والأحلام والسحر والمواهب التافهة هي الغالبة على مشاركاتهم وتعليقاتهم وتصويتهم في المواقع، وربطهم حياتهم بكذبات زوايا الأبراج وقراءة الطالع والكف والفنجان، وطالما بقي الجهل سائداً بين المتعلمين وطلبة الجامعات، فإنهم سيبقون ضحية متوقعة لمروحة فتن وإغراءات الكفر-التكفير، ولا يحارَب الجهل، إلا بتكاتف الأسرة والمدرسة والإعلام والمسجد والجامعة، على نشر العلم والمعرفة وحب القراءة والمطالعة، وتعديل سلم الأولويات والقيم عند الشباب والشابات.

     النقطة الثانية، هي غياب التفكير السليم عند كثير من الشباب والشابات، وهو ملازم لحالة الجهل؛ ولذلك، يتورط هؤلاء في اتخاذ قرارات وخيارات سيئة، تفضي بهم إلى إحدى فتن مروحة الكفر-التكفير.

     ويؤكد أحد الأساتذة الجامعيين أنه بعد تأمل أخطاء وورطات كثير الشباب والشابات التي اطلع عليها مباشرة، وجد أنهم يعانون من مشكلة في التفكير؛ فهم يقبلون أفكارا وسلوكيات جديدة من دون أن يطلبوا دليلا على صحتها وسلامتها، بل ينبهرون بجمالها أو قوتها أو كلفتها أو غرابتها أو منطقها، وينسون السؤال عن الدليل والبرهان على سلامة هذه الفكرة أو هذا السلوك. وبعد أن «تقع الفأس في الرأس»، يستيقظون على وقوع كارثة، بخلاف ما قيل لهم من قبل. فهذا قد يتورط في إدمان للمخدرات، وذاك قد يتورط في الإلحاد.. وفلان قد يتحمل دماء أبرياء بتفجيرهم عدواناً وظلماً.

     وهذا كله بسبب أنهم لم يتعلموا أن يسألوا عن الدليل على صحة أي فكرة أو سلوك جديد قبل الإقدام عليه. وقد علمنا القرآن الكريم هذه القاعدة الأساسية في التفكير، فقال تعالى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (البقرة: 111). فطلبُ الدليل هو أول خطوة في التفكير السليم.

والناس حين يطلب منهم الدليل ينقسمون إلى ثلاثة أقسام:

 - من يعجز عن تقديم الدليل، وهذا يسقط دعواه ويبطل مزاعمه، ويصبح من الحمق اتباعه وقبول كلامه.

- من يقدم الدليل على قوله، ويكون دليله صحيحاً وسليماً.

- من يقدم دليلاً، لكنه دليل فاسد وغير سليم، إما لكونه لا علاقة له بالموضوع أصلاً، أو لكونه فاسدا غير صحيح في ذاته، وهنا قد يكون الشاب أو الشابة ذا قدرة على فحص الدليل، وإما لا يستطيع ذلك، وهو ما ينقلنا إلى الخطوة الثانية في التفكير السليم، وهي: استشارة أهل الاختصاص.

     وهذا ما نفعله دوماً في أمورنا اليومية، كسؤال الطبيب، أو طلب خبرة من جرب سلعة ما، ولكن قد يغفل الكثير من الشباب والشابات عن استشارة أهل الاختصاص حين يُعرض عليهم دليل لفكرة أو سلوك لا معرفة سابقة لهم به، فينبهرون بالدليل، ويسلمون لأصحابه، ثم لما تقع الكارثة يدركون أن الدليل كان فاسداً.

     وحال هؤلاء الشباب والشابات في الحقيقة كمن يشتري سلعة بثمن غال، ثم يكتشف أنها سلعة مزيفة، لكنه خدع بلونها وشكلها وتغليفها، والكلام المعسول للمخادع النصاب، ولو أنهم رجعوا لأهل الاختصاص لحموهم من النصابين المخادعين.

     وقد علمنا القرآن الكريم هذه القاعدة في التفكير السليم، إذ قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ ۚ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (النحل: 43)، ولو أن الشباب والشابات استشاروا أهل الخبرة فيما يعرض عليهم، لحموا أنفسهم ومستقبلهم وعائلاتهم. لكن ضعف الثقة والتواصل مع الأهل والمعلمين من قبل الشباب والشابات، هو سبب عزوفهم عن استشارتهم.

     كما أن قيم الفردية والحرية والتمرد التي يشيعها طوفان الأفلام والمسلسلات والحوارات، لها دور كبير في تهور الشباب والشابات وخوض المغامرات الخاسرة والمدمرة، من دون استشارة ورجوع إلى أهل الاختصاص.

     لو أننا في أسَرنا ومدارسنا ومساجدنا، نرسّخ عند شبابنا وشاباتنا منهجية التفكير السليم، وهي السؤال عن الدليل، والرجوع إلى أهل الاختصاص لفحص الدليل، لتجنبوا كثيرا من العثرات والمصائب، والتورط في متاهات الكفر أو التكفير، وما يتبع ذلك من خسائر مادية ومعنوية على الصعيد الشخصي والأسري والمجتمعي.

     نحن اليوم مدعوون جميعاً، أسراً ومدارس ومعاهد وجامعات ومساجد وإعلاما ومجتمعا مدنيا، إلى نشر العلم والمعرفة عموما، والعلم الشرعي خصوصا، بين أبنائنا أولاً، وتعليمهم طرق التفكير السليم حين تعرض لهم أفكار وسلوكيات جديدة ووافدة. وهي طرائق تقوم على طلب الدليل على صحة الأفكار وسلامتها، واستشارة المختصين لفحص سلامة الدليل، وذلك لحماية مستقبل أبنائنا وأسرنا ومجتمعنا.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك