بالشكر تدوم النعم
نعم الله علينا كثيرة تحتاج منا دائمًا إلى شكر وذكر له -سبحانه وتعالى-، وقد وعد الله الشاكرين بخيري الدنيا والآخرة، فقال -تعالى-: {وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} أي سيجزيهم ثوابًا كثيرًا عظيمًا وقال -تعالى-: {وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ}، أي من شكر نعم الله عليه انتفع بشكره لله بتحصيل خيري الدنيا والآخرة، ومن كفر نعمة الله فلا يضر إلا نفسه، والله -تعالى- غني عن خلقه، لا ينفعه شركهم ولا يضره كفرهم. وقال -تعالى-: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}، فشكر الله على نعمة سبب لدوامها وزيادتها، وكفران النعم من أسباب نقصانها وزوالها.
الذنوب تزيل النعم
فالذُّنُوب تُزِيلُ النِّعَمَ، وَتُحِلُّ النِّقَمَ، فَمَا زَالَتْ عَنِ الْعَبْدِ نِعْمَةٌ إِلَّا بِذَنْبٍ، وَلَا حَلَّتْ بِهِ نِقْمَةٌ إِلَّا بِذَنْبٍ، كَمَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: مَا نَزَلْ بَلَاءٌ إِلَّا بِذَنْبٍ، وَلَا رُفِعَ إِلَّا بِتَوْبَةٍ، وَقَدْ قَالَ الله -تعالى-: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} (سُورَةُ الشُّورَى:30) وَقَالَ: -تعالى-: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (الْأَنْفَالِ: 53)، فَأَخْبَرَ اللَّهُ -تعالى- أَنَّهُ لَا يُغَيِّرُ نِعَمَهُ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَى أَحَدٍ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي يُغَيِّرُ مَا بِنَفْسِهِ، فَيُغَيِّرُ طَاعَةَ اللَّهِ بِمَعْصِيَتِهِ، وَشُكْرَهُ بِكُفْرِهِ، وَأَسْبَابَ رِضَاهُ بِأَسْبَابِ سُخْطِهِ، فَإِذَا غَيَّرَ غَيَّرَ عَلَيْهِ، جَزَاءً وِفَاقًا، {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيد}ِ. فَإِنْ غَيَّرَ الْمَعْصِيَةَ بِالطَّاعَةِ، غَيَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ بِالْعَافِيَةِ، وَالذُّلَّ بِالْعِزِّ، وقال -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} (الرَّعْدِ: 11).
كبائر الذنوب
وهناك ذنوب تعد من كبائر الذنوب، استهان بها كثير من الناس، حتى أصبحت عندهم لا شيء، أو أنهم يعتقدون أنها ليست بذنوب أصلاً، ومن ذلك الرشوة التي أصبح كثير من الناس يتلهف عليها ويسعى لها، وقد قال الله -تعالى- فيها {وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} (البقرة188)، هذه الآية نص في تحريم الرشوة التي يدفعها الراشي إلى الحاكم كالقاضي، أو الموظف المسؤول عن الفصل في أمر من الأمور، فيحكم له بالحق مع أنه على الباطل أو يحكم على خصمه بالباطل مع أن خصمه على الحق، هذا المال هو الذي لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دافعه وآخذه، «لعن الله الراشي والمرتشي» صححه الألباني.
آثار الرشوة
فتأمل ما فعلت الرشوة اليوم في أحوال الناس من تضييع الحقوق وتفويت الحق على أهله، ومن أخذ كثير من الناس لأمور ليستْ من حقهم، وإنما هي بأموال توصلوا بها إلى إبطال الحق وإحقاق الباطل، وهذا -لَعمْرُ الله- من الأمور التي تهدم المجتمعات؛ إذ إنها من الظلم الذي لا يرضاه الله، وإن سماها كثير من الناس بأسماء يوهمون بها أنفسهم وغيرهم، أنها ليست رشوة وهي عين الرشوة، كما يسميها بعضهم بالحلاوة ونحوها -قاتلهم الله.
نعم كثيرة
يقول الشيخ ابن باز -رحمه الله-: «من المعلوم أن الله -جل وعلا- أسبغ علينا نعما كثيرة، ولم يزل يسبغ على عباده النعم الكثيرة، وهو المستحق لأن يشكر على جميع النعم، والشكر قيد النعم، إذا شكرت النعم اتسعت وبارك الله فيها وعظم الانتفاع بها، ومتى كفرت النعم زالت وربما نزلت العقوبات العاجلة قبل الآجل».
لاتوجد تعليقات