رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر المحلي 19 ديسمبر، 2011 0 تعليق

باقر: من الطبيعي أن يغلب الثورات العربية الطابع الديني ويجب ألا نستغرب ذلك

 

حذر النائب والوزير الأسبق عضو اللجنة الاستشارية الاقتصادية أحمد باقر من عواقب الهدر المالي للزيادات والكوادر والامتيازات المالية التي تطالب بها النقابات والجهات بين الحين والآخر، مشيرا إلى أن الدولة ستواجه عجزا ماليا في ميزانية 2020 بسبب تضخم بندي الرواتب والدعم إضافة إلى الزيادات السنوية المحددة بـ7.5 إلى 10 في المئة، حسب الدراسات التي قدمها كل من البنك الدولي وتوني بلير وماكنزي.

- بوصفك مراقباً سياسياً ووزير ونائب سابقاً كيف تقيم الساحة السياسية، وما تشهده العلاقة الحالية بين السلطتين التشريعية والتنفيذية؟

- الوضع في الكويت سيئ جدا لأمور عدة، منها التركيبة التشكيلية لمجلسي الأمة والوزراء، فالحكومة غير قادرة على حل قضية مهمة جدا، ألا وهي قضية الكوادر والزيادات، تلك القضية التي تعصف وتضرب بقوة خطة التنمية التي صادق عليها مجلس الأمة بقانون، وتضرب كذلك الدراسات المحلية والعالمية التي أجريت من أجل تنمية الكويت، ومنها دراسات البنك الدولي، وتوني بلير، وماكنزي، ولجنة إصلاح المسار الاقتصادي الكويتية.

      ورغم كل هذه الدراسات فإن الحكومة غير قادرة على حل هذه القضية، فإذا نظرنا إلى ميزانية الدولة التي تبلغ 19.5 مليار دينار فسنجد أن الرواتب تتكلف 10 مليارات منها، و4.5 مليارات مواد مدعومة، إذاً ماذا تبقى لتنمية الكويت والأمن، والصحة، والإسكان، والتعليم؟

       وقد حذر سمو الأمير في افتتاح اللجنة الاستشارية الاقتصادية، التي أحظى بعضويتها، من المصروفات الجارية، مشددا على أن مستقبل الأجيال القادمة غير مأمون، ورغم كل ذلك لم تقم الحكومة بإقناع المواطنين ومجلس الأمة والنقابات والإعلام بأن الوضع الذي تسير عليه البلاد خطير جدا.

       وإذا عدنا إلى بند الرواتب فسنجد أن مجلس الأمة أقره بمبلغ 9 مليارات و200 مليون، ولكن بعد الزيادات التي صرفت للعسكريين، والعاملين في النفط، والطلبة، والمتقاعدين والمعلمين أصبح بند الرواتب يفوق العشرة مليارات، وماذا فعلت الحكومة قبل تصريح وزير المالية مصطفى الشمالي بأن الكويت ستضطر إلى خفض قيمة الدينار، وأن الرواتب أصبحت تستهلك 80 في المئة من النفط؟ هل طلبت عقد جلسات خاصة في مجلس الأمة؟ هل شرحت بالصور والمستندات والأرقام، من خلال الإعلام، للمواطنين حجم الكارثة المقبلة عليها الكويت؟

وإذا نظرنا كذلك إلى أداء الحكومة بالنسبة إلى موضوع الإيداعات المليونية، فإننا سنرى أن         أداءها «متواضع»، وكأنها متفرجة، فربع أعضاء مجلس الأمة محالة حساباتهم إلى النيابة العامة لشبهات مالية تتعلق بغسل الأموال، وأريد هنا الرد على وزير الدولة لشؤون مجلس الأمة وزير النفط د. محمد البصيري، الذي صرح بأن هذه الشبهات تتعلق بغسل الأموال لا بالرشاوى؛ لأنه لو قرأ المادة الأولى من قانون 35 لسنة 2002 بشأن غسل الأموال، لوجد أن الرشاوى والكسب غير المشروع متضمنة في هذا القانون، فكيف يقول إنها ليست رشاوى؟!

       وبسبب تغطية الحكومة لا يعرف أحد من هم هؤلاء النواب، وكم تبلغ أحجام أموالهم، وهل نقدا أم شيكات، وما المدة التي تم خلالها إيداع الأموال، وما الإجراءات التي يجب أن تقوم بها الحكومة والنيابة والداخلية؟ مع العلم أن السلطات التنفيذية واجبها أن تقف حائلا بين الجريمة ووقوعها، لا أن تقف متفرجة على ما يحدث قائلة: «إن الأمر بيد النيابة».

       وفضلاً عن ذلك أعتقد أن من حق الشعب الكويتي أن يعلم هذه التفاصيل؛ لأن المحاسبة والرقابة الشعبية مهمة جدا، ومن الخطأ الاقتصار على الاجراءات القضائية التي لن نتوصل من خلالها إلى شيء بسبب نقص التشريعات أو ضعف الإجراءات.

       وإذا قمنا بإجراء عملية حسابية بسيطة بأن جمعنا قيمة بندي الرواتب والدعم وضربناها في عامل زيادة سنوي مقداره 7 في المئة، وهو أقل معدل فقد يصل إلى 11 في المئة بالسنة، حسب دراسة البنك الدولي، لوجدنا أن هذين البندين فقط سيصلان إلى 53 مليار دينار و350 مليونا عام 2029، أي بعد 17 عاما من الآن.

       ومن أجل تغطية هذين البندين فإن سعر برميل النفط من المفترض أن يصل إلى 220 أو 230 دولارا للبرميل، وإذا لم يصل إلى هذا السعر فماذا نفعل؟ من أين نأتي بوظائف لأجيالنا القادمة، علما أن الحكومة مطالبة هذا العام 2011-2012 بتوفير 20.500 فرصة عمل، وفي عام 2025 مطلوب توفير 55 ألف فرصة، وفي سنة 2029 مطلوب 74 الفا، ومن الآن حتى 2029 ستكون قوة العمل في الكويت مليون كويتي.

       لذلك يجب على الحكومة توفير فرص عمل للكويتيين في القطاعين العام والخاص؛ لأن التعليم العام به 500 ألف طالب من الصف الأول الابتدائي حتى السنة الرابعة في الجامعة، كل هذا العدد يحتاج إلى وظيفة وأغلبهم سيفضل العمل الحكومي، كبقية الكويتيين؛ لعدة أسباب: رواتب أعلى وكوادر، زيادات تطالب بها النقابات ومجلس الأمة، إجازات سنوية أكثر، عدم وجود محاسبة، ودوام أخف.

       وإذا حدث ذلك فإن الرواتب ستصل بعد 10 سنوات إلى 20 مليار دينار، على الأقل، وهذا يعود إلى عدم وجود أغلبية للحكومة في البرلمان، وأغلبيتها تظهر في الاستجوابات فقط، أما القوانين فإنها تفرض عليها فرضا مثل الزيادات والكوادر، ومن وجهة نظري إذا لم تجد الحكومة الأغلبية التي تضمن لها تمرير القوانين والمشاريع التي تصب في مصلحة البلد، فعليها أن تستقيل، ويعاد تشكيلها بوزراء يحظون بأغلبية كبيرة في المجلس.

       كل هذه المشكلات التي تواجه الحكومة والمطالبات المتكررة بزيادة الرواتب لن تنتهي، بل إنها تدور في دائرة مغلقة، فكل مواطن يطالب بزيادة، وعلى سبيل المثال: أين ذهبت الألف دينار لكل مواطن وإسقاط ألفي دينار عن الكهرباء وزيادات الجامعة والتطبيقي، وغيرها الكثير؟! وما أن تطالب جهة بزيادة حتى تتبعها جهات أخرى، مثل سقوط قطع الدومينو المتوالية، كل ذلك وما زال المواطن يطالب بالزيادة.

       لذا يجب على الحكومة تقديم الخطط والدراسات الكفيلة بكسب ود الشعب، فالحكومة ومجلس الأمة هما اللذان يقودان الشارع نحو الأفضل، لا العكس، وحسب الإحصائيات الرسمية لو استمر إنتاج الكويت من النفط بمعدل 3 ملايين برميل يوميا بسعر 100 دولار للبرميل، فإن الدولة ستدخل مرحلة العجز في ميزانية 2020-2021، وهذا يرجع إلى تنامي المصروفات بنسبة 7 في المئة في السنة على الأقل كما ذكرنا، كما لم تحقق الكوادر العادلة بين المواطنين، فهناك جهات تضاعفت رواتبها وفئات لم تزد إلا اليسير؛ مما خلق جوا من عدم الرضا والارتياح وللأسف لم تربط الزيادات بمستويات التضخم.

       هذا بالنسبة إلى دور الحكومة، أما إذا انتقلنا إلى دور مجلس الأمة فإننا سنجد أنه يتحمل جزءا كبيرا من الوضع السيئ الذي تعيشه الدولة، فرغم أن بعض النواب أيد تصريح وزير النفط بأن أقل من 85 أو 90 دولارا لسعر برميل النفط، واحتمالية خفض قيمة الدينار، فإن مجلس الأمة هو السبب في الوصول إلى العجز المحتمل وخفض القيمة، فكلما قدم طلب بزيادة الرواتب أو عمل كادر لبعض الفئات فزع له أغلبية أعضاء مجلس الأمة.

       وإن كانت فزعتهم من أجل العيش الكريم للمواطنين، وأن يعيش المواطن في «بحبوحة»، لكن ليس بهذه الطريقة، وهذه الزيادات المرتفعة، فمعدل التضخم 5 أو 7 في المئة فكيف أرفع حجم الرواتب إلى 70 أو 80 في المئة كما حدث؟! وكذلك يجب أن نستخدم هذه الزيادات بوصفها أداة جذب للتخصصات النادرة والطاردة كتخصص الفيزياء والكيمياء، وفي جذب الكويتيين للعمل في مهن مثل التمريض، وفي رفع رواتب من يعمل أكثر، فكيف نساوي بين من يعمل حصة أو حصتين في الأسبوع ومن يعمل 12 و14 حصة؟!

- هل ما تعانيه الكويت من حالة عدم استقرار له علاقة بالصراع الداخلي للأسرة الحاكمة؟

- لا شك في ذلك، فهناك خلافات كثيرة في أسرة الحكم، ولكنها ليست السبب الرئيس فيما تعانيه الكويت من عدم استقرار.

- خلاف المواقف بين نواب التجمع السلفي واضح للعيان، فالعمير يصنف على أنه حكومي، بينما السلطان مصنف من المعارضة، فهل هذا الخلاف يعكس خلافات داخل بيت التجمع السلفي؟

- نعم، هناك خلاف بين الأخ علي والأخ خالد، ولكل نائب منهما فريق يؤيده في رأيه، ولكن هذا الخلاف في وجهات النظر لا أكثر، وهناك محاولات جادة لتقريب وجهات النظر فيما بينهما، وأرجو في القريب العاجل أن يزال هذا الخلاف، وأود أن أشير إلى أننا في التجمع ليس لدينا إجبار أو الزام فنحن تجمع لا حزب.

- لماذا تأخر إعلان الأمين العام للتجمع السلفي والهيئة الإدارية حتى الآن؟

- بسبب هذه الخلافات سابقة الذكر.

- يلاحظ توافق مواقف النائب محمد المطير مع مواقف التجمع، فهل هو محسوب عليكم أو قريب منكم؟

- النائب المطير قريب منا جدا، وهو محبوب وله مواقف جريئة وطيبة جدا، وهناك الكثير من النواب آراؤهم قريبة منا.

- استخدمت الفتاوى الدينية في قضايا سياسية لتحديد مواقف نوابكم، ولكن نرى انقلابا على تلك الفتاوى، فما الأسباب؟ وهل هذه الفتاوى ملزمة للنواب؟

- حمل الدستور مجلس الأمة أمانة الأخذ بأحكام الشريعة، ولكن هناك بعض الإخوة يفتون في القضايا السياسية دون إلمام بكل جوانبها، وهذا شيء مؤسف، وأنا أنصح بالإحاطة بكل جوانب الموضوع قبل الإفتاء؛ ولذلك نجد أن الفتوى قد تختلف من شيخ لآخر على حسب اطلاعه وإلمامه بموضوع الفتوى، فقد سألت أحد المشايخ حول جواز الاعتصامات فقال لي: الاعتصامات حرام، وعندما قلت له: إن كان العمال، مثلا، الذين يعملون في مصنع قد تضررت صحتهم من هذا العمل، بسبب غاز سام فاضطروا إلى التوقف لرفع الأمر إلى السلطات لتحسين الأوضاع فهل يجوز؟ قال: نعم، فقلت هذا هو المقصود من بعض الاعتصامات، أما اعتصامات الأطباء مثلا وتعريض المريض للموت فهذا حرام، وعليه يجب على المفتي أن يكون دقيقا وأن يحيط بالموضوع من كل جوانبه، وأن يستعين بالمختصين في كل جانب.

- يغلب الطابع الديني على الربيع العربي وليس بعيدا عن هذا غلبة الصبغة الدينية على المعارضة في الكويت اليوم، فهل يمكن وصف الفترة الحالية بالصحوة الدينية الثانية؟

- ليست صحوة دينية، ولكن أحب أن أوجه كلامي هنا للإخوة الليبراليين والعلمانيين- أن الدين مكون أساسي من مكونات الأمة وهو متجذر بها حتى الأعماق، ولا تعتقدوا أنكم تستطيعون الغاءه، فكل الثورات العربية كان للدين دور رئيس في نجاحها، ففي مصر كانت الكنيسة تقف إلى جانب المسجد في هزيمة الاستعمار، وكذلك في جميع الدول العربية.

       وبما أن الدين مكون أساسي فمن الطبيعي أن يكون مصدرا رئيسيا للتشريع، ومن الطبيعي أن يغلب على الثورات العربية الطابع الديني؛ ولذلك يجب ألا نستغرب ذلك، ولا شك في أنه بالإمكان قيام نهضة وطنية علمية واقتصادية دون الإخلال بقواعد الدين الإسلامي وأحكامه.

- هل هناك تنسيق بين التيارات الإسلامية في الكويت خلال الانتخابات البرلمانية، وتحديدا بين الحركة الدستورية الإسلامية والتجمع السلفي؟

- لقد اتفقنا في مرة واختلفنا في أخرى، ولكن الاختلاف كان حول بعض القضايا المطروحة، فجميعنا متفق في الأساسيات ولكننا نختلف في بعض الأمور أحيانا، مثل القروض، وكذلك حول الإساءات التي تنشر لبعض الرموز أحيانا، فهذه الاختلافات من طبيعة البشر، ولكن الأصعب هو إلغاء الآخر، كما يحدث الآن في مصر، فبعض الفئات تحاول إلغاء الفئة الأخرى وإقصاءها من الدائرة الانتخابية وهذا لا يجوز.

- هل سنرى أحمد باقر مرشحا في الانتخابات المقبلة؟

- لا، لن أترشح مرة أخرى فأنا اكتفيت بما خضت من انتخابات، فقد دخلت مجلس الأمة ست مرات نائباً ومرة واحدة ووزيراً معيناً، وقد قضيت حوالي 25 سنة بين العمل الحكومي والبرلماني، وشاركت في إقرار العديد من القوانين، منها قانون الزكاة، وجلب الأموال المغصوبة من الخارج، وقانون حماية الأموال العامة، وقانون استقلال القضاء، وقانون التأمين الصحي على الوافدين، والقانون الذي يمنع استغلال المرأة وغيرها الكثير، والحمد لله على ذلك.

- إذا عرضت عليك الحكومة اليوم أو مستقبلا تولي حقيبة وزارية فهل ستقبل؟

- في الظروف الحالية لا أوافق مطلقا، فأنا أطالب بتعديل جذري في الحكومة، فلا يمكن أن أشارك في حكومة تستنزف البلد بهذه الطريقة السائدة الآن.

- كونك عضوا في مجموعة 26، ما رؤيتك لمستقبل الكويت؟

- أرى أن مستقبل الكويت بعد توفيق الله مرتبط ارتباطا وثيقا بأداء مجلس الأمة ومجلس الوزراء، ولكنهما للأسف لم يكونا على قدر المسؤولية الملقاة على عاتقهما؛ لذلك لابد من التعجيل بحل المجلسين لأن تأخر الحل يوما بعد يوم ستكون كلفته عالية على الكويت.

- لماذا اقتصر تحرك المجموعة على البيانات الصحافية، ولا نرى لها تحركات أخرى على ارض الواقع؟

- بالعكس، كان لها تحرك ولكن لم يكن مكثفا فقد التقينا سمو الأمير مرتين والحكومة مرتين، والتقينا أغلب أعضاء مجلس الأمة وطرحنا عليهم رؤيتنا، وأقمنا الندوات والمقابلات التلفزيونية، وشاركنا مع بعض القوى في العديد من الندوات، ولكن هذا ليس كافيا ولاسيما أن لدينا الكثير من المتخصصين في السياسة والاقتصاد.

       أما أهداف المجموعة فتتمثل في وقف الاستنزاف وتنمية الكويت، ومحاربة الفساد، ونحن من البداية قلنا إننا لسنا حزبا أو تجمعا سياسيا بل مجموعة ضغط، ورغم اختلاف التوجهات السياسية والأيديولوجية داخل المجموعة، ليبرالي وإسلامي وسني وشيعي، فإننا اتفقنا على أهداف معينة لمصلحة الكويت، وهذا مثال صغير لما يمكن أن تكون عليه الكويت في المستقبل، فرغم اختلاف التوجهات بها فإنه بالامكان جمع الكويتيين على مصلحة الكويت، ونحن عملنا يقوم على تقديم النصيحة لمجلسي الأمة والوزراء من أجل النهوض بمستقبل الأمة.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك