رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 24 أغسطس، 2017 0 تعليق

باختصار مشروع العمر

      تُعدّ مرحلة التقاعد مشكلة حقيقية لدى معظم الناس، حيث يعتقدون أن هذه المرحلة هي بداية  لمتاعب التقدم في السن، وإيذان بالدخول إلى مرحلة الشيخوخة؛ وتحدث هذه النقلة الحتمية هاجساً مخيفاً, ومعاناة نفسية كبيرة لهم؛ فالعمل فضلا عن المكتسبات المادية التي يحققها للإنسان, فإنه يجد فيه ذاته، ويحقق من خلاله أهدافه وطموحاته؛ ولذلك فإن من أهم الآثار السلبية لمرحلة التقاعد الشعور بعدم القيمة والدونية والخوف من الفراغ، والشعور بالعزلة والوحدة والملل.

     من هنا لابد أن يتساءل المرء ما المشروع الذي لا تتهدده هذه المرحلة؛ ماهو المشروع الذي يمتد بامتداد العمر فيملأ على الإنسان حياته، ويحقق فيه ذاته، ويبذل له ما يملك من فكر، وعمل، ومتابعة؟ لا شك أن الحديث عن مثل هذا المشروع حديث من نوع خاص، حديثٌ تكتبه المشاعر قبل أن يجري به القلم، حديثٌ تتوق إليه الروح، قبل أن يحن إليه الجسد، وهكذا هي المشاريع السامية في حياة الإنسان.

      إن أهم مشروع يمكن أن يحقق مثل هذه الطموحات ولا شك، العمل لدين الله عزوجل، وتعبيد الناس لرب العالمين، والاجتهاد ليعلو الإسلام، وتعود الأمة لقيادة الدنيا بدين الله -عزوجل-؛ فالسعي لخدمة الدين واحدة من أجلّ المهمات التي يمكن القيام بها وجعلها هدفاً أساساً للحياة، وهذه المهمة السامية ليست مسؤولية شخص بعينه أو هيئة معينة، وإنما مسؤولية كل مسلم على حسب طاقاته وإمكاناته وقدراته.

    فلابد أن يفكّر المرء بأن يجعل له مشروعًا أو مشاريع عدة يحرص على أن ينجزها في حياته لخدمة هذا الدين، وكلما زادت الهمة، وقويت العزيمة، كبرت معها الطموحات والإنجازات، وليس شرطًا أن يتحقق الهدف الذي تطمح إليه في حياتك، بل يكفي أن تزرع البذرة، وتحرص على رعايتها فإذا رأيت الثمرة، فذلك من عاجل البشرى لك، وإن مُتَّ قبل ذلك، فلعل هناك من يكمل المسيرة.

     إن الشخصية المسلمة لابد أن يكون لها تأثير وإنجاز وبصمة في الحياة، وكل إنسان يختار المجال الذي يرى أن بإمكانه الإبداع والإنجاز فيه، ولقد خلق الله تعالى الناس وهم مختلفون في هممهم وقدراتهم؛ لذلك يختار الإنسان من المشاريع ما يعتقد أن بإمكانه تحقيقها.

     فمن الناس من يرى أن بإمكانه تنفيذ مشاريع خيرية، وآخر مشاريع دعوية، وثالث في مجالات تقنية، ورابع في مجالات علمية، وهناك من يجعل مشاريعه في تطوير نفسه ورفع مستوى أدائه، وآخر يسعى لأعمال تعبدية فردية ترفع منزلته في الآخرة، وآخر يرى أن خدمة الناس وتفريج كربهم وإعانتهم، مشروع كبير عملاً بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أنا وكافل اليتيم في الجنة والساعي على الأرملة و المسكين كالمجاهد في سبيل الله»، وبعضهم يرى أن تعليم الناس كتاب الله -تعالى- قراءة وحفظًا، مشروع ضخم قال فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه»، وشخص يرى أن القيام على تربية الشباب وتوجيههم والعناية بهم من أهم المشاريع؛ فالشباب هم شريان الحياة النابض بالقوة والحركة والقيادة الجادة، والشباب أكثر إقبالاً على الحق وأكثر عوناً عليه، كل هذا من الخير والبر.

     ولا شك أنَّ من الناس من يجمع هذا كله وهم العاملون ضمن كيانات ومؤسسات دعوية، وفي إطار عمل جماعي منظم، يضرب بسهم في كل هذه المجالات؛ حيث إنجاز الأعمال وتحقيق الأهداف يصب في مصلحة الجميع.

     ولقد حث النبي -صلى الله عليه وسلم - المسلم على العمل والبذل والعطاء إلى آخر لحظة في حياته؛ فقال - صلى الله عليه وسلم -: «إذا قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة فليزرعها»، وهذا يعقوب -عليه السلام- في لحظات موته يوصي أبناءه بعبادة الله وحده، قال -تعالى-: {أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (البقرة:133). لذا بادر وابدأ من هذه اللحظة بالتفكير في مشروعك الخاص، مشروع العمر، المشروع الذي يمكن أن تكون من خلاله شيئًا كبيرًا في تاريخ نفسك، وتاريخ أمتك وليكن شعارك: (كن رجلاً إن أتوا بعده, يقولون: مرَّ وهذا الأثرْ).

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك