رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 16 مارس، 2020 0 تعليق

باختصار – كورونا بين التهويل والتهوين

 

عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم ضَاحِكًا حَتَّى أَرَى مِنْهُ لَهَوَاتِهِ، إِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ، قَالَتْ: وَكَانَ إِذَا رَأَى غَيْمًا، أَوْ رِيحًا عُرِفَ فِي وَجْهِهِ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الْغَيْمَ فَرِحُوا رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْمَطَرُ وَأَرَاكَ إِذَا رَأَيْتَهُ عُرِفَ فِي وَجْهِكَ الْكَرَاهِيَةُ؛ فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ مَا يُؤْمِنِّي أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ عُذِّبَ قَوْمٌ بِالرِّيحِ، وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ الْعَذَابَ؛ فَقَالُوا: هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا(الأحقاف: 24).

     تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع هذا الحدث تعاملاً حكيمًا دقيقًا؛ فلم يُرِّوع الناس؛ فيخرجهم عن حد الوسطية والعقلانية، بل أشار صلى الله عليه وسلم إلى أنه (قد) يحمل شرًا يجب الاحتياط له بالرغم من أنه خير في ظاهره؛ فقال صلى الله عليه وسلم : «يَا عَائِشَةُ مَا يُؤْمِنِّي أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ، عُذِّبَ قَوْمٌ بِالرِّيحِ وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ الْعَذَابَ فَقَالُوا: هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا»، فما بالك بما سواه من الأحداث التي ظاهرها الشر المحض.

حال المؤمن

     هذا هو حال المؤمن الحق الذي يعتبر ويخشى من العواقب إذا تغيرت الأحوال العامة، ونزلت آية كونية كالكسوف، والخسوف، وشدة الرياح، والزلازل، والأمراض، كالأوبئة، والطاعون، وغيرها؛ فيعلم أن ذلك لا يكون عبثًا، وإنما لحكمة أرادها الله -تعالى.

معالجة حكيمة

     والمؤمن مع ذلك الخوف والوجل، يتعامل بحكمة وروية، ويضع الأمور في نصابها الطبيعي دون تهويل يرعب الناس، أو تهوين يجعلهم يستخفون بالحدث، مما ينعكس سلبًا على نتائجه وآثاره، وهكذا يجب أن يكون تعاملنا مع التحديات والأزمات مهما كانت طبيعتها، ولاسيما تلك التي تحيق بالأفراد والجماعات والمجتمعات.

تحدي فيروس (كورونا)

     وتنطبق هذه القاعدة على تحدي فيروس (كورونا) الذي انتشر في عشرات الدول، وقد سيطرت أنباؤه على ما سواها، حتى توسعت دائرة الجدل المثار حوله؛ فبعضهم هول منه ورأى أنه فيروس خطير، يستحق اهتمام العالم بأسره، بينما هون آخرون منه نظرًا لعدد وفياته القليل، إذا ما قورن بأمراض أخرى.

آثار سلبية

     ولا شك أن لكلا الأمرين -التهويل أو التهوين- آثارا سلبية على المجتمع؛ فمحاولات التهوين من الأزمة، وعدم الشفافية في تقييم حجمها الحقيقي يزيد من الخسائر المحتملة، ويفقد السيطرة عليها، والتعامل معها بما تستحق من عناية واهتمام؛ فالتقييم الحقيقي للأزمة يساعد على الإدارة الفعالة لها، والتعامل الجاد معها، وتحديد مدى تأثيرها وحجم الضرر الواقع والمتوقع منها.

صناعة غربية

     ومن صور التهويل التي انتشرت بين الناس أن هذا الفيروس صناعة غربية ضمن حرب بيولوجية تقودها بعض الدول، ولاشك أن هذا التحليل قد تؤيده بعض الأحداث والمواقف، إلا أن تضخيمه وإبرازه بطريقة تثير الرعب في القلوب والنفوس أمر مرفوض، وقد تكون له نتائج كارثية على الأمن والسلم المجتمعي.

نوع من الطاعون

     ومن صور التهويل تصويره على أنه نوع من الطاعون، ذلك الوباء البكتيري الذي حصد ملايين من البشر من قبل، بينما لم يتوقع الأطباء -وهم أهل الذكر- أن يصل كورونا إلى هذا الحد.

تجنب التفسير القدري

     أما التهوين من هذا الحدث فتتمثل أخطر صوره في محاولة تجنب التفسير القدري الكوني له؛ فنحن مع علمنا أن مثل هذه الابتلاءات تصيب المؤمن والكافر على حدٍ سواء، إلا أننا من منطلق إيماننا بقضاء الله وقدره، نخاف أن يكون ما حل بنا مما كسبت أيدينا، ويكون ذلك عقابًا من الله -تعالى-، وبجانب هذا الإيمان لا نهمل الأسباب المادية في التعامل معه، فهي من الفروض التي أوجبها الشرع علينا.

نظرة المؤمن

     فالمؤمن ينظر لهذه الأحداث نظرة مختلفة عن غيره، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع الريح؛ فالمؤمن يخاف من عذاب الله وانتقامه، قال -تعالى-: {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ، أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا، فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} (الملك: 16-17)؛ فكلما تعرف العبد على صفات الجلال لله من الكبرياء، والعظمة، والعزة، والغلبة، والمكر، بأهل المكر، والانتقام، وتأمل في أفعاله فيمن مضى وعادته في الجاحدين والغافلين، عظّم الله وخافه أشد الخوف، وهرب من عذابه إلى رحمته، ولم يأمن مكره -سبحانه.

ميت القلب

     وأما ميت القلب فهو في غفلة عظيمة عن التدبر والتفكر في آيات الله وأفعاله التي يرسلها الله لعباده إشارات ونذرًا، {وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ}، عافانا الله وإياكم من كل سوء.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك