رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 14 فبراير، 2022 0 تعليق

باختصار – شكرًا لك يا ريّان

 

بعد خمسة أيّام من الحفر والتنقيب والترقب والقلق أُخرج الطفل المغربي ريّان من غياهب الجُبّ، بعد أنْ اجتمعت عليه آلام السقطة مع أهوال الصدمة، وشدة الظلام، وأوجاع الغربة وبرودة الحرمان، خرج جُثة هامدة، وأنهى مأساة الأوقات الصعبة التي حبس العالم فيها أنفاسه، وتعلقت فيها قلوب الملايين من المسلمين بالله -تعالى-، ورُفعت ملايين الأكف، و لهجت الألسنة بالدعاء لإنقاذه حيا.

رحل ريّان.. رحل ذلك الطفل الذي لا نعرف عنه شيئًا سوى اسمه واسم قريته وقصة موته التي أبكت الملايين، رحل ريان تاركا وراءه جنازة في كل بيت، رحل ريان الذي نال شهرة عالمية في غضون ساعات قليلة من سقوطه في الجب السحيق، شهرة لم ينلها المتاجرون المتناحرون لأجلها، رحل ريّان، لكنه ترك رسائل يستحق عليها أن نقول له: شكرًا لك يا ريّان.

شكرًا لك يا ريّان؛ فقد علمتنا أن الحياة قصيرة، وأنَّ الموت هو النهايةُ الحتميّة لكل حي، وهو النقطة الأخيرة التي تُكتب في نهاية السطر، فهو يهدم اللذات ويُفرّق بين الناس، ويفصل بين الآباء والأمهات والأبناء، ويُبعد الأحبة عن بعضهم بعضا، وأنه لا يفرق بين الصغير والكبير، وأننا كلنا في قاع جب الدنيا ننتظر لحظة الخلاص.

شكرًا لك يا ريّان؛ فقد أكدت عجزنا تجاه مقادير الله -جل وعلا-، وأننا أضعف مما نتخيل، وأصغر مما نعتقد، علمتنا أنّ الأمَّة لَوْ اجتمعت عَلَى أَنْ ينفعوك بشيء لَمْ ينفعوك إِلَّا بشيء قَدْ كتبه اللَّهُ لك، ولو اجتمعوا عَلَى أَنْ يضروك بشيء لَمْ يضروك إِلَّا بشيء قَدْ كتبه اللَّهُ عليك.

شكرًا لك يا ريّان؛ فقد علمتنا قيمة الحياة، وجعلتنا ندرك نعم الله؛ ففي الوقت الذي كنت فيه وحيدا جائعًا مصابًا في الجُبّ، كان الملايين ينعمون بنعمة القرب والأنس، ويتقلبون في نعم الأمن والخير، ينظر أغلبهم للمفقود لا الموجود، يبحثون عن الغائب قبل الشكر على الحاضر.

شكرًا لك يا ريّان؛ فقد نبهتنا إلى مآسي مئاتٍ من أطفال المسلمين المشردين حول العالم الذين لا بواكي لهم، فكم من ريّان في سوريا سقط عليه البيت! أو مات على شاطئ اللجوء! أو مات جوعًا في غزة أو اليمن! علمتنا أن نهتم بكل طفلٍ سقط في بئر الخذلان، وأن نتعاطف مع كل ريّان مُشرّد، وأنْ نَصِلَ إلى كل ريّان جائع، وأن نروي كل ريّان ظمآن.

شكرًا لك يا ريّان؛ فقد علمتنا أن أمتنا يمكن أن تتوحد في المحن، وأن القلوب قد تنشد جميعها أملاً واحدًا، وأنَّ المسلمين قد يجتمعون على حلم واحد، وأن الخير في أمتنا باقٍ إلى يوم القيامة.

شكرًا لك يا ريّان؛ فقد علَّمتنا أن نحيا بالأمل حتى لو فقدنا كل أسبابه، وأن نتشبث بحبال التفاؤل حتى ولو كنا في قاع الخذلان، وأن نتلمس شعاع الضوء حتى لو كنا في ظلماتٍ بعضها فوق بعض.

شكرًا لك يا ريّان؛ فقد رويت فينا شجرة الحب بدموعك في الجُبّ، وأعدت لنا روح الإيجابية وأننا إخوة مهما فرقت بيننا المسافات؛ فهذا يضرب بمعوله، وهذا يحفر بآلته، وهذا يدعو على سجادته، الكل كان يُمسك بحبال الأمل ليخرجك من قاع الجُبّ، فأخرجتهم من بئر السلبية والخذلان ثم رحلت.

شكرًا لك يا ريّان؛ فقد علمتنا أن موت بعض الناس حياة، فقد أحييت في الأمّة روح الجسد الواحد، الذي إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى، لقد أحييت الأمّة رغم أنك لم تحيا كثيرًا.

شكرًا لك يا ريّان؛ فقد ذكرتنا بأنه ليس شرطًا أن تنتهي كل القصص نهاية سعيدة، وأن نتوقع كل النتائج مع أخذنا بالأسباب كافة، فسلامٌ عليك يا ولدي حتى نلقاك في أعلى الجنان؛ حيث لا فراق ولا حزن ولا جوع ولا خوف ولا جراح ولا جُبّ، سلامٌ عليك يا صغيري، فنحن نثق بأن اختيار الله لك أفضل من آمالنا المعقودة عليك، وقَدَرُه لك أجمل من تخطيطنا لك، ورحمته بك أكبر من حب أهلك لك.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك