رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 12 ديسمبر، 2022 0 تعليق

باختصار  – حتى تكون حواراتنا بنّاءة

 

     للحوار في الإسلام أهداف عدة، أهمها: تعزيز روح التواصل، ومد جسور التفاهم بين الناس، واكتساب العلم وتلقي المعرفة، وتنويع الآراء والتصورات للوصول إلى أحسن النتائج وأفضلها، ومعرفة وجهات النظر لتفهم المواقف، والنظر إلى الأمور من زوايا مختلفة، وإيصال الحق للآخر عن اقتناع وقبول.

     وإن من سنن الله - تعالى- الكونية اختلاف البشر، كما قال -تعالى-: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} (هود: 118-119).

     فالبشر متفاوتون في الأفهام والعقول والتصورات، وفي فهم ما يقرؤون أو يسمعون أو يشاهدون، ثم إن طرائق التربية التي ينشأ عليها الناس تختلف من بيت إلى آخر، ومن بيئة إلى غيرها، فلا عجب أن تختلف الأفهام والأمزجة.

     وبعض الناس -مع الأسف- يتناسون هذه القاعدة، ويحاولون احتكار الحقيقة، فلا صحة إلا لأقوالهم، ولا صواب إلا لاجتهاداتهم، ولا سداد إلا لآرائهم، يضيقون بمن يخالفهم، ويتهمونه بالتعصب وعدم الفهم والسطحية.

     إن قناعة الشخص بخطأ غيره لا يعني أن غيره مخطئ، ولذلك قال الشافعي -رحمه الله-: «قولي صواب يحتمل الخطأ، وقول غيري خطأ يحتمل الصواب»، فكثير من الحوارات التي تدور بيننا لا نعرف يقينًا أيُّنا فيها على صواب وأينا على خطأ؟ فليس فينا معصوم، وكل موقف له مؤيدون وله معارضون.

     فمن أراد أن يكون حواره بناءً مع الآخرين فلابد له من تعلم فقه الخلاف وأدب التعامل مع المخالف، وأن يتجنب الأسباب والبواعث المؤدية إلى فشل الحوار.

     وإن أول هذه الأسباب هو عدم وضوح الرؤية لموضوع الحوار من مختلف جوانبه بين المتحاورين، فلو أن المتحاورين درسوا موضوع حوارهم جيدًا قبل النقاش، ورأوا جوانبه، واستبصروا بالمؤثرات المحيطة به لأثَّر ذلك إيجابيا في نجاح ذلك الحوار.

     كذلك فإن الانطباعات المسبقة عن موضوع الحوار أو عن الأشخاص المتحاورين، تؤثر سلبًا على نتائج ذلك الحوار، فأنت إذا نظرت إلى الحوار نظرة مسبقة، وانطبع في ذهنك فكرة سلبية عنه، فلن يكون ذلك الحوار مثمرا أبدا.

     ومن أخطر الأمور المؤدية إلى فشل الحوار مع المخالف التعصب للآراء أو للأشخاص، تعصبًا يدفعه الهوى، فيصير المحاور أداةً بلا عقل، ولسانًا بلا فكر.

     إن حواراتنا يلزمها الصدق ابتداءً، هذا الصدق الذي يدفعنا إلى قبول الصواب من أي جهة كانت، وعندئذ تكون الحكمة ضالة المتحاورين، ويكون احترام الآخر أساسًا من أسس الحوار، ويكون البحث عن الصواب هو الهدف والمرتجى، قال الشافعي -رحمه الله-: «ما ناظرت أحدًا قط فأحببت أن يخطئ، وما كلمت أحدًا قط وأنا أبالي أن يظهر الله الحق على لساني أو على لسانه».

     إنَّ كل من يسعى للوصول إلى حوار ناجح، ينبغي عليه أن يعي بأنّ الحوار ليس ساحة لتأكيد الذات والتسلط على الآخرين، أو الغلبة عن طريق العراك الكلامي المشحون بالانفعال الذي يقود إلى الصدام والتشنّج، بل الحوار وسيلة راقية لإدراك الحقيقة واكتشافها، وساحة يتفّهم فيها كل طرف الرأي الآخر؛ ليتوصّل من خلاله إلى القرار الصائب والنظرة الثاقبة، والمعيار في ذلك كله قول الله -تعالى-: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا} (الإسراء:53).

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك