رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 16 يوليو، 2020 0 تعليق

باختصار – تَفَقُّد الآخرين.. سُنَّة مهجورة

 

 

     قبل أيام كتبت مقالاً بعنوان: (القرار الصعب)، عبَّرت فيه عن حال كثير من المغتربين وحيرتهم في اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم بعد سنوات طويلة من الغربة، وإذا برسالة صوتية تصلني من الشيخ الفاضل: شريف الهواري، يتفقد أحوالي، وكأنه استشف من مقالتي أنني أعاني مشكلة ما، ولقد تركَت هذه الرسالة في نفسي أثرًا بالغًا؛ إذ أحسست فيها بمشاعر الأبوة الحانية، التي من أهم خصائصها الاهتمام بالآخرين.

قلة من الدعاة والمربين الذين يجيدون هذا الفن (فن التَفَقُّد)؛ فيهتمون بشؤون الناس، ويسألون عن أحوالهم، ويتحسسون أخبارهم، ويتلمسون همومهم وآلامهم.

إن من أبرز صفات الداعية وأهمِّ سجاياه، أنَّه قريب ممَّن حوله، يسدِّد وينصح، يؤيد ويشجع ويدعم، وهكذا، فإذا بدأ الداعية في الانكفاء على الذات وقلة السؤال، فهذا دليلٌ على الغفلة عمَّن حوله، فالغفلة فَقْدُ الشعور بمَن حقُّه أن تشعر به.

     إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتفقد أصحابه وأهله، ويتعرف على أحوالهم وشؤونهم؛ ليطمئن عليهم، ويُدخل السعادة والسرور على قلوبهم، ويتقاسمَ معهم همومهم وآلامهم؛ فلم يكن عليه الصلاة والسلام- يعيش بعيدًا عن أصحابه، بل كان لهم كالأب الحاني الشفيق، فما أن يغيب أحدهم عن ناظريه إلا ويسأل عنه، فإن كان مريضًا سارع إلى عيادته، وإن كان مسافرًا خَلَفَه في أولاده، وإن كان في حاجة سارع إلى قضائها له، وهذا ما كان يفعله - صلى الله عليه وسلم - مع الصغير والكبير، والغني والفقير، الرجال والنساء، بلا استثناء.

     لقد جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - إسعاد الآخرين هدفًا من أهم أهدافه؛ فعن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أَحَبُّ الناسِ إلى اللهِ أنفعُهم للناسِ، وأَحَبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزّ وجلَّ- سرورٌ تُدخِلُه على مسلمٍ ، تَكشِفُ عنه كُربةً، أو تقضِي عنه دَيْنًا، أو تَطرُدُ عنه جوعًا، ولأَنْ أمشيَ مع أخٍ في حاجةٍ؛ أَحَبُّ إليَّ من أن أعتكِفَ في هذا المسجدِ يعني مسجدَ المدينةِ شهرًا، ومن كظم غيظَه ولو شاء أن يُمضِيَه أمضاه، ملأ اللهُ قلبَه يومَ القيامةِ رِضًا، ومن مشى مع أخيه في حاجةٍ حتى يَقضِيَها له، ثبَّتَ اللهُ قدمَيه يومَ تزولُ الأقدامُ».

ومن مواقفه الخالدة - صلى الله عليه وسلم -، موقفه مع صحابي فقير، ليس من أعلام الصحابة وكبارهم، إنه جليبيب - رضي الله عنه -، فقد خرج - صلى الله عليه وسلم - في غزوة له، فلما أفاء الله عليه، قال لأصحابه: «هل تفقدون من أحد؟ قالوا: نفقد فلانا، ونفقد فلانا، قال: انظروا هل تفقدون من أحد؟، قالوا: لا، قال: لكني أفقد جليبيبًا ....» الحديث.

يقول الشيخ ابن باز -رحمه الله-: إن الأدلة من الكتاب والسنة تدعونا إلى العناية والاهتمام بإخواننا المسلمين أفرادًا وجماعات في كل بقاع الأرض، وتفقد أحوالهم، ومعرفة واقعهم، وتحسس آلامهم، ورصد احتياجاتهم، ومعرفة مطالبهم، ثم العمل على مساعدتهم، كل بحسب استطاعته.

     لا شك أنها سعادة بالغة تلك التي يستشعرها المرء عندما يسعى لإسعاد الآخرين، أو يشارك في تخفيف آلامهم؛ فالحياة كدٌّ وتعب، ومشقة وصعاب، ومشكلات واختبارات وآلام، وما يصفو منها ما يلبث أن يتكدر، والناس بحاجة إلى يد حانية، تُرَبِّتُ على أكتافهم في أوقات المصائب، وتَجْبُر انكسارهم في أوقات الآلام، ومن طالت به خبرته في الحياة علم أن أعلى الناس فيها قدرًا الباذلون جهدهم لإسعاد غيرهم.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك