رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 30 يوليو، 2019 0 تعليق

باختصار – المشهد الأخير والقرارات الخطأ

 

عن عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ أَقْبَلَ نَفَرٌ مِنْ صَحَابَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: فُلاَنٌ شَهِيدٌ، فُلاَنٌ شَهِيدٌ، حَتَّى مَرُّوا عَلَى رَجُلٍ فَقَالُوا: فُلاَنٌ شَهِيدٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : «كَلاَّ، إِنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ، فِي بُرْدَةٍ غَلَّهَا، أَوْ عَبَاءَةٍ...» الحديث رواه مسلم.

وجاء رجل إلى عمر رضي الله عنه ، وقد فقئت عينه يشتكي مَنْ فَعَلَ به هذا، وقد أشفق الصحابة -رضوان الله عليهم- على هذا الرجل، وتوقعوا أن يحكم عمر رضي الله عنه له، لكنه قال: انظروا لمن فقأ عينه، فقد يكون قد فقئت عيناه.

الأمثلة كثيرة والشواهد متنوعة في توضيح حقيقة التثبت وأهميته، وعدم الانخداع بظواهر الأمور التي تؤثر ولا شك في قرارات المرء وتوجهاته وردود أفعاله، فكم مرة بنينا رأيًا ما في حدث ما، ثم اكتشفنا بعد فترة أن ذلك الرأي لم يكن صحيحًا.

وكم من مرة تأثرنا عاطفيًا بمشهد من المشاهد، أو حدث من الأحداث، اتخذنا بسببه قرارًا ما، ثم اكتشفنا بعد ذلك أنَّ الحقيقة كانت على غير ما رأينا.

     من هنا أولت الشريعة هذه المسألة اهتمامًا بالغًا، وكان من جملة القواعد القرآنية التي نص الحق سبحانه عليها في كتابه الحكيم ضمن منهج تربية المجتمع المسلم قاعدة {فَتَبَيَّنُوا} (الحجرات:6)، فكثير من النفوس جُبلت على التسرع والعجلة، لذا يكفيها سماع الخبر أو مشاهدة الحدث حتى تشرع مباشرة في تحليله ونشره وإشاعته. 

     وقد عمدت بعض الجماعات والتيارات إلى توظيف بعض الأحداث والمواقف، واستغلالها استغلالا يحقق أهدافها ومصالحها الشخصية، واللعب على عواطف الجماهير، مستغلين عدم دراية كثير من الناس بالتاريخ وبحقيقة تلك الأحداث، فاستغلوا مشهدًا معينًا، عززوا من خلاله مصالحهم، أو شوهوا تاريخ خصومهم، ففي الغالب لن تبحث الجماهير عن الحقيقة، وستتلقى المعلومات الملقاة إليها حقائق مسلمة.

إنَّه تزيين وتجميل للكذب، وتوجيه الحدث بطريقة ممنهجة لخدمة أهداف خاصة وضيقة، وهكذا هو التضليل الذي يستهدف الحصول على نتائج متعارضة مع الحقيقة، وتكوين واقع محدد في ذهن المتلقي.

ومن التداعيات السلبية لاستغلال الأحداث وتوظيفها سلبيًا لتحقيق مصالح خاصة، أنه يعمل على تزييف الوعي لدى الأفراد والجماعات، ويخلق أعداء وهميين لهم بديلاً عن الأعداء الحقيقيين، ويعمد إلى شيطنة الآخر وتشويه صورته بكل وسيلة ممكنة.

     ومن تداعياته أنه قد يُستغل في الشحن العاطفي للجماهير، التي تستسلم في الغالب لتأثير العاطفة فتحجبها عن إدراك الحقائق ورؤية الأمور على ما هي عليه، وقتها تنقلب الموازين وتختل المقاييس، ويصير التعقل والتروي تخاذلاً وجبنًا، والحماقة والتهور شجاعة وإقداما، والفوضى بطولة وقوة!

     ولكي لا نقع في فخ «المشهد الأخير» والتأثر السطحي بالأحداث، يجب ألا نتسرع في الحكم على الأشياء، وأن نتمهل وندرس المواقف جيدًا كي تتضح لنا الأمور، فكم من حبيب ظُلم بسبب القرار الخطأ، وكم من أمين خُون نتيجة للتسرع في الحكم عليه، وكم من قرارٍ أُخذ دون تدقيق، وأصبح عامل دمار للعلاقات بين الأفراد والمجتمعات.

     وأخيرًا، فإنَّ الوعي هو السبيل والسلاح القوي في هذه المواجهة، فالوعي يُمَكّن الإنسان من فهم الواقع والوقائع، ويتيح له إدراك الحقائق، والإلمام بتفاصيل المشهد من حوله مهما كان نوع ذلك المشهد، كما أنه يحمي الإنسان من الوقوع في فخ «المشهد الأخير» وتأثيراته، وهنا يصبح الإنسان أكثر قدرة على اتخاذ القرار الصحيح، وبناء الرأي السديد في المجالات والقضايا المختلفة.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك