
باختصار – إِنَّ الأَرْضَ لا تُقَدِّسُ أَحَدًا
إنَّ من المعاني العظيمة التي أكّدها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقرّرها في حجة الوداع أنَّ التفاضل بين الناس إنما هو بتقوى الله -عز وجل- لا بأيِّ أمر آخر، كما قال الله -عز وجل-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات:13)، وعلى قدر تفاوت الناس في التقوى تكون منازلهم عند الله -تعالى.
وعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ - رضي الله عنه -، كَتَبَ إِلَى سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ - رضي الله عنه -: «أَنْ «هَلُمَّ إِلَى الأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ»؛ وكان أبو الدرداء يقيم في بيت المقدس آنذاك، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد آخى بينهما حين هاجر - صلى الله عليه وسلم - للمدينة، فَكَتَبَ إِلَيْهِ سَلْمَانُ - رضي الله عنه - قائلاً: «إِنَّ الأَرْضَ المقدَّسَة لا تُقَدِّسُ أَحَدًا، وَإِنَّمَا يُقَدِّسُ الإِنْسَانَ عملهُ».
ما أجمل هذا الرد من سلمان - رضي الله عنه - الذي يدل على فهمه وفقهه لقيمة العمل! فنسب الإنسان ومكان إقامته لا يُطهّره ولا يرفع مكانته وقيمته عند الله -تعالى-، إنّما الذي يُطهّره ويزكيه ويعلي مكانته هو الإيمان والعمل الصالح، وهذا الفهم هو منهج الإسلام الصحيح.
إنَّ الله -تعالى- حين أنْزَلَ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} (الشعراء: 214)، قَامَ رَسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فقالَ: «يا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ -أوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا- اشْتَرُوا أنْفُسَكُمْ؛ لا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شيئًا، يا بَنِي عبدمَنَافٍ، لا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شيئًا، يا عَبَّاسُ بنَ عبدالمُطَّلِبِ، لا أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شيئًا، ويَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسولِ اللَّهِ، لا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شيئًا، ويَا فَاطِمَةُ بنْتَ مُحَمَّدٍ، سَلِينِي ما شِئْتِ مِن مَالِي، لا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شيئًا».
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «موقفُ ساعةٍ في سبيلِ اللهِ خيرٌ من قيامِ ليلةِ القدرِ عندَ الحَجرِ الأسوَدِ»، وفي الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا فسَد أهلُ الشَّامِ فلا خيرَ فيكم»، وفي هذه الأحاديث إشارة قوية إلى أنَّ العبرة في البلاد إنما هي بصلاح السكان وليس بشرف المكان.
أترى هل يستوي المسلم العامل المجتهد في عمله، وعلمه، وخلقه، ودعوته، وسعيه بالمعروف بين الناس، بذلك المعتزل المعتكف في مكة أو المدينة الذي آثر مجاورة الأماكن المقدسة بالهدوء والدعة على الجهاد في سبيل الدعوة إلى الله، وإصلاح المجتمعات، ألم يقل النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ، وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُم، أَعْظَمُ أَجْرًا مِنَ الَّذِي لَا يُخَالِطُهُمْ، وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ».
إنَّ أرض المسلم التي تُقدّسه وتُعلي مكانته هي تلك الأرض التي يكون فيها أطوع لله ورسوله، ويتمكن فيها من عبادة ربه، ويتمكن فيها من نشر دعوته بين الناس، وإخراجهم من الظلمات إلى النور.
قال الشيخ الألباني -رحمه الله-: «هذه حقيقة لا ينبغي أن نغفل عنها، وليس القصد بطبيعة الحال أن نحط من فضل البلدان التي شرَّفها الله -تعالى-، ولكن أريد لنفسي ولإخواني ألا نغتر بالنسب سواء كان هذا النسب نسبًا إنسانيا أو كان نسبًا بلديًا إذا صح هذا التعبير».
لاتوجد تعليقات