رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان.القاهرة/مصطفى الشرقاوي 5 ديسمبر، 2011 0 تعليق

انخفاض درجات الحرارة وهطول أمطار غزيرة يعيد ملف التغيرات المناخية لواجهة الأحداث – العالم العربي على أعتاب موجة برد شديدة

 

حذر تقرير صادر عن الأمم المتحدة من أن التغيرات المناخية التي يشهدها العالم ستؤدي إلى حالة وصفها بالتطرف في درجات الحرارة خلال الأعوام المقبلة، إذ سيصبح فصل الشتاء أكثر برودة وفصل الصيف أكثر حرارة، وهو ما يمكن أن يزيد من مخاطر الفيضانات والجفاف في عدد من بقاع العالم.

وكشف التقرير أن ثمة احتمالات كبيرة بأن تؤثر انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناجمة عن النشاطات البشرية المتصلة بحرق الوقود على حالة الطقس، مرجحا أن تكون الدول الفقيرة الأكثر معاناة وتضررًا من الطقس السيئ والقاسي، ولاسيما مع تفاقم أزمة الغذاء بسبب اضطراب الإنتاج السنوي للمنتجات الزراعية وتضاؤل إمكانيات الصيد، وهذا إلى جانب تضرر قطاع السياحة الذي يعد مصدرا أساسيا للدخل في عدد كبير من البلدان النامية.

       ولفت التقرير إلى إمكانية أن تتعرض الدول الصغيرة المطلة على البحار لخطر ارتفاع مستوى البحر وزيادة سرعة الرياح المصاحبة للأعاصير الاستوائية؛ حيث ستصبح وفقا لتقديرات العلماء المواسم الحارة في مناطق حارة أصلاً مثل جنوب آسيا ووسط أفريقيا أكثر حرارة وهو ما يمثل مشكلات بيئية واقتصادية معقدة.

       ولفت التقرير إلى أن مخاطر التغير المناخي يتزايد عليه فيجب على دول العالم التضافر للتعامل مع مثل هذه المخاطر المتزايدة للكوارث، ولاسيما أن تداعيات هذه الأحداث ستكون أكثر تدميرًا في البلدان النامية.

موجة برودة

       ولعل ما زاد هذا التقرير مصداقية موجة البرودة الشديدة التي ضربت العالم واجتياح العواصف الثلجية الكثير من البلدان الأوروبية والأمريكية وصولاً لمناطق في الجزيرة العربية؛ حيث انخفضت درجات الحرارة إلى ما دون الـ4 درجات في منطقة تبوك بالسعودية وضربت موجة غير مسبوقة من الأمطار مناطق في مصر وغيرها من بلدان المغرب العربي.

       الغرابة لم تتمثل في هطول الأمطار وتسجيل درجات الحرارة معدلات أقل ما يقرب من 10 درجات بالمقارنة في الفترة نفسها في مثل هذا الوقت من العام الماضي، فيكفي أن نذكر أن بلدانًا عربية ضربها جفاف ملحوظ خلال العام الماضي، سواء في النصف الجنوبي من العالم أم في النصف الشمالي لدرجة أن درجة الحرارة ارتفعت في بلدان مثل روسيا لدرجة أسهمت في إحراق ملايين الأفدنة من القمح، وهو ما عزز تكهنات بأن يكون فصل الشتاء الأكثر دفئًا لكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن، وهو اضطراب يعيده كثير من الخبراء إلى الاحتباس الحراري الذي يسود العالم بشكل أسهم في عدم استقرار النظام المناخي حيث يؤدي إلى زيادة الحرارة في فصل الصيف لمعدلات قياسية، وهو سيناريو يتكرر في فصل الشتاء حيث تنخفض درجة الحرارة بشكل غير متوقع حتى لأكثر خبراء المناخ خبرة ودراية.

تفسيرات متعددة

       ولا شك أن موجة البرودة التي ضربت المنطقة تفتح الباب على مصراعيه أمام اجتهادات لتفسير سبب هذه الموجة الباردة المفاجئة أهمها تأثر المنطقة بمنخفض جوي متوسط الفاعلية ينتقل إلى مستويات أعلى مع كتلة باردة إلى باردة جدًا تترافق  مع هطول أمطار مكثف وتصاعد احتمالات لسقوط الثلوج على مرتفعات في مناطق الشام وبعض مناطق الجزيرة العربية وكذلك ستشهد الأجواء حالة من عدم الاستقرار المناخي مع هطول أمطار غزيرة جدًا في مناطق متفرقة من العالم العربي.

أجواء سيبيرية

       بل إن الأمر وصل وبحسب د. عيسى رمضان خبير الأرصاد الجوية إلى إمكانية تحول أجزاء كبيرة من المنطقة إلى أجواء سيبيرية شديدة البرودة يشكل الصقيع المعلم الرئيس لها، لافتًا إلى أن الطقس هذا العام سيكون باردًا بسبب تأثر المنطقة بمنخفض جوي متعمق وهو امتداد للمنخفض السوداني يصاحبه منخفض متعمق وكتلة هواء باردة في طبقات الجو العليا تتحرك إلى جنوب الجزيرة العربية ومناطق مهمة في المغرب العربي.

       حيث ستبدأ الرياح الجنوبية والمحملة ببخار الماء في الارتفاع إلى طبقات الجو العليا فيكونان سحبًا كثيفة تمتد لمناطق عديدة في المنطقة، مرجحًا أن تزداد فرص سقوط الأمطار بغزارة طوال فصل الشتاء القادم تنخفض معه درجات الحرارة لمعدلات قياسية.

       وأرجع ذلك إلى معاناة المنطقة من ظاهرة «النينو» المؤثر بشدة على نظم الضغط الجوي العالمية وتوزيع كميات الأمطار من منطقة لأخرى مما يوفر فرصة لأجواء غير مناسبة وغير مستقرة لافتًا إلى أن معدلات الأمطار العالية التي شهدناها أخيرًا مرجح استمرارها طوال فصل الشتاء.

       ولا تتوقف مسوغات انخفاض درجات الحرارة في العالم عند هذا الأمر فقط، فالثورة الصناعية والقيام باستخراج وحرق مليارات الأطنان من الوقود الأحفوري الذي يشمل النفط والغاز والفحم لتوليد الطاقة، تعد من أهم أسباب التغيرات المناخية التي ضربت الاستقرار المناخي في مقتل وكرست نوعًا من المناخ القاري المضطرب في بقاع مهمة من العالم لدرجة أن المدى الحراري بين الصيف والشتاء أصبح غير مسوغ أو مفهوم.

 تداعيات اقتصادية

       إذا كان هذا المدى الحراري سيسهم في اضطراب الأجواء عالميًا ويسهم في انخفاض درجة الحرارة، فإن تداعيات هذا الانخفاض ستكون مدمرة على القطاع الزراعي في العالم العربي، حيث ستضر بشدة محاصيل البطاطس والبرسيم والطماطم وهو ما سيضر بشدة دخول ملايين المزارعين في بلدان العالم العربي بحسب د. محمد النحراوي مدير معهد بحوث المحاصيل في مصر حيث أكد أن انخفاض درجة الحرارة في عدة بلدان عربية يضر بشدة عددا من المحاصيل في مقدمتها الخضراوات؛ حيث يؤدي إلى تحول المياه الموجودة من خلال النباتات إلى حالة التجمد وبالتالي يؤدي لتهتك الخلايا.

       وأوضح أن محاولة التغلب على هذه المشكلة بتأخير زراعة بعض هذه المحاصيل ذات القوة التصديرية تحمل تأثيرًا سيئًا على المحصول وتضره ضررًا بالغًا.

       وطرح د. النحراوي سبلا للتقليل من مخاطر هذه الأزمة أهمها ضرورة الري المستمر للنباتات حتى يساعد على عدم تجمد الخلايات النباتية، بالإضافة لأهمية التسميد حتى يقلل من خسائر بالمليارات قد تصيب اقتصادياتنا العربية والمحاصيل المهمة المزروعة في مثل هذا الوقت من العام، بل إن هذه التأثيرات قد يكون لها مخاطر على صناعات البتروكيماويات، خصوصًا أن انخفاض معدلات الحرارة قد يضر بالملاحة جدًا في المنطقة حيث يمكن أن يصيب أرضية النيل بالشلل التام ويتسبب في خسائر تجعلنا الأكثر تضررًا من هذه الأزمة.

الخطر القادم

       من جانبه أكد مسلم شلتوت الخبير  وأستاذ بحوث الشمس والفضاء ونائب رئيس الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك أن تغير مناخ الأرض نتيجة لظاهرة الاحتباس الحراري أصبح مع مطلع القرن الحادي والعشرين حقيقة وواقعا، مشيرا للآثار السلبية لهذا التغير المناخي على البلاد العربية مثل غرق أجزاء من دلتا نهر النيل وتأثير معدل الفيضان بهذا التغير، وفي المقابل وهذا هو  الخطير أن هذه التغيرات تنعكس في انخفاض درجة الحرارة شتاء وهطول الأمطار بغزارة علي بلدان العالم العربي خاصة دول شمال أفريقيا وبلاد الشام وانخفاض  الحرارة عن معدلاتها الطبيعية في كل البلاد العربية وزيادة العواصف الترابية والأعاصير.

       ودلل على ما ذهب إليه بما شهده العالم من موجات جفاف شديدة ضربت الصومال بشكل غير مسبوق، وهو ما أصاب بلدا عملاقا بحجم روسيا بجفاف شديد خلف كوارث اقتصادية وأصاب إنتاجها الإستراتيجي من القمح بفعل الحرائق وهو ما جعل أغلب الترجيحات تصب في إطار شتاء أقل برودة، ولكن يبدو أن التغيرات المناخية ستغيب مناخ البحر المتوسط ليتحول من حار جاف صيفا لدافئ ممطر شتاء إلى حار جاف صيفا وبارد ممطر شتاء.

       وطالب بضرورة ممارسة أقصى نوع  من الضغط على الدول الصناعية الكبرى لتقليل انبعاث ثاني أكسيد الكربون والالتزام بالمعاهدات الدولية كمعاهدة كيتو وكوبنهاجن ووضع خطط  لتلافي الآثار السلبية لتغير المناخ على البلاد العربية وطرح هذا الأمر على المنتديات الدولية باعتبار أن دولنا هي الأكثر تضررا من هذه التغيرات.

       ونبه إلى أهمية رصد التغيرات  المناخية في المنطقة والعالم   وعرض الأدلة العلمية من الأرصاد الأرضية والفضائية التي تؤكد حدوث هذا التغير وتوضيح تبعات ذلك لمتخذي القرار في بلداننا العربية لتدارك الخطر من الآن، ولاسيما أن هناك مناطق في دلتا مصر قد تتعرض للتآكل التام بفعل هذه التغيرات بشكل يهدد حياة عشرات الملايين  من السكان وقد يجبرهم على مغادرة مناطقهم في حالة استمرار التراخي في رصد هذا الخطر ووضع الخطط لمواجهة تداعياته 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك


X