رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. ناظم المسباح 19 سبتمبر، 2018 0 تعليق

انحراف الشباب.. أسبابه ودواعيه

من مظاهر قدرة الباري -سبحانه وتعالى- في بني آدم، أن خلْقهم يمر في أطوار، قال -تعالى-: {مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا}(نوح: 13-14)؛ فمنها مرحلة الصبا، ثم الشباب، ثم الشيخوخة، وقال -تعالى-: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِي}(الروم: 54)، وقوله -تعالى-: {الله الذي خلقكم من ضعف} في الآية دليل على قدرته في نفس الإنسان ليعتبر، ومعنى {من ضعف} من نطفة ضعيفة، وقيل: «من ضعف» أي في حال ضعف، وهو ما كانوا عليه في الابتداء من الطفولة والصغر {ثم جعل من بعد ضعف قوة} يعني الشبيبة {ثم جعل من بعد قوة ضعفا} يعني الهرم.

والواحد منا لا يملك تغيير هذه السنن الجارية عليه من الباري -سبحانه-؛ فنحن نرغب بطول فترة الشباب، بل ببقائها.

ألا ليت الشباب يعود يوما                                فأخبره بما فعل المشيب

وقال آخر:

ولى الشباب فما له من عودة                             وأتى المشيب فأين منه المهرب

فهل نستطيع أن نحقق مثل هذه الأمنية؟! طبعا لا {فلن تجد لسنت الله تبديلا}، وقال -سبحانه-: {ولن تجد لسنت الله تحويلا}(فاطر: 43)،

مرحلة القوة والنشاط

فالشباب مرحلة القوة، والنشاط، والحماس، والعطاء، والبناء، والتحدي، وهذه نعمة عظيمة من الباري -سبحانه- سنسأل عنها عندما نقف بين يدي الله -سبحانه وتعالى.

قال صلى الله عليه وسلم : «لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه، حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيم أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ وماذا عمل فيما علم؟» أخرجه الترمذي.

فمن أعانه الله -سبحانه- وحفظ شبابه، واستغله بطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من حفط كتاب الله، والدعوة إلى الخير والإصلاح، والتمرس في أمور الدنيا المفيدة التي تعود عليه وعلى أمته بالخير والقوة؛ فله البشرى في الدنيا والآخرة.

قال صلى الله عليه وسلم : «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله» وذكر منهم «وشاب نشأ في عبادة الله..» مسلم عن أبي هريرة.

يا لها من بشرى

     يا لها من بشرى -شباب الإسلام- تكون في كنف وكرامة وظل عرش ملك الملوك، وعلام الغيوب الكريم المنان، وخص الشاب بهذه الكرامة، لكونه مظنة غلبة الشهوة؛ لما فيه من قوة الباعث على متابعة الهوى؛ فإن ملازمة العبادة مع ذلك أشد وأدل على غلبة التقوى، كما قال العلماء: ومن أهدر شبابه في المخدرات، والخمور، والجري وراء العاهرات الفاجرات، وضيع ما أمره الله -تعالى- من الصلوات وبقية الواجبات؛ فسيندم حين لا ينفع الندم.

     قال -تعالى-: {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ(56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}(الزمر: 55-58).

     وقال -تعالى-: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي ۗ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا (29) وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا}(الفرقان: 27-30).

مستقبل الأمة

الشباب عدة مستقبل الأمة، وسبب عزها ومجدها، من الذي يسهم في بقائها حية عزيزة ممكنة في الأرض غيرهم؟

والمرء يحيي مجده أبناؤه                                           ويموت آخر وهو في الأحياء

     فعلى ولاة أمر الشباب من مربين، وآباء، وأمهات، أن يضاعفوا جهودهم في الاعتناء بأمر شباب أمة الإسلام، وأن يبحثوا أسباب انحرافهم عن صراط الله المستقيم، وأن يجتهدوا في وضع الحلول المناسبة لمشكلاتهم؛ فنحن جميعا مسؤولون عنهم عندما نقف بين يدي الله -عز وجل- قال -تعالى-: {وقفوهم إنهم مسؤولون}(الصافات: 24).

     وقال صلى الله عليه وسلم : «كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته؛ فالإمام راع، وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله، وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها، وهي مسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده، وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع في مال أبيه، وهو مسؤول عن رعيته؛ فكلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته» أخرجه أحمد عن ابن عمر رضي الله عنه .

أسباب انحراف الشباب

إن أسباب انحراف الشباب عن صراط الله المستقيم عديدة، منها:

ضعف الإيمان

1 - ضعف الإيمان والوازع الديني؛ فالإيمان الصادق هو الذي يدفع صاحبه إلى طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وأداء حقوق العباد عليه وعدم التقصير في حقهم، كما يدعوه إلى الكف عن الذنوب والخطايا والموبقات.

قال -تعالى-: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (5) إِلاَّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ}(المؤمنون: 1-9).

فعلينا أن نهيئ سبل تقوية الإيمان لهم، وأن ندعو الله أن يملأ قلوبهم إيمانا وتقوى، وأن نرعاهم ونتابع أمرهم.

القصور في الجوانب التربوية

2- قصور بعض أولياء أمور الشباب من آباء وأمهات ومدرسين ومدرسات في الجوانب التربوية؛ فمسؤولية الوالدين عظيمة في تربية الأبناء، وصدق شوقي حين قال:

ليس اليتيم من انتهى أبواه من                             هم الحياة وخلفاه ذليلا

إن اليتيم هو الذي يلقى له                                  أما تخلت أو أبا مشغولا

فعلى المربين من آباء وأمهات ومدرسين ومدرسات أن يستعينوا بالله، ويقوموا بمهمتهم بجد ونشاط في غرس القيم والأخلاق والفضائل في نفوس الشباب، وأن يدربوهم على ذلك؛ فليست وظيفة المدرس حشو ذهن الطالب بالمعلومات فقط.

     وأذكر أولياء الفتيات الذين يعرقلون زواج بناتهم بسبب المغالاة في المهور، بقول الخليفة الراشد أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه : «ألا لا تغالوا في صدقات النساء؛ فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا وتقوى عند الله لكان أولى بها رسول الله[ ما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح شيئاً من نسائه، ولا أنكح شيئا من بناته على أكثر من اثنتي عشرة أوقية» بما يعادل مئة دينار تقريباً. وهذه النصيحة من هذا الخليفة الراشد مستقاة من هدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يزوج على أقل المهور.

     خطب صحابي من رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة؛ فقال: يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «هل عندك من شيء تصدقها إياه؟»؛ قال: ما عندي إلا إزاري هذا؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أعطيتها إياه جلست لا إزار لك؛ فالتمس شيئاً»؛ فقال: ما أجد، قال صلى الله عليه وسلم : «فالتمس ولو خاتما من حديد»؛ فالتمس فلم يجد شيئاً؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «هل معك من القرآن شيء؟»، قال: نعم، سورة كذا، وسورة كذا لسور سماها؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «قد زوجتكها بما معك من القرآن» متفق عليه.

انبساط الدنيا

3- انبساط الدنيا على بعض المجتمعات كذلك سبب لانحراف كثير من الشباب؛ فالدنيا وشهواتها وزينتها عندما تبسط على الناس دون توجيه سديد، تلهيهم وتغرهم وتجرهم إلى التنافس فيها، والانشغال عن أمور الآخرة، قال -تعالى-: {كلا إن الإنسان ليطغى}، وقال -تعالى- حاكيا عن قارون عندما انخدع في دنياه وغرته: {إنما أوتيته على علم عندي}(القصص: 78).

وقال أبو العتاهية شاعر الزهد والحكمة:

إن الشباب والفراغ والجدة                                               مفسدة للمرء أي مفسدة

فاحذروا شباب الإسلام من الدنيا وشهواتها وزينتها، ولا تغتروا بمتاعها الزائل.

قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۖ وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ}(فاطر: 5).

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أبشروا وأملوا ما يسركم؛ فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم؛ فتنافسوها كما تنافسوها؛ فتهلككم كما أهلكتهم» متفق عليه.

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، قال: جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، وجلسنا حوله؛ فقال: «إن مما أخاف عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها» متفق عليه.

أمانة في أعناقكم

أخيراً، اتقوا الله في شباب الإسلام؛ فإنهم أمانة في أعناقكم، وربوهم وفق منهج الكتاب والسنة على طريقة سلف الأمة -رضي الله عنهم- تجدوا فيهم أبطالا ورجالا مخلصين، أقوياء يذوذون عن الحمى والدين والعرض.

يا أمتي ربي بنيك على تعاليم السماء                                             وتعهديهم بالهدى لا بالنشيد أو الغناء

فالدين يجعلهم رجالا مخلصين وأقوياء                                          يفدون بالأرواح هاتيك البلاد وبالدماء

وولاؤهم لبلادهم ولدينهم نعم الولاء                                              إن تفعلي تجدي صلاح الدين يجهر بالنداء

هيا إلى الأقصى المبارك فالجميع له فداء                                      والجند جند الله في الهيجاء مرفوع اللواء

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك