اعداد: وائل رمضان
23 أكتوبر، 2023
0 تعليق
انتهاكات ضـد حقوق المدنيين
من أخلاقيات الحرب في الإسلام - عدم استهداف المدنيين
- منعت الشريعة الإسلامية التدمير الطائش لممتلكات العدو ولذلك أمر أبو بكر الصديق رضي الله عنه قائدَ قواته قائلًا: «لا تقطعوا شجرة مثمرة ولا تهدموا بناء ولا تذبحوا شاةً ولا بقرة ولا بعيرًا إلا لمأكله وَلا تُغْرِقُنَّ نَخْلًا وَلا تَحْرِقُنَّهَا»
- تحرِّم الشريعة الإسلامية التمثيل بالجثث تحريمًا قاطعًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم : «لا تغلُّوا ولا تغدروا ولا تمثِّلوا»
- اعتبار الذي توليه الشريعة للكرامة الإنسانية يستوجب دفن الموتى من الأعداء أو تسليم جثثهم لبلدانهم عقب توقف الأعمال القتالية
- بالرغم من أن الأسلحة التي استخدمها المسلمون قديمًا كانت بدائية ذات قدرة محدودة فقد حرص الفقهاء على تأسيس أحكام تتعلق باستخدام أسلحة عشوائية الطابع مثل المنجنيق والسهام المسمومة والسهام النارية
- الإسلام لم يترك الحرب هكذا دون قيود أو قانون وإنما وضع لها ضوابط تحد مما يصاحبها وبهذا جعل الحروب مضبوطة بالأخلاق ولا تسيرها الأهواء
إذا كان السلم هو الأصل في الإسلام، وإذا شرعت الحرب في الإسلام لأسباب وأهداف محددة، فإن الإسلام كذلك لم يترك الحرب هكذا دون قيود أو قانون، وإنما وضع لها ضوابط تحد مما يصاحبها، وبهذا جعل الحروب مضبوطة بالأخلاق ولا تسيرها الأهواء، كما جعلها ضد الطغاة والمعتدين لا ضد البرآء والمسالمين، وفيما يلي المبادئ الأساسية التي شرعها الإسلام لحماية المدنيين في الحروب:
- أولا- حماية المدنيين وغير المقاتلين
تؤكد الشريعة الإسلامية بوضوح لا لبس فيه، وجوب حصر أعمال القتال كلها في ميدان المعركة ضد المقاتلين الأعداء وحدهم، وتحظر الشريعة الإسلامية استهداف المدنيين وغير المقاتلين عمدًا في أثناء سير العمليات القتالية، يقول -تعالى-: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (البقرة: 190).
وجاء في الكثير من الأحاديث النبوية ذكر خمس فئات من الناس يتمتعون بحصانة غير المقاتلين وهم: النساء، والأطفال، والمسنُّون، والرهبان، والعُسفاء (جمع عسيف) وهم الأجراء المستقدمون لأداء خدمات ومهام معينة للعدو في ساحة المعركة، لكنهم لا يشاركون في العمليات القتالية الفعلية.
ومن ضمن المهام المتنوعة التي كان يُعهَد بها إلى العُسفاء في ساحة المعركة في ذلك الوقت، الاعتناء بالحيوانات والممتلكات الشخصية للمقاتلين، وربما يناظر هذه الفئة في سياق الحرب الحديثة أفراد الطواقم الطبية العسكرية والمدنية والمراسلون العسكريون وجميع الفئات الأخرى من الأفراد داخل جيش العدو، ممن لا يشاركون في العمليات القتالية الفعلية، هؤلاء الأفراد أيضًا لا يمكن استهدافهم.
حصانة لفئات أخرى
وقد استوعب صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - والأجيال المتعاقبة من الفقهاء المنطق الموجِّه لحظر استهداف هذه الفئات الخمس من الناس، ووفَّروا حصانة لغير المقاتلين من فئات أخرى أيضًا مثل المرضى والمكفوفين والمقعَدين والمجانين والمزارعين والتجار والصناع، ومع ذلك، فالأفراد المدرجون في هذه الفئات المشمولة بالحماية، يفقدون حصانة غير المقاتلين إذا اشتركوا في العمليات القتالية.
اشتراك هذه الفئات في القتال
وقد تناول الفقهاء بالبحث مسألة اشتراك مثل هؤلاء الأشخاص في أعمال القتال لتحديد إمكانية إباحة استهداف هذه الفئات، تضمنت هذه الحالات ما يلي: امرأة شرعت في قتل جنود المسلمين، أو قذفتهم بالحجارة، أو تؤدي مهام عسس واستطلاع، أو تسخِّر مالها الخاص لتمويل جيش العدو، وتضمنت نقاشات الفقهاء حالات أخرى، مثل طفل أو شخص مسنٍّ يشارك في الأعمال القتالية المباشرة، وشخص مسنٍّ حُمِل إلى أرض المعركة ليخطط عمليات العدو، وبغض النظر عن الفروق الدقيقة في تأملاتهم وفتاواهم المختلفة بشأن إمكانية السماح باستهداف هذه الفئات المشمولة بالحماية، فإن إمعانهم النظر في هذه الحالات واستيفاءها بحثًا، حقيقةٌ مجردة تثبت، بما لا يدع مجالًا للشك، أن مبدئيْ التمييز وكفالة الحصانة لغير المقاتل، كانا من الشواغل الرئيسية بالنسبة لغالبية قدامى الفقهاء.
- ثانيا: حظر استخدام الأسلحة العشوائية
مع أن الأسلحة التي استخدمها المسلمون في بداية التاريخ الإسلامي كانت بدائية، ذات قدرة محدودة على التدمير، فقد حرص الفقهاء المسلمون على تأسيس أحكام بخصوص استخدام أسلحة عشوائية الطابع، مثل المنجنيق (آلة لقذف الحجارة الضخمة) والسهام المسمومة والسهام النارية، وجاء في القرآن الكريم: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ} (المائدة: 32).
الاهتمام بممتلكات العدو
ويشير بحث الفقهاء لاستخدام هذه الأسلحة العشوائية، اهتمامُهم الأصيل بممتلكات العدو والرغبة في صونها، وجدير بالذكر في هذا المقام أن السماح باستخدام مثل هذه الأسلحة العشوائية الطابع، خضع للبحث لتعلقها بحالات أخرى غير تلك التي تتضمن قتالًا بين الأفراد.
فعلى سبيل المثال، نظر الفقهاء فيما إذا كانت مثل هذه الأسلحة قد تستخدم ضد عدو يقاتل من وراء مواقع محصَّنة، في مثل هذه الحالات، من الواضح أنه سيكون من الصعب للغاية تجنب إحداث ضرر جانبي يطال الأشخاص والأعيان المشمولين بالحماية. يؤكد كل هذا، مرة أخرى، أن مبدأ التمييز كان الأساس لمناقشة إمكانية السماح باستخدام الأسلحة العشوائية الطابع.
استهداف تحصينات العدو
وقد أجاز أغلب الفقهاء استهداف تحصينات العدو باستخدام المنجنيق، بموازنة: المبدأ الإنساني ومبدأ الضرورة العسكرية أحدهما مع الآخر، إلا أنهم اختلفوا اختلافًا حادًّا بشأن إمكانية السماح باستهداف تحصينات العدو بالسهام النارية: إذ حرَّم فريق منهم ذلك بينما أعرب فريق آخر عن نفوره من هذا الأسلوب في الحرب، لكن فريقًا ثالثًا أباحه في الحالات التي تتطلبها الضرورة العسكرية، أو عندما يكون ذلك ردًّا على هجوم من النوع نفسه.
- ثالثا: حظر الهجمات العشوائية
انطلاقا من الحرص على مبدأ التمييز بين المقاتلين وغير المقاتلين، فصل الفقهاء أحكامًا تتعلق بمسألتين مرتبطتين باستخدام أسلوبين غير تمييزيين من أساليب شن الحرب قد ينجم عنهما قتل أشخاص مشمولين بالحماية، وإلحاق أضرار بالأعيان المشمولة بالحماية، وهذان الأسلوبان هما البيات (أي الإغارة على العدو ليلًا) والتَّترُّس (أيْ استخدام دروع بشرية)، والعلة من بحث مسألة البيات - وهي مسألة أثيرت أول ما أثيرت بين النبي وصحابته - هو الحرص على عدم تعريض غير المقاتلين للخطر لتعذر الرؤية، كان المنجنيق والأسلحة المشابهة تُستخدم استخدامًا رئيسًا لاستهداف العدو ليلًا، وهو ما زاد من خطر إصابة الأشخاص والأعيان المشمولة بالحماية، وبالمثل، وجد الفقهاء أن مهاجمة الدروع البشرية ربما يسفر أيضًا عن أضرار جانبية في حالين أمعنوا النظر فيهما: استخدام أشخاص مشمولين بالحماية دروعا بشرية، سواء كانوا من العدو أم من أسرى الحرب المسلمين.
بحسب الرؤية الإسلامية، فكل شيء في هذا العالم ملك لله، والبشر بوصفهم خلفاء الله في أرضه، يتحملون أمانةً تقضي بحماية ما لله، والإسهام في نماء الحضارة الإنسانية، ومن ثم، فحتى في أثناء سير الأعمال القتالية، فإن التدمير الطائش لممتلكات العدو محظور حظرًا صارمًا، وقد أمر أول الخلفاء الراشدين أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - قائدَ قواته قائلًا: «لا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تهدموا بناء، ولا تذبحوا شاةً ولا بقرة ولا بعيرًا إلا لمأكله، وَلا تُغْرِقُنَّ نَخْلًا وَلا تَحْرِقُنَّهَا.
- خامسا: حظر التمثيل بالجثث
الشريعة الإسلامية التمثيل بالجثث تحريمًا قاطعًا، تتضمن توجيهات النبي - صلى الله عليه وسلم - بشأن استخدام القوة هذه النواهي: «لا تغلُّوا ولا تغدروا ولا تمثِّلوا»، كما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - المسلمين بتجنب مهاجمة العدو عمدًا بضربه في الوجه، وجاءت توجيهات أبي بكر الصديق المكتوبة لأمير حضرموت باليمن متضمنة ما يلي: «إياك والمثلة في الناس! فإنها مأثم ومنفرة».
الحفاظ على الكرامة الإنسانية
هذا الاعتبار الذي توليه الشريعة للكرامة الإنسانية يستوجب دفن الموتى من الأعداء أو تسليم جثثهم لبلدانهم عقب توقف الأعمال القتالية، ويُذكر في المأثورات التاريخية والشرعية الإسلامية أن النبي -[- أمر بدفن القتلى من الجنود دون أن يسأل ما إذا كانوا من جيش المسلمين أو جيش العدو.
تبرز بعض سمات الشريعة الإسلامية التي سبق ذكرها في مسألة التعامل مع أسرى الحرب، وثمة قضيتان رئيسيتان هنا: ما حكم الاسلام في أسرى الحرب؟ وكيف ينبغي معاملتهم؟
تقوم الأحكام الفقهية في الحالين كلتيهما، على أساس مرجعية قرآنية وتاريخية وعلى أساس سوابق معينة في بداية التاريخ الإسلامي.
وفيما يتعلق بحكم الاسلام في أسرى الحرب، ينقسم قدامى الفقهاء إلى ثلاثة أقسام:
يبني موقفه على الآية الرابعة من سورة «محمد»: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ} (محمد: 4)، فأكدوا وجوب إطلاق سراح الأسرى من جانب واحد أو فداء بأسرى الجنود المسلمين.
وهم بعض فقهاء المذهب الحنفي، فقد حاججوا بأنه يُترك للدولة اتخاذ القرار في ذلك وفقًا لما تقتضيه مصلحتها، سواء إعدام الأسرى أو استعبادهم، غير أن بعض الفقهاء الآخرين من المذهب نفسه قالوا بإطلاق سراح أسرى الحرب، لكن مع بقائهم في الدولة الإسلامية؛ لأن السماح لهم بالعودة إلى بلدهم من شأنه أن يعزز قوة العدو.
غالبية الفقهاء، حاججوا أيضًا بأن للدولة أن تقرر ما تفعل وفق مقتضيات مصلحتها، لكنهم قالوا أيضًا إن الأسرى قد يُعدموا أو يُسترقُّوا أو يطلَق سراحهم من جانب واحد، أو فداءً للأسرى من جند المسلمين، أو يطلَق سراحهم دون السماح لهم بمغادرة الدولة الإسلامية.
ينبغي أن نلاحظ هنا أن الفقهاء الذين أباحوا إعدام الأسرى، بنوا رأيهم على أساس روايات تذكر أن ثلاثة من أسرى الحرب قُتلوا في الحروب بين المسلمين وأعدائهم في أثناء حياة الرسول، لكن وبعد دراسة هذه المصادر، تبيَّن أنه إذا كانت جميع هذه الروايات أو بعضها صحيحًا، فهؤلاء الأسرى الثلاثة قد أُعدموا بسبب جرائم ارتكبوها قبل الدخول في الحرب، أما بالنسبة لمعاملة أسرى الحرب، فتوجب الشريعة الإسلامية احترامهم ومعاملتهم معاملة إنسانية، ويجب إطعامهم وسقايتهم وكسوتهم إن لزم الأمر، وحمايتهم من الحرارة والبرودة والمعاملة القاسية، ويحرُم تعذيب أسرى الحرب لانتزاع معلومات عسكرية، كما أوضح الإمام مالك (المتوفى عام 795م).
لاتوجد تعليقات