رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: جهاد العايش 1 نوفمبر، 2015 0 تعليق

الْمَسْجِدُ الأَقْصَى أَوَّلُ قِبْلَة لِلْمُسْلِمِيْنَ(1)

بيت المقدس: المكان الذي جعل فيه الطهارة، أو بيت مكان الطهارة، وتطهيره: إخلاؤه من الأصنام، وإبعاده منه، ومَنْ شَدَّدَه المقدّس، فمعناه: المطهَّر

 

كتاب (الأحاديث الأربعون الفلسطينية)، وثيقة نبوية تؤكّد ارتباط الأرض المقدسة فلسطين برسالة التوحيد عبر الأزمان كلها أولها وأوسطها وآخرها، إنها أحاديث المصطفى[ التي تشد العالمين إلى أرض فلسطين، إنها زبدة أحاديث سيد المرسلين حول فلسطين وأهلها, صحيحة صريحة تبعث فينا الأمل والجرأة في الحق، وصدق اليقين، ولقد لقي متن  كتاب (الأحاديث الأربعون الفلسطينية) قبولا واسعا فقد تدافع كثيرون إلى ترجمته إلى لغاتهم, وآخرون إلى حفظه وعقد الندوات والمسابقات والجلسات إلى شرحه, فاستحق أن يكون لهذا المتن شرح يليق به؛ وها أنا ذا أدفع به إليكم ليكون سهما لي للجهاد في سبيل الله لتحرير الأرض المقدسة فلسطين, ومقدساتها من براثن يهود, بعد أن حُرمناها، وحال بيننا وبين جهاد اليهود فيها حكام وأذناب لهم جبناء متخاذلون ومنافقون ساقطون.

الحديث الأول

     عن أبي إسحاق -رضي الله عنه- قال:  سمعت البراء بن عازب -رضي الله عنه- يقول: «صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم  نحو، وفي رواية : قِبَلَ بيتِ المقدسِ  سِتَّة عَشَرَ- أو سَبعةَ عَشَرَ- شهراً»، وفي رواية: وكان يُعجبُهُ أن تكونَ قبلتُهُ قبل البيت، وفي رواية عن البراء بن عازب : وكان رسول الله يحب أن يوجه إلى الكعبة، وفي رواية عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: بَيْنَمَا النَّاسُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ بِقُبَاءٍ إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ, ثم صُرِفْنَا «وفي رواية: صرفه», وفي رواية: وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَستَقبِلَ الْكَعْبَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا وَكانَت وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّأْمِ فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْقِبْلَةِ,  نحو الكعبة». ترجمة الصحابي راوي الحديث:

البراءُ بنُ عازبِ بنِ الحارثِ الأنصارِيُّ الحارثيُّ الفقيه الكبير، أبو عُمارة المَدَني نزِيلُ الكوفةِ، من أعيانِ الصحابة، أول من بايعَ ليلة العقبة. 

رَوى حديثًا كثيرًا، وشهِد غزواتٍ كثيرة مع النبي صلى الله عليه وسلم ، واستُصغِر يوم بدر وقال: «كنتُ أنا وابنُ عُمرَ لِدَةً»، وروى أيضًا عن أبي بكرٍ الصدِّيق، وخاله أبي بُردةَ بنِ نِيَار.

تُوفي سنة اثنتينِ وسبعينَ، وأبوهُ من قدماءِ الأنصار.

مُسندُهُ: ثلاثُ مائةٍ وخمسةُ أحاديث، له في الصحيحينِ اثنانِ وعشرونَ حديثًا.

مناسبة الحديث:

عن البراء: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أول ما قدم المدينة نزل على أجداده أو قال:  أخواله من الأنصار وأنه صلى قِبل بيت المقدس ستة عشر شهراً، أو سبعة عشر شهراً، وذكر الحديث.

مواضع الحديث:

     ذكر الإمام البخاري هذا الحديث في مواضع عدة من الصحيح منها: باب الصلاة من الإيمان، باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق، باب التوجه نحو القبلة؛ حيث كان باب (سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ المَشْرِقُ وَالمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)، باب: (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).  وترجم له الإمام ابن خزيمة في كتابه مختصر المختصر، فقال: «بَابُ ذِكْرِ الصَّلَاةِ كَانَتْ إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ قَبْلَ هِجْرَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى المَدِينَةِ؛ إذِ القِبْلَةُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بَيْتُ الْمَقْدِسِ لَا الْكَعْبَةُ».

شرح الحديث:

قوله: صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيتِ المقدسِ:

 بيت المقدس: فيه لغتان مشهورتان: إحداهما: فتح الميم وإسكان القاف، والثانية: ضم الميم وفتح القاف، ويقال فيه أيضًا: إيلياء، وإلياء. وأصل المقدس والتقديس من التطهير. قال ابن حزم: بيت المقدس؛ نعني: المسجد وحده، هذا قول جمهور العلماء.

     وجاء أن بيت المقدس: المكان الذي جعل فيه الطهارة، أو بيت مكان الطهارة، وتطهيره: إخلاؤه من الأصنام، وإبعاده منه، ومَنْ شَدَّدَه المقدّس، فمعناه: المطهَّر، أي: المكان الذي يطهر فيه من الذنوب، و قيل له الأقصى لبعد المسافة بينه وبين الكعبة، وقيل: لأنه لم يكن وراءه موضع عبادة ، وقيل: لبعده عن الأقذار والخبائث، والمقدّس المطهّر من ذلك. قال العلامة شمس الدين المنهاجيَّ السيوطي -رحمه الله-في إتحاف الأخِصَّا، معللًا كثرة الأسماء للمسجد الأقصى: «اعلم أن كثرة الأسماء تدل على شرف المسمَّى».

وقد جاء في بعض روايات الحديث كلمة (الشام) وأراد بها الصحابة (مسجد بيت المقدس) وهو من باب إطلاق الكل على الجزء وعكسه صحيح أيضًا.

الشام: يبدأ إقليم الشام من تخوم مصر نحو الشمال إلى بلد الروم فيقع بين بحر الروم- بحر الأبيض المتوسط - وبادية العرب ويتصل البادية وبعض الشام بجزيرة العرب(1)، قال ابن حبان في صحيحه: « أول الشام (بالس)، وآخره (عريش مصر)».

هل استقبال بيت المقدس كان ثابتًا بالقرآن أم باجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم ؟

     «حكَى المَاوَرْدِي فِي الحَاوي وقال: وجهينِ فِي ذلكَ لأصحابِنا،  قالَ القاضِي عِياض -رحمه الله-: الذي ذهبَ إِليِهِ أكثرِ العلماءِ أنهُ كانَ بِسُنَّةٍ لا بِقرآنٍ ، فَعلَى هذا يكونُ فيهِ دليلٌ لقولِ مَنْ قالَ : إنَّ القرآنَ ينسخُ السنةَ ، وهُوَ قوُل أكثرِ الأصولييِّنَ المتأخرينَ، وهو أحدُ قوليِ الشافعيِّ -رحمهُ اللهُ تعالى- والقولُ الثَّانِي لَه، وبِهِ قالَ طائِفةٌ: لا يَجوزُ؛ لأنَّ السُّنَّة مُبيّنةٌ ِللكتابِ فكيفَ ينسخُها؟ وهؤلاءِ يقُولونَ: لم يَكُنِ استِقبالُ بيتِ الَمقدسِ بسُنّةٍ، بَلْ كانَ بِوحيٍ، قالَ اللهُ تعالَى: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ}(البقرة:143)، واختلفُوا أيضًا فِي عَكسِه وهو نسخُ السنة للقرآن، فجوَّزه الأكثرون، ومنعه الشافعي - رحِمَه اللهُ تعالَى- وطائِفةٌ».

ستة عَشَرَ-أو سَبعةَ عَشَرَ-شهراً:  حديث الباب يجمل عدد الأشهر التي صلاها النبي صلى الله عليه وسلم  وأصاحبه في المدينة قبل بيت المقدس وكانت سِتَّة عَشَرَ- أو سَبعةَ عَشَرَ- شهرًا, وجاء في رِوَايَات أُخْرَى: ثَمَانِيَة عشر شهرًا.

ويمكن تفسير الخلاف بين الروايتين: «نحو بيتِ المقدسِ سِتَّة عَشَرَ-أو سَبعةَ عَشَرَ-شهراً «بأنّ من جزم بستة عشر شهرًا، جمع أيام  شهر القدوم وشهر التحويل  فاكتمل نصاب الشهر عنده  وألغى الزائد من الأيام، ومن قال  بسبعة عشر شهرًا  عدَّهما معًا.

ماعدد صلاة النبي صلى الله عليه وسلم  نحو بيت المقدس؟

     مجموع ما صلَّاه النبي صلى الله عليه وسلم تجاه بيت المقدس بعد أن فرضت الصلاة ليلة الإسراء والمعراج قبل الهجرة بسنة، إلى أن هاجر وهو  عدد  ما صلَّاه النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس   في مكة, أضف إليه ما صلاه في المدينة  فيكون مجموع ما صلاه النبي صلى الله عليه وسلم  في مكة والمدينة إلى بيت المقدس هو سنتان وخمسة  أشهر تقريبًا.

     ثم صرفنا نحو الكعبة:  وفي رواية عن البراء بن عازب «وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ أَنْ يُوَجَّهَ إِلَى الكَعْبَةِ»، وفي رواية: «وكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ الْبَيْتِ»، وجاء في بعض روايات الحديث «قِبَلَ بيت المقدس»: أي مُقَابِله، وَسميت القِبلةُ قِبلةً؛ لأن المُصلِّيَ يقابلها وتقابله، يقال: أين قبلتك؟ أي: جهتك، وهي في الأصل الحال التي عليها الإنسان من الاستقبال، فصارت عُرفًا للمكان المتوجّه إليه للصلاة؛ ويسمى أيضا أُورِيشَـلِم ومسجد القدس.

     ويذكر الطبري في تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ۖ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}(البقرة:146)، أَحبارَ اليَهُودِ، وَعُلماءَ النَّصَارَى. يَقولُ: يَعرفُ هَؤلاءِ الأَحْبَارُ مِنَ اليَهُودِ، وَالعُلمَاءِ مِنَ النَّصَارَى أَنَّ الْبَيتَ الحَرامَ قِبلَتُهُمْ، وَقِبلةُ إِبرَاهِيمَ، وَقِبلَةُ الْأنبِيَاءِ قَبلَكَ كَما يَعرِفُونَ أَبنَاءَهُمْ.

     فرضت الصلاة قبل الهجرة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم  يحب أن يتوجه إلى الكعبة قبلة أبيه إبراهيم، ويرفع وجهه إلى السماء راجيًا من الله -تعالى- دون أن يطلب منه ذلك أدبا منه صلى الله عليه وسلم , مع الله -تعالى- علَّه تعالى  أن يحقِّق  له أمنيته ، فأنزل الله - عز وجل -: {قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}(البقرة:144).

أما سبب رغبة النبي صلى الله عليه وسلم بالتوجه في صلاته إلى الكعبة، فقد قيل في ذلك أقوال عدة:

- أَحدهَا: أَنهَا قبلَة إبراهِيم وإسماعيل -عَليهِمَا السَّلَام-، قَالَه ابْن عَبَّاس.

- وَالثَّانِي: لمخَالفة اليَهُود، قَالَه مُجَاهد.

- وَالثَّالِث: أَن استِقبَال البَيت أمسى فِي عبَادَة صَاحبه، وَهَذَا البَيت المَعمُول عَليهِ دون بَيت المُقَدّس. وقيل: إنَّه صَلَّى أَوَّلَ مَا صَلَّى إِلَى الْكَعبَةِ قبلة الأنبياء قبله لما كان في مكة، ثُمَّ صُرِفَ عَنهَا إِلَى بَيتِ الْمَقْدِسِ لما انتقل إلى المدينة، وهذا قولٌ لا دليل عليه؛ حيث إن الأمر يُحْمَل على الاستمرار فبما أن النبي صلى الله عليه وسلم  صلى في المدينة إلى بيت المقدس من غير صارف له فهذا يعني أنه صلى الله عليه وسلم  بقي على قبلته التي كان عليها في مكة.

- وأقول: ولعل سبب ذلك أن المسجد الأقصى كان بعيدًا عن أصحاب النبي زمانًا ومكانًا وكثيرٌ منهم لا يعرفه، ولم يره، و سيطرة النصارى عليه باقية، وكأن الشارع الكريم أراد أن يبقي المسجد الأقصى مع كل ما سبق من أحوال في وجدان المسلمين ولاسيما الرعيل الأول أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم  مع ما يعترض المسجد الأقصى من أحوال ذكرناها، فإن بَعُدَ  عنهم زمانًا ومكانًا أراد الله بهذا أن يجعله نصب أعينهم حُكمًا وقبلة .

وقد ذكر بعض العلماء سبب اختيار الله -تبارك وتعالى- (بيت المقدس) قبلة، على قولين:

- القول الأول: أن العرب لما كانت تحج البيت ولم تألف بيت المقدس، أحب الله سبحانه وتعالى امتحانهم بغير ما ألِفوه، ليظهر من يتبع الرسول ممن لا يتبعه، كما قال تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ }(البقرة: 143}، وهذا قول الزجّاج.

- القول الثاني: أنه اختاره ليتألف أهل الكتاب، قاله: أبو جعفر بن جرير الطّبري.

ولم يكن استقبال بيت المقدس بسنة بــل كــان بــوحي، {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ}(البقرة: 143).

الهوامش:

1- بالس : بلدة بالشام بين حلب والرّقة, هى مدينة على شطّ الفرات صغيرة، وهي أوّل مدن الشام من العراق والطريق إليها عامر وهي فرضة الفرات لأهل الشام. (انظر معجم البلدان، ياقوت الحموي 1/328) و (المسالك والممالك ، للاصطخري ، 62).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك