رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: جهاد العايش 9 نوفمبر، 2015 0 تعليق

الْمَسْجِدُ الأَقْصَى أَوَّلُ قِبْلَة لِلْمُسْلِمِيْنَ(2)

كتاب الأربعون الفلسطينية وثيقة نبوية تؤكد ارتباط الأرض المقدسة برسالة التوحيد عبر الزمان

صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم  إلى جهة بيت المقدس سنة وأربعة أشهر وكان يعجبه أن تكون قبلته إلى البيت الحرام

كتاب الأحاديث الأربعون الفلسطينية، وثيقة نبوية تؤكّد ارتباط الأرض المقدسة فلسطين برسالة التوحيد عبر الأزمان كلها أولها وأوسطها وآخرها، إنها أحاديث المصطفى[ التي تشد العالمين إلى أرض فلسطين، إنها زبدة أحاديث سيد المرسلين حول فلسطين وأهلها، صحيحة صريحة تبعث فينا الأمل والجرأة في الحق، وصدق اليقين، ولقد لقي متن كتاب (الأحاديث الأربعون الفلسطينية) قبولا واسعا فقد تدافع كثيرون إلى ترجمته إلى لغاتهم؛ فاستحق أن يكون لهذا المتن شرح يليق به؛ وها أنا ذا أدفع به إليكم في حلقات، ونكمل في هذه الحلقة شرح الحديث الأول:

الْحَدِيْثُ اَلْأَوَّلُ

     عن أبي إسحق رضي الله عنه قال: سمعت البراء بن عازب رضي الله عنه يقول: «صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو «وفي رواية: قِبَلَ» بيتِ المقدسِ سِتَّة عَشَرَ- أو سَبعةَ عَشَرَ- شهراً، «وفي رواية: وكان يُعجبُهُ أن تكونَ قبلتُهُ قبل البيت»، «وفي رواية عن البراء بن عازب: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يوجه إلى الكعبة» «وفي رواية عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:بَيْنَمَا النَّاسُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ بِقُبَاءٍ إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ»، ثم صُرِفْنَا «وفي رواية:صرفه»، وفي رواية: وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَستَقبِلَ الْكَعْبَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا وَكانَت وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّأْمِ فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْقِبْلَةِ، نحو الكعبة»، نكمل الحديث عن تحويل القبلة ومتى كان ذلك فنقول:

     كان قدوم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة في شهر ربيع الأول بلا خلاف، وكان تحويل القبلة في أرجح الأقوال من السنة الثانية للهجرة، قبل غزوة بدر بشهرين ويومين وبدر كانت في اليوم السابع عشر من رمضان، وفي العام نفسه فرض الصوم، وفيه تزوج علي بن أبي طالب من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وَجاء الخلاف فِي تحديد أَي شهر حولت القِبلَة؟ على أَقوَال ثلاثة:

- الأول: يَوْم الْإِثْنَيْنِ لِلنِّصْفِ من رَجَب.

- وَالثَّانِي: يَوْم الثُّلَاثَاء وَقت الظّهْر لِلنِّصْفِ من شعْبَان، بعد أن زار رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أم بشير بن الْبَراء ابْن معْرور، فتغدَّى عندها فحضرت صلاة الظّهْر، فصلى بِأَصْحَابِهِ فِي مَسْجِد الْقبْلَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ من الظّهْر إِلَى الشَّام وَأُمِرَ أَن يسْتَقْبل الْكَعْبَة وَهُوَ رَاكِع فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة، فَاسْتَدَارَ إِلَى الْكَعْبَة واستدارت الصُّفُوف خَلفه ثمَّ أتم الصَّلَاة، فَسُمي مَسْجِد الْقبْلَتَيْنِ لهَذَا.

- وَالثَّالِث: حُوِّلت فِي جُمَادَى الْآخِرَة.(1)

أول صلاة صلاها المسلمون قِبَل الكعبة:

     إنَّ أَوَّلَ صَلاَةٍ صَلاّهَا النبي صلى الله عليه وسلم تجاه مكة هي صلاة الظهر وقيل الْعَصْرِ، وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ، فَخَرَجَ رَجُل، وهُوَ: عباد بن نهيك وقيل عباد بن بشر، وكان مِمَّنْ صَلَّى مَعَهُ، فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ مَسْجِدٍ وهو مَسْجِد بني سَلمَة، وَيعرف بِمَسْجِد الْقبْلَتَيْنِ وَهُمْ في صَلاَةِ الْعَصْرِ، فَقَالَ: أَشْهَدُ بِالله لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قِبَلَ مَكَّةَ، فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَلَ الْبَيْتِ، وقد أَخَرجَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِه «... وَأَنَّهُ صَلَّى أَوَّلَ صَلَاةٍ صَلَّاهَا صَلَاةَ الْعَصْر، وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ، فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ صَلَّى مَعَهُ، فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ مَسْجِدٍ، وَهُمْ رَاكِعُونَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ؛ لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِصلى الله عليه وسلم ، قِبَلَ مَكَّةَ، فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَلَ الْبَيْتِ...»(2).

وفي رواية عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ بَيْنَمَا النَّاسُ بِقُبَاءٍ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ فَاسْتَقْبَلُوهَا، وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّامِ فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةِ.(3).

     وجاء في رواية أخرى، عن أَنَسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي نَحْوَ بَيْتِ المقْدِسِ فَنَزَلَتْ: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} (البقرة:144) فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ وَهُمْ رُكُوعٌ فِي صَلَاةِ الفَجْرِ، وَقَدْ صَلَّوْا رَكْعَةً فَنَادَى: أَلَا إِنَّ القِبْلَةَ قَدْ حُوِّلَتْ. فَمَالُوا كَمَا هُمْ نَحْوَ القِبْلَةِ.(4) وكان أنس آخر من بقي من صحابة رسول الله[، صلى القبلتين قال أنس رضي الله عنه في آخر عمره: «لَمْ يَبْقَ مِمَّنْ صَلَّى الْقِبْلَتَيْنِ غَيْرِي...»(5).

والسؤال هنا كيف نوفق بين الرأيين؟

     قال الحافظ ابن حجر: والجواب ألا منافاة بين الخبرين؛ لأن الخبر وصل وقت العصر إلى من هو داخل المدينة، وهم بنو حارثة، وذلك في حديث البراء. والآتي إليهم بذلك عباد بن بشر، أو ابن نهيك، ووصل الخبر وقت الصبح إلى من هو خارج المدينة –وهم بنو عمرو بن عوف، أهل قباء (6). وهذا يعني كذلك أن أهل قباء صلوا المغرب والعشاء إلى القبلة الأولى.

     ولا تعارض فيما جاء من رواية عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: «بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت، فقال: إن رسول الله قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل الكعبة، فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام، فاستداروا إلى الكعبة» (7)، وقوله: وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبَلوها: بفتح الباء ماضيا وكسرها أمرًا والضمير عليها لأهل قباء، ورُوِيَ «فاستقبِلوها» بكسر الباء وفتحها والكسر أصح وأشهر، وهو الذي يقتضيه تمام الكلام بعده (8).

 ومعنى قولهصلى الله عليه وسلم : بينما وبينا: قَالَ أَهْل اللُّغَة: أَصْل (بَيْنَمَا، وَبَيْنَا) بَيْن وَتَقْدِيره: بَيْن أَوْقَات صَلَاته، قَالَ كَذَا وَكَذَا. أَيْ بَيْن أَوْقَات اِئْتِمَارِي وَكَذَا. أو تَقْدِيره بَيْن أَوْقَات كَذَا (9).

     وقباء موضع بقرب مدينة النبي صلى الله عليه وسلم  من جهة الجنوب، ويبعد عن المسجد النبوي خمسة كيلومترات تقريبًا، وهو أول مسجد بني في الإسلام بناه الرسول صلى الله عليه وسلم  لما وصل مهاجرًا إلى المدينة المنورة من مكة المكرمة وفيه قال تعالى: {لا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} (التوبة: 108)، وكان رسول الله يأتيه كل سبت يصلي فيه، فقد جاء عَنْ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم  يَأْتِي قُبَاءً رَاكِبًا وَمَاشِيًا. زَادَ ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ فَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ) (10).

الكيفية التي كان يصلي بها النبي صلى الله عليه وسلم  إلى بيت المقدس:

عن ابن إسحق قال: «كانت قبلة رسول الله بمكة إلى الشام، وكانت صلاته بين الركن اليماني والركن الأسود، ويجعل الكعبة بينه وبين الشام» (11).

هل يجوز للمصلي أن يصحح وجهته إلى الاتجاه الصحيح للقبلة؟

 جاء في نص الحديث سابق الذكر وغيره «وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّامِ فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةِ» فهم صلوا صلاة واحدة باتجاهين، ولم يؤمروا بإعادة الصلاة. وجاء من حديث أنس: «وَاعْتَدَّوْا بِمَا مَضَى مِنْ صَلاتِهِمْ» (12).

     و«من صلى إلى جهة بالاجتهاد ثم تغيَّر اجتهاده في أثنائها فيستدبر إلى الجهة الأخرى حتى لو تغير اجتهاده أربع مرات في الصلاة الواحدة، فصلى كل ركعة منها إلى جهة ؛ صحت صلاته على الأصح ؛ لأن أهل هذا المسجد المذكور في الحديث استداروا في صلاتهم واستقبلوا الكعبة ولم يستأنفوها(13)».

كيف تحول المصلون إلى القبلة الجديدة؟

تحول المصلون وإمامهم تحولًا كليًا من جهة الشمال وهي جهة بيت المقدس إلى الجنوب وهي جهة مكة المكرمة؛ حيث يقع بيت المقدس بالنسبة للمدينة في جهة الشمال الغربي، وتقع مكة بالنسبة للمدينة في جهة الجنوب.

     وبعد تحول النبيصلى الله عليه وسلم إلى القبلة الجديدة، أغلق ما كان من باب في الجدار الجنوبي- أي القبلة حاليًا – وفتح عوضًا عنه باب في الجدار الشمالي باتجاه القبلة سابقًا؛ لأنه اتجاه بيت المقدس. وكان حينها مسجد النبي[ وفق المقاييس الحالية، لا يزيد عن 3450م2، وطوله 50م، وعرضه 49م، بارتفاع قامة الرجل تقريبًا، وكان من سعف النخيل واللبن، وسقفه من جذوع النخل، وتنفذ إليه من ثلاثة أبواب.(14).

ما حكم من مات على القبلة الأولى قبل أن تحول؟

معلوم أن استقبال القبلة شرط من شروط صحة الصلاة، ونقل الإجماع على ذلك: ابن عبد البر و النووي.

جاء في فتح الباري(15)، قال البراء بن عازب: في حديثه هذا أنه ماتَ على القبلةِ، قبل أن تحول رجالٌ قُتِلوا. فلم نَدْرِ ما نقول فيهم، فأنزل الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} (البقرة:143)ا.هـ، إيمانكم: أي صلاتكم.

وقد أثارت قضية تحويل القبلة عند الصحابة مسألة حكم من ماتَ على القبلةِ قبل أن تُحوَّل قبل البيت ولم يكن يعلم الصحابة حكم ما يقال فيهم، فأنزل الله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} (البقرة:143}

الهوامش:

1- كشف المشكل من حديث الصحيحين، لابن الجوزي:2/247.

2- أخرجه البخاري: (18496).

3- أخرجه البخاري:(403).

4- أخرجه مسلم: (527/15)، وأبو داود (1045)، وابن خزيمة في «صحيحه»(1/223).

5- أخرجه البخاري:(4489).

6- انظر فتح الباري:(1/506).

7- متفق عليه، مسند اللؤلؤ والمرجان برقم: 678

8- شرح النووي على مسلم: 3/9-10.

9- شرح النووي على مسلم، راجع: باب تحويل القبلة واستحباب القنوت واعتزال النساء.

10- أخرجه البخاري: 1194

11- شرح صحيح البخاري، ابن بطال،(2/58)، مكتبة الرشيد- الرياض، ت: أبو تميم ياسر بن إبراهيم.

12- صحيح ابن خزيمة، أبي بكر النيسابوري، 431، مكتبة الأعظمي- الرياض، ت: الأعظمي.

13- المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، النووي، 3/9-10، دار إحياء التراث العربي، بيروت.            14- انظر المسجد النبوي عبر التاريخ، محمد السيد الوكيل، 23، ط الأولى دار المجتمع للنشر.

15- فتح البارى شرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، (1/95)، دار السلام و دار الفيحاء – دمشق، ت:عبدالعزيز بن عبدالله بن باز.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك