رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: جهاد العايش 24 نوفمبر، 2015 0 تعليق

الْمَسْجِدُ الأَقْصَى أَوَّلُ قِبْلَة لِلْمُسْلِمِيْنَ(3) تحويل القبلة مخالفة لليهود واستجابة لرغبة النبي صلى الله عليه وسلم

 يعتقد كثير من اليهود أن (قدس الأقداس) مكان الصخرة أنه أقدس الأماكن في الهيكل لا يدخله سوى كبير الكهنة في يوم الغفران

 

كتاب الأحاديث الأربعون الفلسطينية، وثيقة نبوية تؤكّد ارتباط الأرض المقدسة فلسطين برسالة التوحيد عبر الأزمان كلها أولها وأوسطها وآخرها، إنها أحاديث المصطفى[ التي تشد العالمين إلى أرض فلسطين، إنها زبدة أحاديث سيد المرسلين حول فلسطين وأهلها, صحيحة صريحة تبعث فينا الأمل والجرأة في الحق، وصدق اليقين، ولقد لقي متن كتاب (الأحاديث الأربعون الفلسطينية) قبولا واسعا فقد تدافع كثيرون إلى ترجمته إلى لغاتهم, فاستحق أن يكون لهذا المتن شرح يليق به؛ وها أنا ذا أدفع به إليكم في حلقات، ونكمل في هذه الحلقة شرح الحديث الأول:

الْحَدِيْثُ اَلْأَوَّلُ

     عن أبي إسحاق رضي الله عنه قال: سمعت البراء بن عازب رضي الله عنه يقول: «صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم  نحو» وفي رواية: قِبَلَ «بيتِ المقدسِ سِتَّة عَشَرَ- أو سَبعةَ عَشَرَ- شهراً»، وفي رواية: وكان يُعجبُهُ أن تكونَ قبلتُهُ قبل البيت», «وفي رواية عن البراء بن عازب: وكان رسول الله يحب أن يوجه إلى الكعبة» «وفي رواية عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: بَيْنَمَا النَّاسُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ بِقُبَاءٍ إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ», ثم صُرِفْنَا»   وفي رواية: صرفه, وفي رواية: وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَستَقبِلَ الْكَعْبَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا وَكانَت وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّأْمِ فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْقِبْلَةِ, نحو الكعبة»، نكمل الحديث عن الحكمة من تحويل القبلة فنقول:

الحكمة من تحويل القبلة:

1- مخالفة اليهود.

2- استجابة لرغبة الرسولصلى الله عليه وسلم , قال تعالى: {قَدْ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}(البقرة: 144)؛ فوجه نحو الكعبة، وكان يحب ذلك.(1)

3- وقيل: لأنها كانت قبلة أبيه إبراهيم عليه السلام.

الكفار وإشاعة الفتنة بعد تحول القبلة:

وتحويل القبلة أثار طائفة من الكفار؛ فأكثروا الأقاويل والاتهامات في حق النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، ومما قالوه: إن محمدًا رجع إلى قبلتنا، وسيرجع إلى ديننا؛ فإنه علم أنَّا على الحق، واليهود قالوا: خالف قبلة الأنبياء ولو كان نبيًا لما خالف، فوصفهم الله -تعالى- بالسفهاء مدافعًا عن شرعه ونبيه, قال تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} (البقرة:142). والسفهاء جمع سفيه وهو خفيف العقل، والمراد بالسفهاء الكفار وأهل النفاق واليهود.

فلما كثرت ثرثرة هؤلاء السفهاء وهرطقاتهم أنزل الله هذه الآيات لجمًا لهم في قوله تعالى: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ - إلى قوله تعالى – لَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ} (البقرة:106-150).

القبلتان والعلاقة الهندسية بينهما:

     إن الاتجاه الحالي لقبلة المسجد الأقصى الذي تشير الدراسات الأثرية لأساساته أنه من بناء هيرودوس الكبير يظهر من التوجيه الجغرافي له باتجاه الجنوب وهو الاتجاه الذي يشير إلى اتجاه الكعبة المشرفة من اتجاه الشمال – الجنوب الحقيقي ينحرف 23,79 درجة إلى الشرق، وبما أن الصورة الجوية أوضحت أن المحور الرئيس لأسوار المسجد الأقصى ينحرف حوالي 11,81 درجة عن اتجاه القبلة الحقيقي، وبما أن محيط الكرة الأرضية يساوي 360 درجة تمامًا، فهذا يعني أن نسبة انحراف قبلة المسجد الأقصى عن جهة مكة المكرمة هي تقريبًا 3% وهي نسبة ضئيلة يمكن إهمالها، وهذا يعني أن المحور الأساس لمنطقة ساحات المسجد الأقصى وما دار عليها من جدار تتجه إلى مكة المكرمة قبلة المسلمين.

 وهذا يؤكد العلاقة بين المسجدين، وأن الشكل المعروف بتوجيهه الجغرافي للمسجد الأقصى يؤكد بدلالة الآثار أنه مسجد مرتبط ارتباطًا فعليًا بالكعبة المشرفة وأن ذلك لم يكن من قبيل المصادفة.

أين قبلة اليهود؟

     عَنْ عِكْرَمَةَ - وَالحَسَنِ البَصْرِي، قَالَا: أوَّلُ مَا نُسِخَ مِنَ القُرْآنِ القِبْلَةَ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ[ كَانَ يَسْتَقْبِلُ صَخْرَةَ بَيْتِ المقْدِسِ، وَهِيَ قِبْلَةُ اليَهُودِ، فَاسْتَقْبَلَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم  سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، لِيُؤمِنُوا بِهِ وَيَتَّبِعُوهُ، وَيَدْعُو بِذَلِكَ الأُمِّيِّينَ مِنَ العَرَبِ، فَقَالَ اللهُ تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ۚ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ} (البقرة:115).

     ويعتقد كثير من اليهود أن (قدس الأقداس) مكان الصخرة أنه أقدس الأماكن في الهيكل لا يدخله سوى كبير الكهنة في يوم الغفران؛ ليتفوه باسم الإله (يهوه)، ويعتقدون أنه لا يستطيع أن يَتَفَوَّه به أحد في أي زمان ومكان سوى في هذا المكان، ويعتقدون أن قدس الأقداس يقع في وسط الدنيا تمامًا.

     و يحتوي قدس الأقداس كما جاء في موروثاتهم غير المسندة على الشمعدان ومنضدة ذهبية ومذبح ذهبي، وكان في قدس الأقداس (حجر الشرب) الذي كان يقف عليه الهيكل الأول و(تابوت العهد)، وكان يدخل إلى هذا المكان الكاهن الأكبر فقط مرّة كل عام في (يوم الغفران).

      ويصف اليهود تابوت العهد أنه مصنوع من خشب الزان، ومطلي بالذهب وهو موضوع داخل قدس الأقداس، ويغلفه القماش من الأطراف، ولم يكن في الهيكل الثاني تابوت، بل عبارة عن حجر شرب، ولكن كان يتوجب على الكاهن الأكبر عند دخوله أن يتصوّر في مخيلته شكل التابوت المفقود.

     وتابوت العهد كما يزعمون أنه أقدس قطعة كانت موجودة بالهيكل، وكان يحوي سابقاً لوحا الشهادة – التوراة التي أنزلت على موسى عليه السلام - ووجوده بين ظهرانيهم كان يكفل لهم النصر ويسمّونه تابوت الشهادة وتابوت العهد، قيل: إنّهم كانوا يصلون نحوه.

     وأما الصخرة فإنها قبلة منسوخة(2)، وقد جاءت أقوال وأحاديث كثيرة في فضلها، وجميع ما قيل في فضل الصخرة لا يصح البتة نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم . وقد بيَّن الإمام ابن القيم أنَّ كل الأحاديث الواردة في فضل الصخرة هي ضعيفة لا تصح، فقال في المنار المنيف: «وكل حديث في الصخرة فهو كذب مفترى، والقَدَم الذي فيها كذبٌ موضوعٌ مما عملته أيدي المزورين،الَّذِينَ يُرَوِّجُونَ لَهَا لِيَكْثُرَ سَوَادُ الزَّائِرِينَ، وأرفع شيء في الصخرة أنها كانت قبلة اليهود، وهي في المكان كيوم السبت في الزمان، أبدل الله بها هذه الأمة المحمدية الكعبة البيت الحرام»(3).

والصخرة هي بمثابة مغارة صخرية ينزل إلى تجويفها من خلال درجات عدة، تصل أعلى نقطة فيها ثلاثة أمتار إلى سقفها(4).

من فوائد الحديث:

1- وجوب الصَّلَاة إِلَى القبْلَة وَالإِجمَاع على أَنَّهَا الكَعْبَة.

1- بيان شرف المصطفىصلى الله عليه وسلم ، وكرامته على ربه، لإعطائه له ما أحب من غير تصريح بالسؤال(5).

2- وفيه جواز التحول إلى القبلة أثناء الصلاة إذا عُلم الاتجاه الصحيح، وفيه جواز الاستدارة نحو القبلة على أي هيئة كان عليها المصلي، كما جاء ذلك في حديث أنس: مرَّ رجل من بني سلمة فناداهم وهم ركوع في صلاة الفجر «أَلَا إِنَّ الْقِبْلَةَ قَدْ حُوِّلَتْ إِلَى الْكَعْبَةِ، فَمَالُوا رُكُوعًا» (6).

3- فيه جواز تعليم وتوجيه من هو خارج الصلاة لمن هو في صلاته، إذا كان خطؤه متعلقًا في صلاته، ويشرع للمصلي أن ينصت ويستجيب لتوجيه المعلم، والله أعلم.

4- وفيه جواز قبول خبر الواحد (7)وفيه وجوب قبول خبر الواحد الثابت في العلم والعمل، العلم بتحويل القبلة، ثم العمل بها.

5- وفيه جواز الصلاة الواحدة إلى جهتين (8) أي: «إذا اجتهد وصلى إلى جهة باجتهاده، ثم في الصلاة الثانية أدى اجتهاده إلى جهة أخرى يصلي الصلاة الثانية إلى الجهة الأخرى، حتى لو صلى أربع صلوات بأربع اجتهادات لا يجب إعادتها, ولو تغير اجتهاده خلال الصلاة إلى جهة أخرى، انحرف إليها، وبنى على صلاته».

6- فيه دليل على جواز النسخ ووقوعه(9). وأن النسخ لا يثبت في حق المكلف حتى يبلغه. فإن قيل: هذا نسخ للمقطوع به بخبر الواحد، وذلك ممتنع عند أهل الأصول، فالجواب أنه احتفت به قرائن ومقدمات أفادت العلم، وخرج عن كونه خبرًا واحدًا مجردًا (10).

7-  -فيه دليل على أن حكم النسخ لا يلزم المرء قبل بلوغ الخبر إليه؛ لأن أهل قباء كانوا شرعوا في الصلاة إلى بيت المقدس بعد النسخ؛ لأن آية النسخ نزلت بين الظهر والعصر، ووصل الخبر إلى أهل قباء في صلاة الصبح، ثم انحرفوا وبنوا على صلاتهم ولم يعيدوها(11).

8-  أجمع العلماء على أن أول ما نسخ من القرآن شأن القبلة.

9- وفيه جواز نسخ السنة بالقرآن.

10- والحديث واضح على فضيلة بيت المقدس.

الهوامش:

1- البخاري:7252

2- مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية 27/12.

3- المنار المنيف، ابن قيم الجوزية، ( 87، 88 ).

4- الأنس الجليل بتاريخ القدس والجليل، مجير الدين الحنبلي، 1/272، المكتبة الجديدة.

5- فتح الباري شرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، ( 1/99).

6- صحيح ابن خزيمة، أبي بكر النيسابوري 430.

7- شرح النووي على مسلم، النووي 3/9-10.

8- شرح النووي على مسلم 3/9-10.

9- شرح النووي على مسلم 3/9-10.

10- شرح النووي على مسلم 3/9-10.

11- شرح السنة، البغوي:(2/324).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك