رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: جهاد العايش 21 ديسمبر، 2015 0 تعليق

الْمَسْجِدُ الأَقْصَى أَوَّلُ قِبْلَة لِلْمُسْلِمِيْنَ(5)- الْمَسْجِدُ الأقْصَى ثَانِي مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأرْضِ

قال النووي في شرح مسلم: «ورد أن واضع المسجدين آدم ، وبه يندفع الإشكال بأن إبراهيم بنى المسجد الحرام وسليمان بنى بيت المقدس

 

عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه  قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ أَوَّلُ؟ قال: «الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ»، فقُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «ثُمَّ الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى. «قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: «أَرْبَعُونَ سنــة (وفي رواية: عاما) (1)، ثُمَّ حَيْثُمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ فَصَلِّ، وَالْأَرْضُ لَكَ (وفي رواية: كُلُّها(2)) مَسْجِدٌ» (وفي رواية: مُصلى).

استكمالاً لما بدأناه في الحلقة السابقة من شرح الحديث الثاني نقول:

أوجه التشابه بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى:

     أوجه الشبه المعمارية بين الكعبة والمسجد الأقصى، أن كليهما ليس فيه ضلع واحد متوازٍ أو متساوٍ لضلع آخر، وهذا يعني أن وصفه من الناحية الهندسية بــ (الأشكال المنحرفة) أو (مختلفة الأضلاع) نادرة الاستعمال في مجال التصميم المعماري للمباني، وهذا وجه من أوجه التطابق الهندسي، ومن أوجه التطابق الهندسي ما يعرف بـ(النسبة الذهبية) التي تعد من أجمل النسب الهندسية على الإطلاق فضلًا عن الراحة البصرية لمن يشاهده.وعلى العكس تمامًا منه تجد كيف اعترض الهيكل المزعوم ساحات المسجد الأقصى بشكل يدلل على إقحام هذا البناء وشكل غبي وغير مدروس؛ حيث ترى أن الهيكل يعترض ساحات الأقصى مسحوبًا من جهة الشرق إلى الغرب بطريقة مزعجة بصريًا، وباتجاه الشمس الذي عرف على غالب المعابد الوثنية فضلًا عن عدم وجود أي مسوغ عقدي مقنع عند اليهود يسوغ سبب توجيه البناء باتجاه الشرق. (3).

     قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «فإن المسجد الأقصى اسم لجميع المسجد الذي بناه سليمان ، وقد صار بعض الناس يسمي الأقصى المصلى الذي بناه عمر بن الخطاب رضي الله عنه في مَقْدِمه، والصلاة في هذا المصلى الذي بناه عمر للمسلمين أفضل من الصلاة في سائر المسجد؛ فإن عمر بن الخطاب لما فتح بيت المقدس وكان على الصخرة زبالة عظيمة؛ لأن النصارى كانوا يقصدون إهانتها مقابلة لليهود الذين يصلون إليها، فأمـر عمررضي الله عنه  بإزالة النجاسة عنها، وقال لكعب الأحبار‏:‏ أين ترى أن نبني مصلى المسلمين‏؟‏ فقال‏:‏ خلف الصخرة، فقال‏:‏، خالطتك يهودية، بل أبنيه أمامها، فإن لنا صدور المساجد‏.‏ ولهذا كان أئمة الأمة إذا دخلوا المسجد قصدوا الصلاة في المصلى الذي بناه عمر، وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه صلى في محراب داود» (4)‏.

     قال مجير الدين الحنبلي: «إن المتعارف عند الناس أن الأقصى هو الجامع المبني في صدر المسجد من جهة القبلة الذي به المنبر والمحراب الكبير، وحقيقة الحال أن اسم الأقصى هو لجميع المسجد وما دار عليه السور؛ فإن هذا البناء الموجود في صدر المسجد وغيره من قبة الصخرة والأروقة وغيرها محدث، والمراد بالمسجد الأقصى هو جميع ما دار عليه السور» (5)

قوله: قلت، كم كان بينهما ؟: والذي يسأل هو أبو ذر الغفاري -رضي الله عنه- الذي أصبح عارفا بالمسجد الأقصى من فضائل ومعالم.

     قوله: قال: أربعون سنة: وفي رواية أخرى: أربعون عامًا، والمراد من ذلك هو الفترة الزمنية بين البنائين. أشار ابن حجر في الفتح(6) «إلى أن ابن الجوزي ذكر في قول النبي رضي الله عنه : «أربعون سنة» إشكالًا؛ لأن إبراهيم بنى المسجد الحرام وسليمان بنى بيت المقدس وبينها أكثر من ألف سنة، ثم أجاب ابن الجوزي عن هذا الإشكال بقوله: إن الإشارة إلى أول البناء ووضع أساس المسجد وليس إبراهيم أول من بنى الكعبة ولا سليمان أول من بنى بيت المقدس، ثم قال ابن الجوزي: «فقد روينا أن أول من بنى الكعبة آدم، ثم انتشر ولده في الأرض، فجائز أن يكون بعضهم قد وضع بيت المقدس، ثم بنى إبراهيم الكعبة بنص القرآن، وكذا قال القرطبي رحمه الله: «إن الحديث لا يدل على أن إبراهيم وسليمان لما بنيا المسجدين ابتدآ وضعهما لهما، بل ذلك تجديد لما كان أسَّسَهُ غيرهما».

قال النووي في شرح مسلم: «ورد أن واضع المسجدين آدم ، وبه يندفع الإشكال بأن إبراهيم بنى المسجد الحرام وسليمان بنى بيت المقدس، وبينهما أكثر من أربعين عامًا، بلا ريب فإنما هما مجددان.

فائدة: ورد في الحديث كلمة (سنة) في رواية أخرى كلمة (عام) فهل هناك فرق بين اللفظتين؟

     الفرق بين العام والسنة: «أن العام أيام والسنة جمع شهور؛ ولهذا يقال عام الفيل ولا يقال سنة الفيل، ويقال في التاريخ سنة مائة وسنة خمسين ولا يقال عام مائة وعام خمسين؛ فالسنة من أول يوم عددته إلى مثله، والعام لا يكون إلا شتاء وصيفا. وقد يكون فيه نصف الصيف، ونصف الشتاء. وعلى هذا فالعام أخص من السنة، وليس كل سنة عاما».(7)

     أما غالب السياق القرآني فنجد أن لفظ العام جاء في سياق ما هو خير والسنة لما فيه شر، كما جاء ذلك في قوله تعالى: {قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ} (يوسف:47) ويظهر هنا مضاعفة الجهد والمشقة التي سيتحملونها في زراعة هذه السنوات السبع، أما في قوله تعالى: {ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} (يوسف:49) وهي سنوات العيش الرغيد، أما في قصة نوح قال تعالى:  {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ} (العنكبوت: 14) فالخمسين عام المستثناة التي لم يلبثها في دعوتهم كانت سنوات لا مشقة فيها أما التسعمائة والخمسون هي سنوات المشقة التي قضاها داعيا بين ظهرانيهم – والله تعالى أعلى وأعلم -.

     قوله: ثم حيثما أدركتك الصلاة فصلِّ، والأرض لك مسجد: وهذا مما اختصت به شريعة محمد  صلى الله عليه وسلم دون غيرها من شرائع أن يصلي الرجل حيث أدركته الصلاة وذلك ما رواه أبوهريرة رضي الله عنه عن النبي  صلى الله عليه وسلم : «وَجُعِلَتْ لِي اَلْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا»(8)، ومن حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ, وَجُعِلَتْ لِي اَلْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» (9).

وفي رواية قال «فإنَّ الفضلَ فيه»، قال ابن حجر «أي: في فعل الصلاة إذا حضر وقتها».(10).

من فوائد الحديث:

1- فيه زيادة على السؤال في الجواب؛ لما في ذلك من تمام الإجابة وزيادة الإيضاح، وإبراء للذمة.

2- فيه أن أول مسجد وضع في الأرض هو المسجد الحرام ثم المسجد الأقصى وبينهما أربعون عامًا.

3- وفيه فضيلة المسجد الأقصى؛ لأنه ثاني مسجد بُني بعد المسجد الحرام.

4- حرص الصحابة على تتبع الفضل، واهتمامهم بتاريخ بناء المساجد بوصفه معلماً إسلامياً.

5- وفيه فضيلة الأمة المحمدية؛ لأن الأمم قبلهم كانوا لا يصلون إلا في مكان مخصوص، لكن هنا «حيثما أدركتك الصلاة فصل، فهو مسجد»(11).

6- وفيه إشارة إلى المحافظة على وقت الصلاة، ولا يفوت وقتها طلبًا في الصلاة في الأماكن الفاضلة.

7-  في الحديث دلالة على أن الصلاة جائزة في جميع المواضع الا ما استثناه الشرع من أماكن نجسة وأعطان الإبل.

الهوامش:

1- الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، 4 / 138، دار الكتب المصرية – القاهرة، ت: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش.

2- فتح الباري شرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، كتاب الأنبياء، 6/409

3- فتح الباري شرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، كتاب الأنبياء، 6/409

4- حاشية السندي على سنن النسائي، للسيوطي 2/33

5- البداية والنهاية، ابن كثير، 1/184

6-  مثير الغرام، ابن تميم المقدسي، ص134

7- سبق تخريجه.

8-  لمزيد فائدة راجع فتح الباري شرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، 6/ 408.

9- انظر مثير الغرام، ابن تميم المقدسي ص 150 بتصرف.

20- معالم التنزيل، البغوي، 6/390، دار طيبة للنشر والتوزيع- الرياض.

21- أخرجه مسلم:1/307.

22- البخاري: 3366 ومسلم: 120، وابن خزيمة: 787، وابن ماجه: 753.

23- لمزيد من التفصيل حول الجانب الهندسي، انظر المسجد الأقصى أم الهيكل المزعوم, د. يحيى وزيري. كما وانظر مشكورا للبحث القيم «المسجد الأقصى في الآثار القرآنية «للدكتور المهندس هيثم فتحي الرطروط، في مجلة دراسات بيت المقدس، عدد صيف 2005م

24- مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية 27/11،12، دار التقوى للنشر والتوزيع- بلبيس.

25- الأنس الجليل في تاريخ القدس والخليل، مجير الدين الحنبلي 2/24

26- فتح الباري شرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، 6 / 407.

27- لمزيد فائدة انظر مشكورًا، الفروق اللغوية، أبوهلال العسكري.

28- أخرجه ابن ماجه: 567.

29- أخرجه البخاري: 335و439 ومسلم:521.

30- فتح الباري شرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، 6/409.

31-  فتح الباري شرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، 6/407.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك