اليهود وحرب القبور
«حرب القبور» ليس (سيناريو) لفيلم يحكي واقعاً وهمياً، بل هو حقيقة وقائعها على مشهد الجميع ، فزرع آلاف القبور اليهودية الوهمية حول المسجد الأقصى المبارك والبلدة القديمة بالقدس مشروع تنفذه أذرع الاحتلال الصهيوني المتعددة، بدءا من بلدية الاحتلال في القدس ووزارة السياحة بالتعاون مع جمعيات صهيونية كجمعية (إلعاد الاستيطانية) وما يسمى بـ (سلطة الطبيعة والحدائق)؛ حيث تزرع هذه القبور بادعاء «الترميم والصيانة، والاستصلاح والاستحداث، والمسح الهندسي والإحصاء» .
حيث يزرع الكيان الغاصب حجارة على أرض هي تراب، ليس بمكان قبر، أي ليس تحتها أي ميت مدفون، والهدف تهويد كامل لمحيط المسجد الأقصى والقدس القديمة، والسيطرة الكاملة على كل الأرض الوقفية والفلسطينية، وتحويلها إلى مقابر ومغتصبات وحدائق توراتية وقومية ومنشآت يهودية .
العبث بمقابر القدس
ولم يقف الأمر عند ذلك، بل سبقه العبث في مقابر المسلمين في القدس، كمقبرة (مأمن الله) التاريخية في مدينة القدس، التي تعد أقدم مقبرة إسلامية في فلسطين وأعرقها، أقيمت على أرض وقفية إسلامية، كانت مساحتها الأصلية 200 دونم (1000متر مربع)، لم يتبق منها اليوم سوى 20 دونماً؛ حيث أقيمت على أرضها حديقة عامة، وحُوِّل جزء منها إلى متحف، فضلا عن شق الطرقات والشوارع، مع اعتراف اليونسكو بها مَعْلماً من المعالم التاريخية التي يجب الحفاظ عليها .
وهي جريمة تعد من جرائم التطهير العرقي للموتى المسلمين في القدس، بحجة إقامة متحف، والغريب أسموه (متحف التسامح) برعاية سلطة التطوير في بلدية القدس، ولم يجدوا لإقامته إلا مقبرة (مأمن الله) التي يضم ثراها رفات المجاهدين والعلماء والصالحين من الصحابة والتابعين منذ الفتح الإسلامي إلى الحقب التاريخية التي عقبتها.
للتفاهم بين الديانات
ويدعي القائمون على المشروع أنه مخصص للترويج للتفاهم بين الديانات المختلفة والتسامح بينها! فأي تسامح يبدأ بنبش القبور الإسلامية وانتهاك حرمتها وحرمة من فيها من الأموات، واستفزاز مشاعر المسلمين بالاعتداء على قبور أجدادهم وتاريخهم؟! وكيف ستقام منارات للسلام والمحبة وسط مقبرة للمسلمين بعد أن نبشوا قبورها، وبعثروا عظامها وحطموها وألقوها على الطرقات؟!
فسياسة طمس المقبرة والمعالم الإسلامية في القدس، والعمل على نبش القبور وبعثرة جماجم الموتى الموجودة منذ عهد عمر بن الخطاب إلى يومنا هذا تُعد حلقة من حلقات طمس التاريخ والوجود على تلك الأرض المباركة؛ لأن هذه الشواهد والقبور تؤرقهم، وتاريخها يكشف الوجود الإسلامي.
تاريخ كاذب ومزور
حيث أراد اليهود من حرب المقابر والتزوير في التأريخ أن يكون أداة في يد الصهاينة لاختلاق تاريخ يهودي كاذب ومزور في فلسطين، ثم ربطه بالدولة اليهودية الحالية، وهذا ما أكدته نصّاً عالمة الآثار اليهودية (شولاميت جيفا) بقولها: «إن علم الآثار اليهودي أريد له تعسفاً: أن يكون أداة للحركة الصهيونية، تختلق بواسطته صلة بين التاريخ اليهودي القديم والدولة اليهودية المعاصرة».
فالاعتداءات اليهودية لم تمس الأحياء وحدهم، بل طالت الأموات في قبورهم، كمقبرة باب الرحمة (الأسباط)؛ حيث أتت حفريات الجرافات الصهيونية على مئات القبور، وتبعثرت عظام الموتى؛ بحجة التطوير والإعمار!
وكذلك ما حدث في مقبرة مأمن الله العريقة؛ حيث سيطر اليهود على هذه المقبرة، وتوقفت عملية دفن الموتى منذ ذلك الحين، وتناقصت مساحتها التي لم يبقَ منها سوى (19) دونماً بعد أن كانت (136) دونماً، وهي تستخدم اليوم مقراً رئيساً لوزارة التجارة والصناعة الصهيونية، وما زالوا يعبثون في قبورها التاريخية.
منع الدفن
وفي مطلع هذا العام وضعت سلطات الاحتلال لافتة تقضي بمنع الدفن بأجزاء من مقبرة الرحمة الواقعة عند السور الشرقي للمسجد الأقصى المبارك، وهي مقبرة إسلامية؛ بحجة أنها «حديقة وطنية حول أسوار القدس»، ووضعت كذلك سلطات الاحتلال ما يقارب الـ 10 لافتات في أجزاء متفرقة من مقبرة باب الرحمة كتب عليها باللغتين العربية والعبرية: «الحديقة الوطنية حول أسوار القدس. منطقة عامة مفتوحة، ممنوع إلقاء النفايات..القبر في المنطقة ممنوع»، وتلك المقبرة فيها قبور منذ زمن العثمانيين، وقبور جماعية لجنود مصريين من ثلاثينات القرن الماضي لإيصال رسالة واضحة للزائرين من اليهود وغيرهم بأن تاريخ تلك الأرض هو تاريخ اليهود فقط، ونزع الصفة الإسلامية عن القدس كاملة؛ فادعوا المقدسات، وغيروا المعالم، وبدلوا المسميات، وهودوا التاريخ؛ وكأن كل المقدسات الإسلامية هي مقدسات يهودية الأصل، وأن المسلمين دخلاء على تلك الأرض! وأن القبور والتأريخ هو لليهود في الماضي والحاضر!!
والأماكن التي ادعوا قدسيتها في فلسطين تضاعفت من (49) مكاناً عام (1949م) -وفق ما دونه الانتداب البريطاني زوراً وبهتاناً- إلى (326) مكاناً حتى العام (2000م)، وازداد العدد الآن حسب الدراسة (القدس أولاً) ليصل إلى أكثر من (350) موقعاً تقريباً.
فمجالات التحريف والتزييف التي تمارسه المؤسسات الرسمية والأكاديمية الصهيونية حول الصراع على القدس متعددة الجوانب، ومتشعبة الاتجاهات، والهدف في النهاية هو: إزالة كل ما هو عربي وإسلامي في القدس، ومحو كل ما يتعلق بالقدس من ارتباط عقدي، وتراثي، وتاريخي ثقافي، وحضاري وطمسه.
كشف زيف الباحثين اليهود
وأمام هذا الواقع لا مناص من كشف زيف ادعاءات الباحثين اليهود ورد شبهاتهم، ونشاطاتهم وندواتهم الموجهة، ومؤسساتهم السياحية، وأكاديمياتهم المختصة في علم الآثار التي أعطوا بها الحق لمن لا حق له، وسلبوا الحق من أهله، وسطروا من أباطيلهم صفحات مزورة في تاريخ مختلق.
فعلى الباحثين العرب والمسلمين ومراكز الدراسات الإسلامية العمل بكل جهد في البحث والتمحيص لما يختلقه الباحثون اليهود ومؤسساتهم العلمية والأكاديمية التي تعمل على إلغاء الحقائق، والتشكيك في الثوابت؛ لكتابة تاريخ جديد لبيت المقدس وفلسطين، يحقق لليهود مطامعهم في إثبات حقوقهم التاريخية والدينية والقانونية لوجودهم على تلك الأرض، ولإقامة كنسهم في مكان المسجد الأقصى وما حوله، وتهويد القدس وجعلها يهودية التاريخ، والحاضر.
لاتوجد تعليقات